رصاصات أخمدت أحد أكثر الأصوات حدّة في الدّفاع عن الفئات المحرومة، أُطلقت يوم الخميس (25 تموز/ جويليه) على النائب عن حركة الشعب والمعارض التونسي محمد البراهمي أمام منزله الواقع بمحافظة أريانة (شمالي شرق تونس العاصمة). القتلة كانا شخصين على متن دراجة نارية، يرتديان ملابس سوداء و قبعات، واحدة حمراء وأخرى رمادية.
رصاصات أخمدت أحد أكثر الأصوات حدّة في الدّفاع عن الفئات المحرومة، أُطلقت يوم الخميس (25 تموز/ جويليه) على النائب عن حركة الشعب والمعارض التونسي محمد البراهمي أمام منزله الواقع بمحافظة أريانة (شمالي شرق تونس العاصمة). القتلة كانا شخصين على متن دراجة نارية، يرتديان ملابس سوداء و قبعات، واحدة حمراء وأخرى رمادية.
حين جرى اغتيال شكري بلعيد منذ ستة أشهر حمّل محمد البراهمي حركة النهضة المسؤولية السياسية والأخلاقية، ولم يدّخر جهدا للضغط من أجل معرفة الأطراف التي تقف وراء تصفية بلعيد، لكنّ لم يكن يعلم أنّه سيكون التّالي على قائمة المغتالين و بنفس قطعة السلاح (مسدس نصف آلي) التي اغتالوا بها بلعيد سابقًا.
عُرف محمّد البراهمي بدماثة أخلاقه وتواضعه الشّديد ومواقفه الثّابتة واستماته في الدّفاع على من يمثّلهم في المجلس التأسيسي. وقد خاض منذ أشهر إضراب جوع وحشي، لأكثر من أسبوع داخل أروقة البرلمان مطالبا بإطلاق سراح محتجّين في محافظة سيدي بوزيد التي ترشح عنها في انتخابات 2011 ممّا زاد في شعبيّتة ورفع أسهمه في قلوب النّاس.
ويعتبر البراهمي أحد رموز جهة سيدي بوزيد التي تعدّ مهد الربيع العربي، عندما اندلعت فيها احتجاجات على خلفية احراق البائع المتجول محمد البوعزيزي نفسه، ما مهّد الطريق أمام احتجاجات شعبية انتهت إلى الاطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث ساهم في تأطير الاحتجاجات.
أب لخمسة أبناء
ولد محمد براهمي في 15 أيار/ماي 1955 بمنطقة الحشانة بمحافظة سيدي بوزيد وهو متزوّج وأب لخمسة أبناء، درس بمدرسة 2 مارس وكذلك بالمدرسة الابتدائية في الرملية، أما بالنسبة للتعليم الثانوي فقد درس أولا بإعدادية المكناسي ثم بالمعهد الثانوي بحي الشباب بقفصة وقضى السنة الختامية من تعليمه الثانوي في المعهد الفني ببنزرت شمال تونس.
تابع دراسة التصرف في الجامعة وتحصل على شهادة الأستاذية في المحاسبة سنة 1982. وقد عمل لمدة سنتين كمدرس تقنيات اقتصادية ومحاسبة بالمعهد الفني بمنزل بورقيبة (أقصى الشمال)، قبل أن يعمل بديوان إحياء المناطق السقوية بسيدي بوزيد لمدة ثمانية أشهر، ثم عمل منذ سنة 1985 إلى سنة 1993، بالوكالة العقارية للسكنة.
بداية من 1994 وإلى حدود 2002، عمل كمتعاون بوكالة التعاون الفني بالملكة العربية السعودية وشغل خطة مدقق حسابات، ومن سنة 2004 كان متصرف عام بالوكالة العقارية للسكنى.
