يوم السبت في 13 تموز/ يوليو، شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية، في الساعة الواحدة بعد الظهر، إنه رابع أيام رمضان، وعطلة نهاية الأسبوع. في مثل هذا التوقيت في يوم عادي، وفي حرارة تناهز الأربعين درجة، يفترض أن يكون هذا الشارع، شبه خال. لكن لسبب ما يتجمع المئات من المتظاهرين يرفعون صور الرئيس المخلوع محمد مرسي وشعارات مساندة له في مشهد مستنسخ عن ميدان رابعة العدوية مع فارق العدد والعدة.
يوم السبت في 13 تموز/ يوليو، شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية، في الساعة الواحدة بعد الظهر، إنه رابع أيام رمضان، وعطلة نهاية الأسبوع. في مثل هذا التوقيت في يوم عادي، وفي حرارة تناهز الأربعين درجة، يفترض أن يكون هذا الشارع، شبه خال. لكن لسبب ما يتجمع المئات من المتظاهرين يرفعون صور الرئيس المخلوع محمد مرسي وشعارات مساندة له في مشهد مستنسخ عن ميدان رابعة العدوية مع فارق العدد والعدة.
يجول بخاطر المتابع لحركة هذه الحشود لوهلة، أنه قبالة تحرك عفوي مساند لرئيس لا يزال يعتبره البعض شرعيا. لكن سرعان ما تحاصرك من كل الزوايا رايات حركة النهضة الإسلامية وتبدأ تدريجيا في التعرف على وجوه قيادية في الحركة التي تحكم تونس منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2011.
المسيرة أو التجمع كانت بدعوة من حركة النهضة، تحت غطاء مساندة الشرعية المغدورة في مصر، كما يقول هؤلاء.
كان يفترض أن تكون مليونية كما تداولت صفحات الحركة على مواقع التواصل الاجتماعية منذ أيام، لكن لسبب ما لم يلب نداء الشرعية سوى عدد لم يتجاوز المئات. غياب واضح لشركاء الحركة في الحكم في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذين لا يفوتون عادة فرص الظهور في مسيرات الحركة والانضباط لدعواتها الاحتجاجية.
يرتفع من وسط الحشود صوت جهوري تبثه مكبرات الصوت وسط صيحات التهليل والتكبير.
“نقول للذين داسوا على إرادة الشعوب، لو فكرتم في دوس الشرعية في تونس ستدوسكم هذه الجماهير بأقدامها”.
الله أكبر، الله أكبر، تهتف الجماهير. يستريح الرجل للحظات ثم يسترسل، “من يستبيح إرادة الشعب سيستباح، كل من يستبيح إرادة الشعب المصري أو إرادة الشعب التونسي سيستباح في شوارع تونس”.
تكبير تكبير …الله أكبر..الله أكبر ..
الخطيب لم يكن سوى الصحبي عتيق رئيس كتلة النهضة بالمجلس الوطني التأسيسي. والشعب المعني باستباحة دمه تحت الأقدام هو الشعب التونسي الذي يمثله عتيق في المجلس( البرلمان)، إن فكر جزء منه في التمرد على شرعية الحركة الإخوانية، وليس المكبرون غير خليط من أنصار الحركة وروابط “حماية الثورة” كما يحلوا لها أن تسمي نفسها.
خطاب كهذا لم يكن مفاجئا على ما يبدو لجزء كبير من ناشطي المجتمع المدني والسياسي في تونس، الذي جاءت ردوده الغاضبة بعد ساعات قليلة إثر التصريح الناري للصحبى عتيق، فالرجل قيادي في حركة حاكمة وطبيعي أن تؤخذ تصريحاته على محمل الجد.
تأويلات وشطحات غريبة
“تأويلات بعيدة وشطحات غريبة وسوء أدب، هذا ما يميّز بيانات خصوم النهضة وتعليقاتهم على ما قاله الأخ عتيق في الوقفة الاحتجاجيّة ضد الانقلاب”، ورد في الصفحة الرسمية لحركة النهضة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، وبررت النهضة أيضا أن” الصحبي يتحدّث بلغة مجازيّة رمزيّة عن ردّ ممكن على فعل عدوانيّ ينظّر له البعض ويستهدف من خلاله الشرعيّة وإرادة الشعب”.
ومن جهته عامر العريض، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة وشقيق رئيس الحكومة علي العريض يقول لـ” مراسلون”، إن الكلمة التي ألقاها عتيق كانت “للتأكيد على أهمية احترام إرادة الشعب، وإن الجملة المثيرة للجدل أخرجت من سياقها”.
ويرى أن الكلمة فيها تحذير من العنف، لأن العنف يؤدي إلى العنف، حسب رأيه ومن الطبيعي أن يدافع الشعب عن إرادته إن استبيحت.
ويتابع محدثنا “أتساءل لماذا تتغاضى وسائل الإعلام عن تصريحات أخرى كثيرة فيها دعوة للاقتتال في حين تهول كلمة الصحبي التي تدعو لاحترام الشرعية”؟
خطاب حماسي من القرون الوسطى
في المقابل، استقبلت الساحة السياسية تصريحات عتيق بكثير من السخط، الذي طال حتى حلفاء النهضة وشركاءها في الحكم ولو بقليل من الاحتشام أحيانا.
