لم يكن موعدنا مبرمجا من قبل، ولم تحدد الجلسة إلا ساعتها، فهو حوار خاص جدا مع امرأة مختلفة وينظر إليها بنظرة من نوع خاص.
قبل أيام قليلة من شهر رمضان، جلسنا مع سامية العاملة في ماخور العاصمة تونس. كان التعارف في البداية على أساس انني من طالبي “المتعة”.
حصل نقاش سريع حول التسعيرة، قبل أن تفتح باب الشقة المزركشة بألوان تشبه كثيرا ملابسها الداخلية التي ترتديها، دخلت معها إلى الغرفة الخافتة أنوارها والعابقة برائحة البخور. لكن موضوع الزيارة لم يكن سوى حوار صحفي.
لم يكن موعدنا مبرمجا من قبل، ولم تحدد الجلسة إلا ساعتها، فهو حوار خاص جدا مع امرأة مختلفة وينظر إليها بنظرة من نوع خاص.
قبل أيام قليلة من شهر رمضان، جلسنا مع سامية العاملة في ماخور العاصمة تونس. كان التعارف في البداية على أساس انني من طالبي “المتعة”.
حصل نقاش سريع حول التسعيرة، قبل أن تفتح باب الشقة المزركشة بألوان تشبه كثيرا ملابسها الداخلية التي ترتديها، دخلت معها إلى الغرفة الخافتة أنوارها والعابقة برائحة البخور. لكن موضوع الزيارة لم يكن سوى حوار صحفي.
بعد رفض في البداية وتهديد بالاستنجاد بـ”القوادة” الذين يحرسونها قبلت على مضض بعد أن وعدتها بعدم نشر صورتها. فهي تخاف من عائلتها التي تقطن في أحد الأرياف البعيدة.
تهالكت على مقعد هزاز يعود صنعه إلى تاريخ قديم، قبل أن تشعل سيجارة وتبدأ في الحديث دون توقف.
ما الذي دفعك إلى ممارسة هذه المهنة؟
كنت في الثانية والعشرين، عندما دفعني والدي إلى الخروج للعمل في الحقول المجاورة لبيتنا للمساعدة في نفقات العائلة. لقد انقطعت مبكرا عن الدراسة، فلم أجد أي سبب يجعلني أرفض طلب والدي.
بحثت بوساطة أحد الأقارب عن شغل في القطاع الفلاحي، وتحقق الأمر سريعا. لكن تغيرت الأمور رأسا على عقب عندما تعرفت إلى أحد الشبان الميسورين الذي أغواني ووعدني بحياة أفضل لي ولعائلتي.
أصبحت أعاشره باستمرار قبل أن يلفظني تماما من حياته. ودرءا للفضيحة لم أجد بدا سوى الهروب من القرية. وسافرت بمباركة من العائلة إلى مدينة سوسة الساحلية بحثا عن عمل أفضل وأكثر مردودية.
وليتي لم أفعل، فبحكم عدم معرفتي بالمدينة، اضطررت إلى المبيت لدى أحد “المعارف” الذي طلب مني معاشرته مقابل توفير الحماية لي. لكنه استعمل معي القوة وعاملني بطريقة وحشية.
(تتنهد، وتشعل سيجارة قبل أن تواصل)، لقد مكثت على هذه الحال أكثر من ثلاثة أشهر قبل أن يطردني هذا الصعلوك. بل تجرأ إلى حد اقتراح أن أجرب حظي في ماخور تلك المدينة.
لم أقبل في البداية لكن ما باليد حيلة، فإن الحرام المقنن أفضل من الحرام المخفي. ما الذي سأخسره بعد أن ضاع شبابي وسرقت مني أنوثتي. فعندما تذكرت العائلة الحائرة والجائعة، لم يعد أمامي سوى طرق باب الماخور. لتنطلق الرحلة وتتواصل إلى اليوم عندما انتقلت إلى ماخور العاصمة، حيث اشتغل إلى الآن.
هل تخشين نظرة العائلة وردة فعلهم؟
(تضحك ملء شدقيها)، وكيف لي أن أقول للعائلة أنني بائعة هوى أنا في نظرهم بائعة في أحد المحلات التجارية، منذ ثلاث سنوات. منذ أن سافرت وأرسلت لهم أول حوالة حتى أصبحت مدللة وصاحبة فضل.