اهتمام بالسياسة من أيام الجامعة
بدأ البراهمي نشاطه السّياسي داخل أسوار الجامعة التّونسيّة حيث انضم إلى الفصيل القومي “الطلاب العرب التقدميون الوحدويون”، ونشط من خلالها الى أن أسس رفقة زملائه سنة 2005 حركة الوحدويين الناصريين (نسبة الى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر) وكانت الحركة ممنوعة وتعمل سريا إلى أن جاءت الثورة وأسس حركة الشعب.
تعرّض محمد البراهمي للاعتقال مرتين خلال حكم الرّئيس الحبيب بورقيبة، المعروف بعدائه للتيّار القومي، الأولى كانت في سنة 1981 والمرّة الثّانية كانت بعد خمس سنوات وتمت تبرئته في المرتين من قبل المحكمة.
النّهضة مسؤولة عن استقالته
عُرف المناضل القومي الناصري وامين عام حركة الشعب محمد البراهمي بمواقفه المناهضة للائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة، واصدح بمواقفه تلك في عديد وسائل الاعلام كما في رحاب المجلس الوطني التأسيسي.
وكان أعلن يوم 9 نيسان/أفريل 2013 الى ائتلاف الجبهة الشعبية المعارض لحكم حركة النهضة الاسلامية، وهو ائتلاف شارك في تأسيسه المعارض البارز الآخر الذي تم اغتياله في 6 شباط/ فبراير الماضي، شكري بلعيد، امين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بمعية زعيم حزب العمال حمة الهمامي. لكن حزبه شهد مؤخرا خلافات وانشقاقات أدت الى استقالته.
أسس محمد البراهمي في 7 تموز/جويلية 2013 حزب “التيار الشعبي” بعد خلافات مع حزب حركة الشعب، واعتبر أن الحركة اصبحت تسير في اتجاه قريب من السلطة. وبعد استقالته، وجّه الاتهام لحركة النهضة الإسلاميّة واعتبر أنّها تقف وراء الانشقاق الذي شهدته الحركة.
وأكّد أن الحركة الإخوانيّة تسعى للتوغل في صلب بعض الأحزاب المعارضة لكي تضمن السلطة مدى الحياة متّبعة نفس أساليب التجمع الدّستوري الدّيمقراطي، الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق بن علي.
فكّر في الاستقالة من البرلمان
تزايدت تحرّكات المناضل التّونسي قبل اغتياله بأيّام، مع تصاعد القوى المطالبة بحلّ المجلس التأسيسي وتكوين حكومة إنقاذ وطني، بلغت حدّ تفكيره في الاستقالة من المجلس الوطني التّأسيسي الذي يمثّل الغطاء القانوني لحركة النّهضة، حسب ما أكّده الفقيد في عديد المنابر الإعلاميّة.
وكان البراهمي اعلن مساندته للقوى اليسارية والعلمانية التي تظاهرت في شهري حزيران/جوان وتموز/جويلية 2013 ضدّ حكم مرسي في مصر، وقال إن الشعب التونسي سيستلهم من المصريين لإسقاط حكم الإخوان في تونس بعد اقتناعه بأنّ “النّهضة تسعى بكل الوسائل المتاحة لها في السّلطة للبقاء في الكرسي”، وفق تصريحاته.
صوت آخر يتمّ إخماده في تونس ما بعد الثّورة يصعب تعويضه ويفتح صفحة جديدة للاغتيالات السّياسيّة في بلد لم يستفق بعد من وقع صدمة عمليّة الاغتيال الأولى التي استهدفت المناضل اليساري شكري بلعيد.
الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي علقوا على تصريح وزير الداخلية الذي وجه التهمة الى سلفيين متشددين بالقول: “البراهمي تم اغتياله وهو يلقب بالحاج وزوجته متحجبة وتوفي وهو صائم في شهر رمضان المعظم، فما الذي ينتظره بقية الشعب من هؤلاء الاسلاميين؟ بل إن الإسلام منهم براء”.