لم يدر بخلد محمّد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والأمين العام السابق لحركة الشعب وهو يهم بمغادرة منزله مع منتصف النهار يوم عيد الجمهورية، مودّعا أطفاله الخمسة وزوجته أن الموت يتربّص به خلف الباب. وأن يد الاغتيال البشعة ستمتد لتقصف روحه، وترديه قتيلا بعد أن خرّبت جسده بـ 14 رصاصة غادرة اخترقته من رأسه الى أخمص قدميه وألحقته بطابور شهداء الوطن في تونس ما بعد الثورة.

لم يدر بخلد محمّد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والأمين العام السابق لحركة الشعب وهو يهم بمغادرة منزله مع منتصف النهار يوم عيد الجمهورية، مودّعا أطفاله الخمسة وزوجته أن الموت يتربّص به خلف الباب. وأن يد الاغتيال البشعة ستمتد لتقصف روحه، وترديه قتيلا بعد أن خرّبت جسده بـ 14 رصاصة غادرة اخترقته من رأسه الى أخمص قدميه وألحقته بطابور شهداء الوطن في تونس ما بعد الثورة.

اثنان من أولاده الصغار كانا شاهدي عيان صبيحة يوم 25 تموز/جويلية، على الرصاصات التي اخترقت جسد والدهما وحرمتهما منه الى الأبد. ابنته الكبرى قالت لـ “مراسلون”: “ان من اغتال والدي  شخصين كانا على متن دراجة نارية، يرتديان ملابس سوداء وقبعات واحدة حمراء و اخرى رمادية اطلقا النار على والدي امام منزلنا وفرّا هاربين”.

صباحك دم .. أيتها الجمهورية

في مستشفى محمود الماطري بأريانة (شمال العاصمة)، لفظ محمّد براهمي أنفاسه الأخيرة، في بهو المستشفى كان مئات المواطنين وعشرات السياسيين غير مصدقين للنبأ للفاجعة.

يوم عيد الجمهورية خضّبت دماء محمد براهمي تراب تونس ولوّنته باللون الأحمر القاني كلون علم تونس الذي دعا القيادي في حركة النهضة والنائب بالمجلس التأسيسي الصادق شورو إلى عدم رفعه على المنازل اتقاء للفتنة. وذلك في ردّه على الحملة التي أطلقها نشطاء من المجتمع المدني دعوا إلى رفع العلم الوطني في كل مكان تمسّكا بالجمهورية وقيمها.

لكن اغتيال محمّد براهمي نكّس علم تونس حزنا على الشهيد الثاني للوطن بعد ان تم اغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد في فبراير الماضي ولم يقع الكشف عن اسم المجرمين الى اليوم.

كان النحيب يعلو في  محيط المستشفى، الجميع تطفوا على وجوههم ملامح الصدمة والوجوم، الكل يبكي البراهمي وتونس التي تسير نحو المجهول و”تنجرف الى حمام دم”، كما قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي.

بعض أعضاء المجلس التأسيسي الذين حضروا للمستشفى لإلقاء النظرة الأخيرة على الشهيد كانوا يبكون بحرقة.

النائب هشام حسني رفيقه في الجبهة الشعبية صرّح لموقع “مراسلون” بصوت متأثر “نعم ..كل من يعادي النهضة تخرسه رصاصة.”

محمد البراهمي، المعارض القومي والناصري في تونس، الذي كانت مواقفه حاسمة في انحيازه للفقراء وتمسّكه بوحدة الوطن، بارك ما وقع في مصر منذ أسابيع واعتبر أن وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي انحاز لإرادة الشعب ولم يقم بانقلاب.

وجاء اغتيال البراهمي بعد حوالي أسبوع من تصريحات زميله في المجلس التأسيسي، ورئيس كتلة النهضة بالمجلس الصحبي عتيق، بأن “من يتطاول على الشرعية سيستباح في شوارع تونس”.

الشهداء، يولدون في سيدي بوزيد

محمّد البراهمي أصيل سيدي بوزيد معقل الثورة، منحته أصواتها ليمثلها في المجلس التأسيسي. أهالي هذه الولاية المنكوبة تهميشا وفقرا، خرجوا بالمئات الى الشوارع غير مصدقين الفاجعة.

ولد البراهمي في 15 أيار/ماي 1955 بمنطقة الحشانة بولاية سيدي بوزيد و التحق بعد ذلك بالمعهد الأعلى للتصرف وتحصل على شهادة الأستاذية في المحاسبة سنة 1982.         كان شغوفا بالعمل السياسي منذ سنوات شبابه الأولى وكان من ذلك الجيل المبهور بأفكار الزعيم جمال عبد الناصر القومية، ووقع اغتياله في غمرة الاحتفالات بذكرى ثورة جمال عبد الناصر في مصر (23 يوليو).

