في الوقت الذي أثارت فيه أحداث مصر حماسة الشباب الليبي، واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي بين مؤيد لقرار العسكر ومؤيد لتمسك الإخوان بشرعيتهم، شهدت الساحة السياسية ردود أفعال عنيفة من مختلف الفئات، استباقاً وتحسباً لما قد يقدم عليه الشباب الليبي من خطوات على طريق التغيير.

شرعية المؤتمر

في الوقت الذي أثارت فيه أحداث مصر حماسة الشباب الليبي، واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي بين مؤيد لقرار العسكر ومؤيد لتمسك الإخوان بشرعيتهم، شهدت الساحة السياسية ردود أفعال عنيفة من مختلف الفئات، استباقاً وتحسباً لما قد يقدم عليه الشباب الليبي من خطوات على طريق التغيير.

شرعية المؤتمر

ولأن ليبيا لم تعرف جيشاً بالمفهوم المتعارف عليه، يمكنه تصدر المشهد إذا تطلب الأمر، والحيلولة دون وقوع ليبيا بشكل رسمي في متاهات الحرب الأهلية، خرجت أصوات أبرزها من دار الإفتاء، تنادي بالتعقل في الفعل وعدم الزج بليبيا في مستنقع الصراعات، والمحافظة علي شرعية المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، ومساندته حتى انتهاء مدته المحددة والاستفتاء من ثم على الدستور الذي سيحدد شكل الحكم في البلاد.

وكذلك حزب الجبهة الوطنية – امتداد الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا -، و التي كان مؤسسها محمد المقريف يرأس المؤتمر الوطني العام قبل أن يستقيل في أيار/مايو الماضي، أصدر بياناً بشأن التفاعلات السياسية الأخيرة أكد فيه أن المؤتمر الوطني العام هو الممثل الشرعي للشعب الليبي، وأن عليه أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب مطالباً إياه “بالالتفات لاستكمال الاستحقاقات الوطنية للمرحلة التأسيسية”.

خارطة طريق

أما القبائل الليبية فانتهزت فرصة الحراك الحاصل وأعلنت عن اجتماع طارئ في مدينة الزنتان (غرب ليبيا)، حضره ممثلون عن مختلف قبائل الشرق والغرب والجنوب، وصدر عن الاجتماع بيان ختامي نص على “خارطة طريق” دعت القبائل المؤتمر الوطني العام للالتزام بها بهدف العبور بليبيا إلى بر الأمان.

خارطة الطريق التي دعت إليها القبائل تضمنت حزمة من القرارات، أهمها البدء فوراً وبشكل مؤقت بالعمل بدستور سنة 1951 والمعدل سنة 1963، وتوقيف عمل الأحزاب السياسية إلى حين صدور دستور جديد، ما أثار استياء النخب السياسية التي رفضت تماماً السماح للقبلية بأن تتصدر المشهد من جديد في ليبيا.

القبائل اتفقت أيضاً على اعتبار الحكومة الليبية حكومة تصريف أعمال على أن يتم تقليصها، واشترطت أن لا يحمل أعضاؤها أي جنسية غير الليبية، وطالبت كذلك المفتي العام بعدم التفرد بالفتوى وأن تكون الفتاوى من اختصاص دار الإفتاء كمجلس عام للإفتاء.

تعليق عضوية

الأحزاب السياسية بدورها كانت لها ردود أفعال متشنجة، حيث كان موقف تحالف القوى الوطنية برئاسة محمود جبريل – وزير التخطيط في نظام القذافي ورئيس أول حكومة بعد الثورة –  بتعليق عضوية ممثليه في المؤتمر الوطني العام، هو أكثر ما أثار الجدل في الساحة الليبية.

التحالف المحسوب على التيار الليبرالي في ليبيا، عقد مؤتمراً صحفياً أكد فيه تعليق عضوية التحالف داخل المؤتمر الوطني العام، إلا فيما يخص أعمال الإعداد لقانون انتخاب لجنة كتابة الدستور.

تحالف القوى الوطنية عزز قراره ببيان ألقى فيه باللوم على المؤتمر الوطني العام الذي يشغل أكبر عدد من مقاعده، في جميع أخطاء المرحلة السابقة، واتهمه “بإصدار تشريعات ليست ذات أولوية، ما أضاع الكثير من الوقت في مناقشة تفاصيل فرعية زادت من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي”.

كما لمح إلى انصياع المؤتمر في قراراته إلى تأثير تيارات بعينها، ما أدى إلى فشله في إنجاز أهم متطلبات المرحلة كالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، فضلاً عن كونه فشل في بسط الأمن والاستقرار داخل البلاد.

إخوان ليبيا

أما حزب العدالة و البناء – الذراع السياسي للإخوان المسلمين في ليبيا -، فقد قام بخطوة مشابهة حين أعلن عن تجميد عمل الحزب داخل المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة، مع استمرار أعضائه في العمل بالمؤتمر باستقلالية تامة، وبمنأى عن سياسات الحزب وبرنامجه، تاركاً الخيار أمام رئيس الوزراء في التعامل مع الوزراء في الحكومة كتكنوقراط “وفق ما يحقق الصالح العام”.

