وحده على الكرسي، يضع رأسه بين كفيه في حالة إجهاد مضاعف، يتأخر طويلاً قبل أن يفك أسر الرأس من كفي اليدين، فقط نسمة هواء خفيفة تدخل من النافذة، ينظر إلى بقايا الأتربة وآثار أحذية، 15 شخصا قدموا لإقامة احتفال شبابي بسيط داخل الغرفة. فوضى بسيطة مؤقتة لم تحسنها الموسيقى الفلكورية الصينية القادمة من ردهة الفندق. صمت طويل يبدو متسقاً مع تأمله لذلك الحذاء المنحوت القابع على منضدة غرفته باللون الفضي.
وحده على الكرسي، يضع رأسه بين كفيه في حالة إجهاد مضاعف، يتأخر طويلاً قبل أن يفك أسر الرأس من كفي اليدين، فقط نسمة هواء خفيفة تدخل من النافذة، ينظر إلى بقايا الأتربة وآثار أحذية، 15 شخصا قدموا لإقامة احتفال شبابي بسيط داخل الغرفة. فوضى بسيطة مؤقتة لم تحسنها الموسيقى الفلكورية الصينية القادمة من ردهة الفندق. صمت طويل يبدو متسقاً مع تأمله لذلك الحذاء المنحوت القابع على منضدة غرفته باللون الفضي. علامة كوكاكولا تزين قاعدته إلى جانب اسم منحوت بعناية، لكن يبدو واضحاً أن النحات كان مرتبكاً للحظات لكتابة حرف E في اسم Amer “عامر”، وإن كان الاسم الأول ظهر جلياً دون مشاكل بالحروف اللاتينية الخمس المكونة لاسم طاهر.
كان الأمر أكثر إرباكاً بالنسبة للشاب الأسيوطي الذي لم يكمل عامه العشرين بعد، في كل مرة يحدق في الكلمات القابعة إلى جانب اسمه، بصفته صاحب الحذاء الفضي كثاني أفضل هدافي كأس العالم للشباب 1981.
لم يكن يدرك أنه أفضل منتج قدمته الكرة المصرية على هذا الصعيد منذ منتحب بلاده في أوليمبياد طوكيو 1964. وحيد في غرفة بفندق صيني في نهاية العالم، يبدو محتجزاً لمدة قاربت الشهرين برفقة فريق وطني للشباب، بعد كأس عالم مرهقة. أضحى مجبراً على خوض بطولة سور الصين العظيم الودية، بمعنويات صفرية، معزولاً عن وطن يغلي على بعد آلاف الكيلومترات، تم حرمانه من الحذاء الذهبي اللون رغم تساويه مع الاسترالي مارك كوساس، نظراً لأن طاهر أحرز هدفاً من أهدافه الأربعة بالبطولة من ركلة جزاء. ركلة أهدت الفوز على ألمانيا (بطلة البطولة لاحقاً)، قبل ساعات فقط من اغتيال السادات على الجانب الآخر من الكرة الأرضية.
بطل أحد أفضل إنجازات الكرة المصرية على الإطلاق منذ النكسة كان عليه أن يعيش وضعاً عبثياً كاملاً منذ تلك اللحظة، بلد بأكمله كان قبل ثلاثة أيام فقط حديث الجميع بتعادل تاريخي مع خصم إسباني رائع، وبهدف هو من ضمن الأفضل الذي عرفته أي أقدام مصرية في الثمانينات (أحرزه طاهر نفسه)، إلى أن يصبح بعد عملية المنصة في مهب الريح، ضحية الخلل السيكولوجي أمام إنجلترا في ربع النهائي، فبعد التقدم بهدفين نظيفين، كان السقوط بأربعة أهداف متوالية، دون أن يتم العثور على تفسير لذلك “السيكولوجي”، ما إذا كان له علاقة بتبعات ما بعد المنصة، أم أن له علاقة بذلك الاجتماع المغلق في غرفة فندق أخرى لبحث أمر الغبن المادي الذي تعرض له اللاعبون، في علاقة مباشرة مع مكافآت التأهل للدور الثاني، طاهر بدا عاجزاً عن تغيير ذلك العبث، كان يدرك أن الصمود أمام إنجلترا كان معناه مواجهة قطر في نصف النهائي، وهو ما قد يعني مواجهة ألمانيا مجدداً في النهائي، كان الأمر قريباً للغاية.
فعليا كان طاهر “المنتج” المصري المهم في مجال كان مغرقاً لوقت طويل في أقليميته الشديدة، في ثمانينات أكثر إغراقاً في الشوفينية المصرية، وذلك الربط الذي أقحم الكرة المصرية برابط قومي خلال ثمانينات مبارك لاحقاً. طاهر كان الاستثناء، ماراً في كل مطارات استراليا، كأحد نجوم البطولة آنذاك واضعاً رأسه برأس الأرجنتينيين بوروتشاجا وجويكوتشيا وخيراردو مارتينو ، البرازيليين جوسيمار وجوليو سيزار، الأوروجواياني الأسطورة إنزو فرانزيسكولي، الإيطالي ريكاردو فيري، وقبل كل هؤلاء وجهاً لوجه مع الألمانيين مايكل تسورك أسطورة بروسيا دورتموند لاحقاً ورولاند فولفارت. لقد التقى طاهر وجهاً لوجه أمامهما في لحظة نادرة كان فيها “المنتج” المصري هو الأفضل ولو لـ90 دقيقة.
