دستور جديد أم تعديل على دستور الاخوان؟ انقلاب أم تلبية دستورية لمطالب الشعب؟ أسئلة حملناها إلى المحامي الحقوقي ومدير مركز استقلال القضاء ناصر أمين، في لحظة يزداد فيها الجدل حول شرعية المرحلة الانتقالية الجديدة.
كيف ترى دور الجيش المصري في ثورتي يناير و30 يونيو وفقا للدستور؟
دستور جديد أم تعديل على دستور الاخوان؟ انقلاب أم تلبية دستورية لمطالب الشعب؟ أسئلة حملناها إلى المحامي الحقوقي ومدير مركز استقلال القضاء ناصر أمين، في لحظة يزداد فيها الجدل حول شرعية المرحلة الانتقالية الجديدة.
كيف ترى دور الجيش المصري في ثورتي يناير و30 يونيو وفقا للدستور؟
الدستور حدد وظيفة الجيش في مهمتين، احداهما تسقط الأخرى، الأولى حماية مشروعية النظام، والثاني حماية أمن الدولة من أي خطر خارجي يتجسد في العدوان والاحتلال، أو خطر داخلي يتمثل في أي اجراءات أو اوضاع سياسية قد تؤدي إلى ما يشبه الحرب أو تدمير الدولة، ومن ثم تحتم على الجيش في حالتي 25 يناير و30 يونيو التدخل لحماية الدولة من الخطر الداخلي.
البعض يري ان ما حدث في مصر في 30 يونيو انقلابا على الشرعية من قبل الجيش فكيف ترى الامر؟
إذا كانت يونيو انقلاب علي الشرعية، فيناير أيضا يعد انقلابا على الشرعية، حيث أن يناير شهدت خروج الملايين في مظاهرات رافضة لحكم مبارك، وهو ما أنذر بأن شان عظيم سيحدث من شأنه تهديد أمن الدولة، وهو ما ظهر جليا بعد 28 يناير، حيث أصبحت الدولة المصرية مهددة بالانهيار، وهنا وجب على الجيش أن يتدخل وفقا للدستور لحماية الخطر الداخلي الذي هدد الدولة في ذلك الوقت، وهو ذات الأمر الذي حدث في يونيو، حيث خرجت الملايين إلى الشوارع وأعلنت رفضها للنظام، وكانت ثمة أخطار تهدد الوطن في ذلك الوقت وهو ما دفع بالجيش إلى الانحياز لمطالب الشعب، والقيام بدوره الدستوري في حماية الدولة وليس الشرعية، خاصة وأن القائد العسكري سلم السلطة فوريا إلى رئيس المحكمة الدستورية، ولم يستأثر بها لنفسه، ووفقا للدستور تحل السلطة الواقعية محل السلطة الدستورية.
قمت بزيارة مقر الاقامة الاجبارية للرئيس السابق مرسي مع وفد حقوقي، ما هو التوصيف القانوني لإقامة الرئيس السابق؟
القوات المسلحة التزمت القانون في الاقامة الجبرية للرئيس السابق، لاسيما وأنه بعد نزول الجيش أصبح معزولا سياسيا، وتحديد الاقامة له جانبين، الجانب الامني والجانب القانوني، من حيث الجانب القانوني نزول الناس إلى الشوارع يعني ارتكابه جرائم، ومن ثم فانه قيد الاقامة الجبرية لاجراء التحقيقات اللازمة في ذلك الشان، وعلى الجانب الامني فمن المفترض حمايته، لان مهمة الجيش وفقا للقانون هو حماية امنه وسلامته، وهو امر معمول به في كافة الدساتير في العالم.
إذا كان ماحدث دستوري وقانوني وفقا للقواعد الدستورية، فلماذا يصر العالم الخارجي على التعامل مع ما حدث في 30 يونيو باعتباره انقلابا عسكريا؟
في الحقيقة اعذر الغرب في تخوفاتهم وقلقهم من ما جري في مصر، خاصة وان الديمقراطيات العالمية تبني علي ديمقراطية الصندوق، وما حدث في مصر يعد من جانبه الظاهر انقلابا علي تلك الديمقراطية، وسعي إلى تأسيس نوع جديد من الديمقراطيات خارج التصنيف الثابت، وهو الامر الذي يرعب الغرب من ان يتكرر ذلك في بلادهم، الا ان هناك ضرورة ان تعي تلك الدول ان هناك فارقا كبيرا بين استقرار النظام الديمقراطي في اوروبا، وميلاد متعثر وخاص للديمقراطية في مصر، سواء كان ذلك في وعي الشعوب، و في النظم والقوانين الانتخابية التي تتمتع بقدر عالي من الشفافية والانصاف للشعوب مثلما هو الحال في تلك البلدان الغربية، وبالتالي فانه اذا توافرت تلك الظروف والشروط فلن يحدث مرة اخري انقلابا علي شرعية الصندوق.