وفي هذا الإطار ذكر الناطق الرسمي باسم حزب التكتل من أجل العمل والحريات، عضو الترويكا الحاكمة، محمد بنور أن “تصريحات عتيق وخطابه الحماسي مرفوض وهو من القرون الوسطى وليس منطقي”.
ووصف بنور خطاب الصحبي عتيق بالمتعصب والمتشنج مضيفا “ان عتيق تخمر ونسي انه نائب للشعب التونسي”.
من جهته اعتبر رئيس حركة وفاء، القريبة من حركة النهضة، عبد الرؤوف العيادي في تصريحات إذاعية، إن كلمة عتيق ليست في محلها، مع دعوته في الآن ذاته الأطراف المنادية بحل المجلس الوطني التأسيسي إلى ضبط النفس، والابتعاد عن مثل هذه الدعوات.
جرب الصوم عن الكلام
محسن مرزوق القيادي في حركة نداء تونس، كتب على صفحته الخاصة على الفايسبوك “أدعو السيد عتيق أن لا يخطب مرة أخرى وهو صائم وتحت حرارة خانقة- وأمام عدد قليل من أنصاره مخيب للآمال- فكل هذه العناصر مجتمعة تأخذ العقل وتخلف الطيش”.
ويرى مرزوق أن دعوة عتيق باستباحة دم المنقلبين على الشرعية لا يمكن إلا أن تكون موجهة ضد أنصار النهضة حين قال إن “من يخرج عن الشرعية يستباح ويداس بالأقدام”.
وبالنسبة له يضيف مرزوق، “النهضة وحلفاؤها هم من خرجوا عن شرعية التفويض الشعبي لهم في مدة المجلس التأسيسي ومهامه “. ويتساءل ساخرا متوجها لعتيق، “لماذا لا تجرب إذن الصوم عن الكلام فهو أفيد لك ولجماعتك”.
وأدان الأمناء العامون للجبهة الشعبية من جانبهم “التصريحات المثيرة للصحبي عتيق، داعين إلي تتبعه قضائيا ومؤكدين مضيهم نحو مؤتمر وطني لإنقاذ تونس مما أسموه “براثن قوى الردّة والثورة المضادة”.
ويصرح القيادي في الجبهة الشعبية عبد الناصر العويني لـ”مراسلون” أن حركة النهضة راع رسمي للعنف في تونس، وهي مستعدة للاعتداء على كل من يخالفها الرأي، وخاصة خصومها الذين تزداد شعبيتهم يوما بعد يوم على حساب المساحات التي أخلتها حركة النهضة منذ صعودها للحكم وفشلها في اختبار السلطة.
ويتابع العويني، أن تعلل الاسلاميين بالدفاع عن الشرعية إن أسقطت بالعنف واه و”لكننا سنمضي قدما في تطبيق برامجنا وعلى رأسها مؤتمر الإنقاذ الوطني، وبالنسبة لنا هذه التصريحات تهدف لإرباك هذا المسار والتشويش على عملية إنقاذ تونس من منزلق العنف والإرهاب الذي عرف ذروته باغتيال الشهيد شكري بالعيد وتواصل في أحداث الشعانبي”.
وسنواجه هذا الخطاب بإقناع جماهير شعبنا بالنضال والتنظم بشكل سلمي لإسقاط هذه الحكومة وفرض برنامج إنقاذ.
لهذا لم يوقعوا
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أدانت في بيان لها التصريحات التي اعتبرتها “تهدف إلى بثّ الفتنة والفوضى وحمل الناس على قتل بعضهم بعضا وتستوجب الاعتذار”، خاصة وأنها صدرت عن قيادي بحركة النهضة ورئيس كتلتها بالمجلس التأسيسي.
وذكرت الرابطة في البيان أنّ “تلك التهديدات الصريحة تشكّل جرائم متلبّس بها وتستوجب التتبّع الفوري من قبل النيابة العمومية”.
يقول عبد الستار بن موسى رئيـــس هيئـــة ادارة الرابطة لـ” مراسلون”، إنهم يدينون كل التصريحات الداعية للعنف أيا كان من يتبناها. ويضيف، “نحن ننتظر من النيابة العمومية أن تقوم بدورها”.
ويتابع بن موسى أن عدم توقيع حركة النهضة علي ميثاق مناهضة العنف الذي توج المؤتمر الوطني الذي أشرفت عليه الرابطة في منتصف حزيران/ جوان الماضي، كان مؤشرا على مثل هذه التصريحات، وأضاف قائلا، “الآن يمكن أن نفهم لما امتنعت بعض الأحزاب، ومنها النهضة عن الإمضاء”.
وفي الوقت الذي يبرر فيه البعض تصريحات عتيق وقيادات اسلامية أخرى بأنها مجرد رد فعل متشنج حول ما جرى في مصر، من سقوط مدوي للإخوان المسلمين. فإن البعض الآخر من المحللين والمتابعين يذهبون أبعد من ذلك. ويعتبرون أن هكذا تصريحات هي تهديد للتونسيين واستباق مبكر لما قد يحدث في قادم الايام.