يتذكره الأهالي اليوم مناصرا للمطالب الاجتماعية، مناهضا لحكومة علي العريض، ومعارضا شرسا لحركة النهضة التي يعتبرها تشجّع على العنف والفوضى لتأبيد حكمها. كان لا يخفي رأيه ويقول ان النهضة حركة لا تؤمن لا بالحوار ولا بالديمقراطية وأن من يحكم في تونس في الحقيقة هو مجلس شورى حركة النهضة وليس المجلس التأسيسي.

زمن العريض، زمن الاغتيالات  

“ان لم تحقق النهضة غاياتها سوف تدفع البلاد الى العنف” هذه كانت أخر كلمات محمّد براهمي الذي يرى محللون أن هناك أسباب اجتمعت لتجعل منه شهيدا في عملية اغتيالات التي تكتسح تونس منذ اغتيال شكري بلعيد والتي تهدف الى تفجير الوضع وجرّ البلاد الى حرب أهلية.

فقد ساند محمّد البراهمي الاحتجاجات المليونية في 30 حزيران/يونيو في مصر والتي تخشى حركة النهضة مواجهتها في تونس، وأن يكون مصيرها كمصير جماعة الاخوان المسلمين المصرية.

كما أن محمد البراهمي من أبرز وجوه جبهة الرفض للحكومة الحالية بقيادة علي العريض الذي  سيخّلد زمنه كزمن للاغتيالات السياسية بامتياز. ففي عهده كوزير داخلية وقع اغتيال شكري بلعيد وفي زمنه كرئيس حكومة وقع اغتيال محمد البراهمي.

زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي  خرج عن صمته سويعات بعد عملية الاغتيال عكس عملية اغتيال شكري بلعيد حينما خيّر الصمت، ليصرّح بأن ما حصل “جريمة نكراء يقف وراءها أعداء تونس وأعداء الديمقراطية وهدفها الزجّ بالبلاد في تيار العنف الذي يكتسح بلدان الربيع العربي”.

وأكّد الغنوشي أن حركة النهضة التي اتهمت باغتيال بلعيد والتي كشف تقدّم التحقيقات أنها منها براء، يريد البعض الصاق تهمة اغتيال جديدة بها.

كما أكّد أن الحكومة غير مستفيدة من هذا الاغتيال وهي التي أعلنت قبل ساعات من هذه العملية النكراء أنها توصّلت الى معرفة  قاتلي شكري بلعيد وستعلن عن كل التفاصيل في غضون أيام. 

حل الحكومة والمجلس التاسيسي

الشارع التونسي لم تطمئنه كلمات زعيم حركة النهضة وبقيت تتقاذفه مشاعر الصدمة والغضب. والبلاد تعيش في هذه اللحظات سكتة سياسية حادة توحي بإمكانية الدخول في أزمة كبرى.

وقد دعت الجبهة الشعبية التي ينتمي إليها البراهمي وكذلك الاتحاد من أجل تونس وأغلب الاحزاب الموجودة خارج الحكم إلى حل المجلس التأسيسي وكل ما انجر عنه من حكومة ورئاسة جمهورية.

ودعا حمة همامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية التونسيين إلى العصيان المدني السلمي وإسقاط الحكومة. وتتفق أحزاب وسطية مؤثرة مثل نداء تونس والمسار والجمهوري مع موقف الجبهة بإسقاط الحكومة وتكوين حكومة إنقاذ وطني.

من جانبها دعت منظمات وشخصيات مدنية ونقابية الى استقالة رئيس الجمهورية والحكومة وكذلك حل المجلس التأسيسي والعودة الى ما قبل انتخابات التأسيسي وتفعيل دستور 1959. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد دعا بدوره بعد يوم من اغتيال البراهمي إلى الاضراب العام. وقال سامي الطاهري الامين العام المساعد للاتحاد لمراسلون أن هذه الدعوة “هي أقل ما يمكن فعله من أجل الشهيد” وهي كذلك “دفاعا عن التونسيين الذين استشهدوا والذين ينتظرون دورهم للاستشهاد”.

عملية الاغتيال التي أودت بحياة الشهيد محمّد براهمي، لخّصها صديقه ورفيق دربه الأستاذ خالد الكريشي في تصريح لموقع “مراسلون” بقوله “إنهم يريدون أن يخرسوا من يقول لا في زمن نعم.”