والدي المسن سألني في مناسبة واحدة عن طبيعة شغلي فأجبته بأنني وجدت عملا لدى أحد التجار، ومن يومها لا يسأل إلا عن الحوالة ومتى يكون موعد الزيارة. مرت الأمور بسلام لكن ما يقلقني حقا أن والدتي تسألني كلما ذهبت لزيارتهم عن اليوم الموعود الذي أتزوج فيه.
ألم تفكري يوما في الانقطاع عن هذا العمل؟
ومن سيطعم العائلة الفقيرة آنذاك. دعني أقول إن من يدخل إلى العالم الموبوء لن يخرج منه بسهولة. فأنا لم أعد أجد حرجا في ذلك، المهم أن اوفر لعائلتي دخلا محترما قد يصل الى أكثر من دخل موظف حكومي. فلماذا أفكر في التغيير اليوم؟
دع الله يسير قدرنا مثلما يريد. فنحن في نهاية المطاف مجبرون أحيانا على القيام بأشياء لم نكن أبدا نخطط لها.
هل تعتبرين نظرة المجتمع قاسية نحوك؟
بل تذبح وتقتل، فهذه هي ضريبة هذه المهنة. لكن لا أحد يجرؤ، مهما كان، على إهانتي والاساءة لي.
يأتون يوميا من مختلف الشرائح والطبقات، من الفقير إلى الغني ومن العامل البسيط إلى الموظف السامي، الكبير قبل الصغير، كلهم يريدون المتعة، ويتوددون، لذلك لا يهمني ماذا يقولون.
نحن مقبلون على شهر رمضان، كيف تتعاملين مع خصوصيات هذا الشهر، هل تواصلين العمل؟
(تشعل سيجارة جديدة، وتضيف بنبرة جادة)، بغض النظر عن بعض الأيام القليلة التي ارتاح فيها كل شهر، أبقى طيلة أيام السنة انتظر هذا الموعد، كي أغير حياتي ولو لفترة.
شهر رمضان ليس لطالبي اللذة، إنه لله وللعائلة.
سأعود قريبا إلى عائلتي وأعود إلى طبيعتي الأولى، وأتقرب من الله، وأصوم وأدفع ما تيسر من أموال لبعض الفقراء.
اريد أن أشعر بدفء العائلة وخصوصية رمضان. ربما يعتقد البعض أني مجرد منافقة، ولكن هذه حياتي وتلك علاقتي بالله، لا يعرفها أحد سواه.
الا يحرجك عملك هذا، مع تنامي ظاهرة التطرف الديني في تونس؟
لقد شاءت الأقدار أن أكون هكذا، وأنا مقتنعة بأني أمارس هذه المهنة مجاهرة وقانونيا ولا أحد لديه سلطة علي سوى الله وعائلتي.
دعني أقول أيضا أنني أعتبر نفسي أشرف من اللواتي يتاجرن بأجسادهن من خلف حجاب. فالقصص والحكايات لا تخفى على أحد وكثيرات هن من يمارسن هذا العمل بسرية مطلقة. هن ربما المنافقات. فضلا عن ذلك، فليعلم الجميع أننا ندفع الضرائب ونساهم في تنشيط السياحة.
عدد كبير من الزبائن يأتون خصيصا من بلدان الجوار لزيارة الماخور، ولي شخصيا صديق من بلد شقيق يزورني سنويا في عدة مناسبات.
هل أثرت الأحداث التي عرفتها تونس منذ اندلاع الثورة، على عملكم؟
في الأيام الأولى من الثورة، عانينا العديد من الصعوبات، حيث تهجم علينا عدد من المتشددين وكادوا يغلقون المحل. لكن عادت الامور إلى نصابها، ورغم تواصل التهديدات إلا أن الوضع آمن ومستقر مادام الزبائن موجودين.
ما رأيك فيما يحدث في تونس وفي البلدان العربية؟
الأوضاع الحاصلة اليوم لا تبشر بكثير من الخير، فالأسعار في ارتفاع مستمر وفرص العمل أصبحت نادرة. وباختصار حياة الفقراء أصبحت أصعب مما كانت عليه. وهذا كله من ظلم الحكام في السابق والآن.
أعتقد أن الأمر سيتواصل على ما هو عليه ما لم يتبدل الوضع كله وينصف الفقير والمحروم. أتمنى من قبلي أن يستجيب الله لدعاء المحرومين في شهر رمضان وينصلح الحال.
وقبل أن أبادر بسؤال جديد، نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط، وبدت عليها علامات الضجر، قبل ان تقول: “لقد أضعت علي ثلاثة زبائن، وعليك أن تدفع الضعف”.