صحبة فرج بوزهرة (40 عاماً) وصل “مراسلون” إلى واحة “فريدغا” الواقعة في الصحراء جنوب منطقة الجغبوب على الحدود الليبية المصرية، والمحاطة بعدد كبير من المقابر التاريخية المنحوتة في الصخر، والتي تعرضت جميعها للنبش والتخريب ونثر محتوياتها على الأرض من قبل مجهولين.
ذات المشهد رأيناه عند وصولنا في اليوم التالي إلى واحة “الملفا” – 30 كيلو متر شمال الواحة الأولى، ولكن عدد المقابر هنا كان أقل بكثير، وعلى ارتفاع كبير ما أسهم ربما بحفظ بعضها من أيادي المخربين، وليس من العوامل الطبيعية.
صحبة فرج بوزهرة (40 عاماً) وصل “مراسلون” إلى واحة “فريدغا” الواقعة في الصحراء جنوب منطقة الجغبوب على الحدود الليبية المصرية، والمحاطة بعدد كبير من المقابر التاريخية المنحوتة في الصخر، والتي تعرضت جميعها للنبش والتخريب ونثر محتوياتها على الأرض من قبل مجهولين.
ذات المشهد رأيناه عند وصولنا في اليوم التالي إلى واحة “الملفا” – 30 كيلو متر شمال الواحة الأولى، ولكن عدد المقابر هنا كان أقل بكثير، وعلى ارتفاع كبير ما أسهم ربما بحفظ بعضها من أيادي المخربين، وليس من العوامل الطبيعية.
بوزهرة المتحصل على ليسانس في التاريخ ويشغل منصب رئيس المنظمة الليبية للسياحة والاستثمار السياحي بالجغبوب، تحدث لـ”مراسلون” بمرارة شديدة عما تعرضت له أهم المعالم السياحية في واحة الجغبوب (285 كيلو متر جنوب طبرق بمحاذاة واحة سيوه المصرية).
“هذه المقابر ترجع لمئات السنين قبل الميلاد، وكانت تمثل علامة مهمة من علامات المنطقة”، يقول بو زهرة الذي اصطحبنا لزيارة الكثير من الأماكن السياحية في المنطقة برفقة سائق سيارة الدفع الرباعي داوود صالح (50 عاماً) والذي شغل دور الدليل السياحي لرحلتنا.
بحث عن كنوز
الباحث والمؤرخ محمد الشارف (55 عاماً)، يعتقد أن أعمال التخريب التي طالت المقابر كانت بدافع البحث عن الكنوز، حيث يسود الاعتقاد بأن تلك القبور تحوي الذهب والمجوهرات.
يقول الشارف: “المخربون بطبيعة الحال جهلة في علم الآثار، فالليبيون القدامى لا يضعون المجوهرات والمقتنيات الخاصة في المقابر عند الدفن كما هي العادة عند الفراعنة”.
ويضيف “ثم إنه لا توجد حضارات واضحة المعالم قامت في المنطقة بدليل أن الدفن كان جماعياً ولا توجد مقابر مميزة عن غيرها تدل على فوارق اجتماعية بين المدفونين، لذلك لا أعتقد أن هناك أي قيمة مادية لما يعثر عليه في هذه المقابر، وتجار الآثار يعرفون ذلك جيداً”.
خلافات الجارتين
يرجع الشارف تاريخ هذه المقابر إلى مئتي سنة قبل الميلاد (العهد البطلمي)، مشيراً إلى أن واحة الجغبوب لم تكن معروفة قبل هذا التاريخ، بل يصفها بالحديثة مقارنة بالواحات المعروفة تاريخياً مثل واحة سيوه في مصر، وواحتي غدامس وجالو في الصحراء الليبية.
ولكنه في ذات الوقت لا يقلل من أهميتها، بل يرجع سبب عدم التعريف بها إلى تعمد النظام السابق التعتيم عليها، “ربما لوجود خلافات سياسية بين ليبيا ومصر حول المنطقة الحدودية، وحول إصرار الجانب المصري على تبعية معالمها التاريخية إليه، وإمكانية ارتباط المنطقة بالحضارة الفرعونية في واحة سيوه المصرية المجاورة”، يقول الشارف.
