فور دخول الجهة اليسرى لساحة باردو بمحافظة تونس العاصمة يُخيّل لغير المتابعين للشأن التونسي، أن الجماهير تجمّعت للاحتفال بمناسبة أقرب إلى عيد وطني من أي مناسبة أخرى. الشماريخ والمظاهر الاحتفالية ميّزت الساحة المقابلة للمجلس التأسيسي، وكذلك الحضور الامني الكثيف. إنه “اعتصام الرّحيل”.

[ibimage==8161==Small_Image==none==self==null]

مشهد من الاعتصام

فور دخول الجهة اليسرى لساحة باردو بمحافظة تونس العاصمة يُخيّل لغير المتابعين للشأن التونسي، أن الجماهير تجمّعت للاحتفال بمناسبة أقرب إلى عيد وطني من أي مناسبة أخرى. الشماريخ والمظاهر الاحتفالية ميّزت الساحة المقابلة للمجلس التأسيسي، وكذلك الحضور الامني الكثيف. إنه “اعتصام الرّحيل”.

[ibimage==8161==Small_Image==none==self==null]

مشهد من الاعتصام

أعلام بلد مهد الثورات العربيّة كانت في أغلب الأحيان موجودة في يد كلّ تونسيّ خيّر التحوّل إلى هناك للتّعبير عن مساندته للمطالب المتمثّلة في حلّ المجلس التأسيسي والإطاحة بحكومة الترويكا، التي تقول المعارضة أن حركة النّهضة من تسيّرها، بسبب فقدان الثقة في قدرتها على تأمين المسار الانتقالي السّلمي خاصّة بعد اغتيال النّائب محمّد براهمي، حسب ما صرّح به أيّوب الزراري وهو أحد المتظاهرين لـ”مراسلون”.

كيف نثق بهم؟

يقول أيوب وهو طالب وتحوّل من محافظة منّوبة للمشاركة في اعتصام الرّحيل لـ”مراسلون” التي تواجدت بالمكان “فقدنا كل ثقة في المجلس التأسيسي والحكومة فقد تحوّلا إلى أداة لإذلالنا…كيف لنا أن نثق بمن خدعنا عديد المرّات وأفعالهم مخالفة تماما لأقوالهم ووعودهم”.

التنقّل بين المتجمّعين بالجهة اليسرى من ساحة باردو لم يكن بالأمر الهيّن فبعد الإفطار مباشرة بدأ سيل المواطنين بالالتحاق بمن لم يبارحوا السّاحة ويبدو أنّهم لن يبارحوها قبل تحقيق مبتغاهم و إسقاط حكم الإخوان.

فالحرارة الشديدة خلال النّهار لن تحبط عزائمهم والاعتداءات على حين غرّة والمتكرّرة لأعوان الأمن لن تخيفهم، هذا ما قاله عزيز بن مبارك لـ”مراسلون”.

اعتداءات ولكن..

يضيف بن مبارك، وهو تقني بشركة، بصوت أبحّ من الهتاف “منذ بدأنا الاعتصام والاعتداءات لم تتوقّف. فقد باغتنا أعوان الدّاخليّة مرتين في حدود الثّالثة صباحا عندما كان أغلبنا نياما وهاجمونا مرارا وتكرارا بالغاز المسيل للدّموع والعصي، فحتّى نوّابنا لم يسلموا من اعتدائهم، ولكنّنا لن نرحل قبل أن يرحلوا”.

اعتصام مفتوح يشارك أكثر من 70 نائبا انسحبوا من المجلس التأسيسي بعد الاغتيال السّياسي الثاني، في بلد كان يتميّز بالسّلم الأهلي، لا يميّزهم شيء عن بقيّة المواطنين، نفس الأكل ولا شرب…فحتّى اعتداءات الأمن كان لهم نصيب وفير منها، آخرهما كانا النّائبان نعمان الفهري ومحمد علي نصري.

يا شيوعي يا جبان

بعد توغّل داخل “اعتصام الرّحيل” وبلوغ أقصاه منعت الأسلاك الشّائكة التي تقسم ساحة باردو، “مراسلون” من التقدّم نحو الجهة اليمنى للسّاحة المقابلة للمجلس التأسيسي حيث يرابط مساندو “الشرّعيّة الانتخابية” من انصار احزاب الائتلاف الحاكم، يطغى على عددهم الإسلاميّون.

كانوا أقلّ بكثير من مناهضيهم ولكنّ أصوات التّكبير و شعاراتهم المنادية ببقاء الحكومة كانت عالية، فمضخّمات الصوت تعوّض نقصهم العددي ويتداول عليها عدد من الملتحين بعضهم كان يردّد ما يحفظه من الأناشيد الدينيّة من حين لآخر وبعضهم كان يهاجم المعارضة عبر عديد الشعارات منها “يا شيوعي يا جبان الإسلام لا يهان”.

أبو منير، كما عرّف نفسه لـ”مراسلون” وهو تاجر لم يتخلّف عن اعتصام مساندة الشرعيّة منذ يوم الأحد الماضي ولن يدّخر أي جهد للدفاع عن حزب حركة النّهضة ومن ورائها دين أبائه وأجداده حسب ما أكّده.

لن يمرّوا

ويتابع أبو منير “لا أعرف لماذا يريد هؤلاء -ويشر إلى الجهة المقابلة له- إدخال البلبلة في البلاد وإغراقها في الفوضى…صناديق الاقتراع أفرزت عن فوز النهضة وهم لا يفوّتون أي فرصة للانقلاب على هذه النتائج ولكن لن يمرّوا”.

قاطع حديث “مراسلون” مع ابو منير ملتحي شاب يحمل راية التّوحيد ليقول “لا تظن ان كل المشاركين في اعتصام الرّحيل مقتنعون بالنّضال في سبيل تحقيق ما أتوا من اجله، أغلبهم تحّوّل إلى هنا لإضاعة الوقت لا غير أمّا نحن فدمنا فداء لديننا ولن نسمح للشيوعيّين والعلمانيّين بتطبيق أفكارهم السوداء”.

أعداء الإسلام

وأردف خالد طرشونة، وهو أستاذ تربية بدنيّة، وهو ينظر إلى راية التوحيد التي يحملها “هذا ما يريدونه الإطاحة بالحكومة للتحكّم في الشّعب بما لا يرضي اللّه، مشكلهم الاساسي هو الإسلام وحين لم يستطيعوا منع استنباط بعض القوانين منه داخل المجلس هاهم يستغلّون اغتيال محمّد براهمي للانقلاب على الشرعيّة”. 

بدا واضحًا من خلال السّاحة المقابلة للمجلس التأسيسي التي انقسمت بين مساند للشرعيّة ومطالب بإسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي أن طرفي الخلاف السياسي قد اختارا الشارع لتحسين شروط التفاوض  بعد الصدمة التي اصابت البلاد مع اغتيال المعارض القومي وعضو المجلس التأسيسي، محمد البراهمي بالرّصاص الحيّ.

“يسقط حكم الإخوان”، “يا غنوشي يا سفاح يا قتّال الأرواح” شعارات خرجت من حناجر آلاف المناهضين لحكم حركة النهضة الإسلامية، قابلتها شعارات مناصري الأخوان المدافعين عن “الشرعية” المنددة بالعلمانيين وأجنداتهم “الخفية”، فيما يقول الطرفان إن الاعتصامين مستمران حتى تحقيق مطلبيهما المتعارضين في زوال الحكم أو بقائه.