الحزب الذي دعا في بيانه “لتعزيز الاستقرار في ليبيا”، طالب المؤتمر بالتعاطي إيجابياً مع كل المبادرات التي تقدم لتخفيف حدة الصراعات، بما فيها الاستفتاء على قانون العزل السياسي الذي كان يدافع عنه، وتطوير الإعلان الدستوري الحالي أو تطوير دستور 1963 من خلال لجنة فنية خاصة تشكل لهذا الغرض.

قفز وتنصل

مراقبون وصفوا موقف تحالف القوى الوطنية بأنه محاولة للقفز من السفينة الغارقة، ولضمان مكان لهم في قيادة أي مرحلة قادمة قد يصنعها الشباب، فضلاً عن كونه غير قانوني وقد يعرض ممثليه في المؤتمر إلى الاستبدال.

فيما علق قانونيون على موقف الإخوان بأنه سليم من الناحية القانونية ولا يتعارض مع اللائحة الداخلية للمؤتمر، وإن كان يشكل كذلك تنصلاً من المسؤولية عن أخطاء المرحلة السابقة، التي كان من أبرز سماتها الصراع الحزبي الذي أدى لتعطيل صدور أهم القرارات لإنقاذ البلاد.

يقول الأستاذ الجامعي المبروك سلطان في حديث لـ “مراسلون” إن الشعوب “عندما تنتخب ممثلين لها في البرلمان، سواء عن طريق تيار حزبي أو مباشرة، فإنها ترغب في إنجاز ما وعد به هذا الحزب أو المرشح. وأن يقرر هذا المرشح أو الحزب إيقاف أو تجميد نشاطه، عليه أن يستشير أو يوضح ذلك على الأقل لمن اختاره”.

صراع الكتل

ويوضح سلطان “الذي حدث في ليبيا من تجميد أهم كتلتين في المؤتمر الوطني لعضويتهما، حدث دون استشارة لمن فوضهما، وحتى التوضيح لجأ إلى الاختباء حول قيم عليا بدعوى مصلحة ليبيا”، فيما يعتبر أن المؤتمر الوطني العام كان مقيد الأداء والفاعلية في الفترة الماضية بسبب صراع الكتل السياسية لفرض رؤيتها على توجهه.

وما حدث جاء بحسب سلطان نتيجة لأحداث مصر التي أدت إلى عزل الرئيس مرسي، و التي “وضعت الإخوان في زواية ضيقة لن تمكنهم من ممارسة أي تأثير فعلي، كذلك حاول التحالف الإفادة وتضييق الخناق بتجميد عضويته ليصبح المؤتمر الوطني نظرياً متحرراً من ضغوط هذه الكتل وفعلياً لا قيمة لاجتماعاته”.

ولم يفت سلطان أن يلمح إلى وجود “ارتباط من نوع ما أدى إلى تجميد عضوية الكتل في ليبيا” متأثرين بما يحدث في الجارة الكبرى، وفي أحسن الحالات يقول سلطان لا يجب أن يبقى المؤتمر “مرهوناً لأحداث تظهر في دول أخرى، بل يفترض أن تتفق هذه الكتل و تتنازل قليلاً للمحافظة على مصالح الدولة العليا، ويترك أعضاؤها كل ما من شأنه أن يعطل بناء الدولة والدستور في هذه المرحلة الحرجة، لا أن يتم تجميد العضويات لتعليق أى فاعلية لهذا الجسم التشريعي”.

لإعادة جبريل

الكاتب الصحفي سمير السعدواي ذهب في اتجاه آخر تماماً حين قال لـ “مراسلون” إن “تعليق التحالف مشاركته في الجلسات التشريعية هدفه الضغط على باقي أعضاء البرلمان من أجل إعادة النظر في قانون العزل السياسي، وذلك من خلال إثبات قدرة التحالف على تعطيل إقرار قضايا حيوية”.

وأضاف السعداوي أن الحجة التي استخدمت لتعليق عضوية التحالف “حق يراد به باطل”، حيث لم يستبعد أن “يلجأ التحالف تدريجياً إلى خطوات تهدف لشل عمل المؤتمر الوطني نهائياً، لفرض انتخابات مبكرة لاختيار برلمان جديد يعتقد التحالف أنه سيفوز فيه بغالبية كافية لنقض قانون العزل السياسي، بما يتيح تولي محمود جبريل منصباً رفيعاً”.

تعدي على الشرعية

أما أسامة كعبار أحد الأعضاء المؤسسين لتنسيقية العزل السياسي قال في حديثه لـ “مراسلون” إن “المطالبة بنبذ الشرعية فى ليبيا وتجميد المؤتمر الوطني العام و استبداله بجسم يمثل قبائل ليبيا، و الحكومة واستبدالها بحكومة إنقاذ وطني، كل هذا يعتبر تعدياً سافراً على الشرعية، و يقع تحت دائرة الانقلاب على الثورة و إجهاضها”.

عبار لم ينفي وجود الحاجة لإحداث تعديلات داخل المؤتمر الوطني العام من قبيل “تجميد عمل الأحزاب وتطبيق قانون العزل السياسي”، ولكن كل هذا يجب أن يتم من خلال “قنوات شرعية ومن خلال الحوار، مع وضع مصلحة الوطن والثورة قبل أى مصالح شخصية أو حزبية”.