المقابر ليبية
إلا أن الباحث الليبي يعارض هذا الاحتمال تماماً لاعتقاده بأن “مقابر فريدغا التاريخية تختلف تماماً عن نظيراتها في مصر من حيث طريقة التحنيط التي أثبت الخبراء أنها ليبية، وتتوافق مع ما عثر عليه في مقابر أخرى بالجنوب الليبي وفي جبال أكاكوس الليبية”.
كما أن الفراعنة – بحسب الشارف – لم يكونوا يغطون الرأس أثناء التحنيط، في حين يغطي الليبيون كامل الجثة، وكذلك اتجاه لف الكفن من اليسار إلى اليمين عند الفراعنة، في حين نجده من اليمين إلى اليسار عند قدامى الليبيين.
وتتشابه المواد المستخدمة كأوراق الزيتون والعسل، أما “الخيش” المستخدم عند الحضارتين فلم يكن صناعة محلية لا في مصر ولا في ليبيا، بل كان يأتي من الصين وهو يمثل المراحل الأولى لصناعة القماش هناك، وفق قول المؤرخ الليبي.
مهاجمة المقابر
حمى مهاجمة المواقع الأثرية في ليبيا تنامت بشكل كبير بعد الثورة، بسبب التسيب الأمني وغياب دور القانون، والاعتداءات على المقابر القديمة والحديثة هي الأخرى تزايدت بشكل خطير في السنوات الأخيرة سواء بدوافع مادية أو دينية.
رئيس المجلس المحلي بالجغبوب عثمان العوامي قال من جهته لـ”مراسلون” إن “المحافظة على هذه المواقع وحمايتها، يتطلب إمكانيات ضخمة في ظل هذه المساحات الشاسعة التي يصعب السيطرة عليها، خاصة وأن المنطقة حدودية ومتغولة في الصحراء المترامية الأطراف”.
ويشتكي العوامي من ضعف إمكانيات المنطقة عامة، وبالأخص ما يتعلق منها بالجوانب الأمنية رغم الانتشار المكثف في الأشهر الأخيرة لقوات حراس الحدود التابعة لرئاسة الأركان على الشريط الحدودي الليبي المصري.
الأمر الذي أكده لـ “مراسلون” في وقت سابق رئيس اللجنة الأمنية بالمنطقة علي هاشم الزوي، الذي قال أن حراسة المواقع الأثرية يحتاج إمكانيات ضخمة وعدداً كبير من الجنود، ليكون بالإمكان تكليف دوريات تحمي هذه الآثار، “فالمنطقة مفتوحة وتصعب السيطرة على مداخلها ومخارجها، خاصة أنها منطقة حدودية ينشط فيها التهريب بشكل كبير”.
إهمال وعجز
هذه المقابر كغيرها من المواقع الأثرية في ليبيا تعاني وضعاً سيئاً، إن لم يكن ناتجاً عن الاعتداء عليها، يكون بسبب الإهمال وعدم الاهتمام بترميمها.
ولا يمكن إنكار أن ثقافة الاستهانة بالآثار كونها “من صنع المستعمر” ودليلاً على استعباده لسكان المنطقة، والتي عمل النظام السابق على ترسيخها في أذهان الليبيين، ساهمت بشكل كبير في عدم إقامة وزن لهذه المعالم.
وإذ تنشط مؤسسات شبابية ومدنية عديدة تطالب بحماية الآثار كونها عموداً من أعمدة مستقبل الاقتصاد الليبي، فضلاً عن أهميتها التاريخية للمواطنين، خاصة وأن الكثير منها ثبت أنه من صنع السكان الأصليين ويرجع للحضارات الليبية القديمة، لازال دور السلطات في تلبية هذه المطالب غائباً، كما هو بالنسبة لمطالب أخرى كثيرة.