ماهي الاسس التي تضمن اقامة ديمقراطية لا يمكن الانقلاب عليها لاحقا بنفس مصوغات ما حدث في ٣٠ يونيو؟
اولها وفي القلب منها عدم اقامة الاحزاب على اسس دينية على وجه الاطلاق، وبناء نظام ديمقراطي جيد، واجراء الانتخابات تحت اشراف وتنظيم دولي، وأنه لا يجب ان نبني نظاما ديمقراطيا كما نشاء، بل علينا الاستعانة بالامم المتحدة وغيرها في بناء نظام انتخابي جيد، وهو حق قانوني لمصر كعضو في الامم المتحدة.
هل ترى المسار الذي وضعته خارطة الطريق يحقق تلك الاسس؟
أرى أن الجيش قام بالدور المطلوب منه، لاسيما وان للثورة جناحين أحدهما سلمي وهو ما قام به الشعب المصري بالنزول الي الشوارع، والثاني مسلح وهو ما قام به الجيش بدلا من الشعب في فض العنف وتقليصه، مما أدي الي ابتعاد مصر عن سيناريوهات الدم في سوريا وليبيا، إلا ان خارطة الطريق شابها عيوب سياسية واضحة، علي رأسها الاعلان الدستوري المعيب الذي اطلقه الرئيس المؤقت، اضافة الي انها لم تنص علي الغاء دستور الاخوان، بل اقتصر الامر علي تعديله.
ما هي عيوب الاعلان الدستوري وما تضمنه من خارطة طريق؟
الإعلان الدستوري شابه الكثير من الازمات القانونية والدستورية والحقوقية، فقد خلا تماما من النص على حماية ثلاثة حقوق من الحقوق المقدسة الأربعة، والتى لايجوز المساس بها تحت أى ظرف أو أى إعتبار، وهى (الحق فى الحياة ) و(الحق فى عدم التعرض للتعذيب) و(الحق فى عدم التعرض للعبودية ). كما أنه قيد (الحق فى المعتقد) فى نص المادة7 المادة (1)، وقد جاء بذات الصياغات التي تضمنها دستور 2012 الذي أصدره الاسلاميين، فالمادة (7 ) جاءت لتدمج فى نص واحد بين حقين أحدها مكتسب وهو( حرية الرأى)، ويمكن أن يكون مشمولا بالكفالة، والاخر حق اصيل (حرية المعتقد ) وهو من الحقوق المقدسة، و يجب ان يكون مشمولا بالحماية، لانه حق لا تمنحه الدولة للإنسان ولكنه لصيق به منذ ميلاده، لذلك ذهب النص الى تقييد حق ممارسة الأخير فيما يتعلق بمارسة الشعائر حيث قصره علي اتباع الأديان السماوية، بما يحمل تناقضا واضحا مع المادة الثانية من الاعلان، والتى تنص على أن ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، ولاتمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو النوع أو الدين أو العقيدة”.
لماذا لم يتم اسقاط الدستور كاملا بدلا من تعديله بهذه التناقضات؟
من الناحية القانونية كان يجب اسقاط الدستور كاملا، خاصة وان هذا الدستور كان نتاجا لاعمال جمعية تأسيسية قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية معايير اختيار اعضاءها، ومن ثم لا يمكن البناء على اعمالها، خاصة بعدما اعلن الشعب المصرى عن رفضه لنظام جماعة الاخوان المسلمين وما نتج عنه من اعمال، وعلى رأسها دستور 2012 الذى سقط بالمشروعية الثورية يوم 30يونيو، اضافة الي الازمة الاكبر في اختيار لجنة المائة المنوط بها تعديل هذا الدستور، حيث تم اختيار أعضاء قريبين من التيار الاسلامي فيها، مايعني العودة لتكرار نفس أخطاء الماضي، وهو مايخشى معه تكرار ازمة اللجنة القانونية التي عدلت دستور 71 فى اعقاب سقوط نظام مبارك، وما تسببت فيه تلك اللجنة من نتائج كارثية، اربكت المسار السياسى والدستورى للبلاد والذى ما زالت تعانى منه حتى الان.
كيف يمكن ضمان عدم تكرار هذا السيناريو الذي يعيد انتاج نفس الازمة؟
أن يقوم رئيس الجمهورية بعمل اعلان دستوري مكمل، يمكن من خلاله كتابة دستور جديد للبلاد يحقق فيها اهداف الثورة، التى طالبت من اليوم الاول لها بالحرية والكرامة والعدالة، ولا يجب ان تختصر جهوده واحلامه فى القبول ببعض تعديلات على دستور ساقط بفعل الشرعية الثورية، وأن يقوم رئيس الجمهورية بممارسة مهامه ومسئولياته الوطنية والدستورية، بضرورة التدخل الفوري والسريع من اجل انقاذ البلاد من السقوط فى هاوية القيام بإعادة بناء مؤسسات الدولة قبل وضع دستورا جديدا كاملا، يؤسس لبناء دولة مدنية ديموقراطية حديثة، يحكمها القانون وتحترم حقوق الانسان واستقلال القضاء.