طاهر كان دوماً ابن المؤسسة، فريق الأمل بالأهلي خلال النصف الأول من السبعينات برعاية من الجوهري، ابن مؤسسة الأهلى نفسها في حقبة إمبراطورها صالح سليم، فتى الغلاف لكأس الأمم الأفريقية 86 والتي أنقذها طاهر “حرفياً” بنفسه، قبل أن تصبح مرتبطة بصور مبارك وهو يسلم الكأس للاعبيه كإنجاز رئاسي جديد.
كان هناك شعور دائم بأنه تتم سرقته، فهو ليس الخطيب، أو فاروق جعفر. محاولات احترافية لم تتم في أوروبا، مسيرة تم سرقتها بسبب الإصابات المتوالية، حتى لو كان قد اقتنص إعلاناً دعائياً كأحد أبناء إنجرام في منتصف الثمانينات، كان طاهر يستمتع بدور “المافريك” The Maverick، حتى لو تحتم عليه لعب دور ابن المؤسسة العريقة أياً كانت طوال الوقت، متمرداً على نحو علني على والده الروحي محمود الجوهري في قرار عدم إشراكه بأكبر مسرح كروي على الإطلاق بكأس العالم 1990، مصطدماً بشكل مباشر مع صالح سليم بعد عودة الأخير رئيساً للأهلي بأربعة شهور فقط، ضمن عملية إجباره على الاعتزال.
طاهر نفسه كان بطلاَ شعبياً ليوم واحد بعد إسهامه المباشر في فوز الأهلي “في أحلك لحظاته على الإطلاق” بكأس مصر على حساب الزمالك 1992، ربما فى أدنى مستويات صالح سليم شعبية في تاريخه، بعد أن نجح في إجبار طاهر على الرحيل فعلياً.
“المافريك” تحول إلى كتلة صدامات متتالية ضمن الوسط الكروي المصري وميراث الثمانينات الذي تم زرعه بجعل كرة القدم المصرية “سبوبة” أو مصدر دخل انتهازي في المقام الأول. كان الشوكة في ظهر “ولو لفظياً” صانعي أهم نشاط إنساني استولى على حياة المصريين خلال سنوات مبارك الثلاثين، أضحى إزعاجاً لمجلس إدارة النادي الأهلي الحالي، ولمنظومة الكرة المصرية المتأرجحة دوماً بين لواء متقاعد أو بين رجل أعمال يحترف لعبة الانتخابات على الطريقة المصرية، أو أصحاب “البارتيتات” والشلل ذات الامتيازات والصلاحيات الحصرية، وإن كان الشعور بأن طاهر هو دوماً شخص كانت تنحيته من المشهد هواية بالنسبة لمديري اللعبة خلال السنوات العشرين الماضية.
طاهر كان بلا موقع محدد، اصطدامه على الهواء مباشرة بأحد مقدمي الجزيرة الرياضية أثناء تحليل إحدى المباريات كان نموذجاً على طاهر في بداية عقده السادس حانق على “وضع راهن”، وعلى خطاب أصبح إجبارياً مصطنعاً أمام مذيع يتهم طاهر بأنه يحاول “التنكيد على المشاهدين”.
اليوم فقط أضحى طاهر وزيراً للرياضة في موقف استثنائي يصبح فيه بطل شعبي معروف سلفاً في موقع سياسي بارز، في موقع سياسي حاول إظهار تجنبه طويلاً، ولكنه طالما أراده بين يديه (حتى ولمدة ستة أشهر فقط)، ليصبح في موقف صدامي طالما خطط له عقودا طويلة، في مجال يعتقد هو شخصياً بأنه أكبر معاقل فلول مبارك، وجحر فساد أكبر. نشاط يعيش حالة ركود تامة، ألتراس عدد من الأندية على وشك الاشتعال في أي لحظة، لائحة مجالس إدارات أندية قد تجعل من الموقف أكثر اشتعالاً، صدام مقبل مع لجنة أوليمبية مصرية تمثل كل بيروقراطية العمل المصرية التقليدية، لقد سوق طاهر نفسه باعتباره على يسار الكادر دوماً، “المافريك” الأصيل، طالما كان ذلك الفتى ذو المشاعر المتداخلة في ذلك الفندق الصيني يعتقد في إمكانية أن يصبح الأفضل في العالم، ولو لبرهة عابرة، الآن هو يحكم المدينة، مدينة تهوى صنع وقهر أبطالها الشعبيين، في طرفة عين.