مباشرة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حاولت حركة النهضة تقديم مرشحيها لانتخابات مؤتمر الإتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعتبر أكبر منظمة نقابية قادرة على التعبئة وتحريك الشارع.
كان هدف الحركة الاسلامية بعض المقاعد داخل إتحاد الشغل بما يمكنها من التأثير ولو جزئيا على القرارات التي تصدرها المنظمة سواء في ما يتعلق بإعلان الإضرابات أو المساهمة في رسم المسارات الكبرى للتحول الديمقراطي في تونس.
مباشرة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حاولت حركة النهضة تقديم مرشحيها لانتخابات مؤتمر الإتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعتبر أكبر منظمة نقابية قادرة على التعبئة وتحريك الشارع.
كان هدف الحركة الاسلامية بعض المقاعد داخل إتحاد الشغل بما يمكنها من التأثير ولو جزئيا على القرارات التي تصدرها المنظمة سواء في ما يتعلق بإعلان الإضرابات أو المساهمة في رسم المسارات الكبرى للتحول الديمقراطي في تونس.
لكن مؤتمر الإتحاد العام التونسي للشغل الذي انتظم في مدينة طبرقة (شمال غربي العاصمة) في شهر كانون أول/ ديسمبر 2011 جاء بما لا تشتهي السلطة. فخسرت النهضة رهان كسب المنظمة إلى صفها بعد أن أظهرت النتائج صعود مكتب تنفيذي يحسب أغلب المنتمين إليه على اليسار والقوميين. وكانت انتخابات مؤتمر اتحاد الشغل أول هزيمة يتكبدها الحزب الحاكم بعد نشوة الفوز بانتخابات المجلس التأسيسي.
الطلبة يحسمون القرار
مسلسل هزائم الحزب الحاكم في الانتخابات التي خاضها ضمن الهيئات تواصل بعد أن تكبّد الإسلاميون هزيمة ثقيلة في انتخابات المجالس العلمية التي جرت يوم 14 آذار/مارس 2013 في جميع الكليّات التونسية.
في هذه الانتخابات لم يتحصّل المنتمون إلى الفصيل الطلابي لحركة النهضة الإسلامية سوى على عدد ضئيل من المقاعد لم يتجاوز 484 مقعدا في 191 مؤسسة جامعية في جميع المحافظات التونسية، في حين آلت غالبية المقاعد إلى مرشّحي الإتّحاد العام لطلبة تونس المحسوب سياسيا على اليسار.
بعد أن خسرت رهان المنظمة النقابية الأولى في البلاد والمجالس العلمية ضمن الجامعات تأزمت علاقة الحزب الحاكم مع المهندسين. فقد ادلى وزير الصحة وعضو المكتب السياسي لحركة النهضة عبد اللطيف المكي أمام المجلس التأسيسي، بتصريحات قللت من كفاءة المهندسين التونسيين، وهو ما أثار حفيظة عمادة المهندسين التي ردت على الوزير ببيان شديد اللهجة وطالبته بالاعتذار الرسمي بعد “إهانة الكفاءات التونسية وتشويه سمعتها عبر التصريحات المغلوطة”.
واعتبر المهندسون أن السلطة تحاول تركيع قطاعهم عبر أسلوب التشويه لا سيما وأن العمادة التي تضم نحو 1600 مهندسا يحسب جزء كبير منهم على التيار التقدمي الديمقراطي.
المحاماة الحصن المغري
آخر حلقة في سلسلة خيبات حركة النهضة كانت مؤخرا في انتخابات مجلس الهيئة الوطنية للمحامين. وتقدم له خمسة مرشحين من بينهم واحد فقط يحسب على التيار الاسلامي وهو محمد نجيب بن يوسف الذي راهنت عليه حركة النهضة للفوز بمنصب عمادة المحامين.
وقد سخّرت الحركة عبر المحامين المقربين من التيار الاسلامي امكانيات كبيرة لدعم مرشحهم خلال الحملة الانتخابية التي قام بها في جل محاكم الجمهورية وفي وسائل الاعلام، كما علقت السلطة أملا كبيرا على فوز مرشحها بمنصب العمادة لما يحظى به هذا الأخير من ثقة واحترام في صفوف زملائه.
لكن نتائج الصندوق أتت بعكس ما أرادت حركة النهضة. فقد اختار المحامون الانتصار للمهنة وانتخبوا عميدا يحسب على التيار المهني رغم قربه من التيار القومي. وقد شهدت مختلف أطوار الانتخابات تنافسا كبيرا بين مرشح الاسلاميين وبقية المرشحين، تجندت خلالها كل الاطياف السياسية الرافضة لحكم النهضة لاقتلاع منصب العمادة والنأي بالمحاماة عن كماشة الحزب الحاكم.
ولعبت المحاماة التونسية دورا كبيرا في تحريك الشارع إبان الثورة ويوم سقوط النظام كما ساهمت بشكل كبير في رسم مسار الانتقال الديمقراطي على امتداد العامين الماضيين. وكانت بمثابة المحرار الذي يقاس به نبض الشارع ومدى رضا الشعب على أداء السلطة الحاكمة.
وقد اعتبر المحامون أن فوز الاسلاميين في انتخابات عمادة المحامين سيؤدي حتما إلى تدجين القطاع وجعله ذيلا من أذيال السلطة كما يؤدي إلى تقسيم المهنة وضرب نضالها من أجل تحقيق مطالب الثورة في الحرية والعدالة واستقلال القضاء.
القضاة منقسمون
شأن القضاة لايختلف كثيرا عن شأن المحاماة، فالقضاة رغم انقسام هياكلهم المهنية إلا أنهم يتوحدون في رفضهم للعودة إلى مربع الصفر والركوع مجددا لأي حزب حاكم.
وقد أكدت رئيسة جمعية القضاة السيدة كثلوم كنوّ أن السلطة مهما مارست من ضغوطات ومهما كانت وسائلها في الإغراء، فإن القضاة مصرون على فرض استقلالية السلطة القضائية على السلطة التنفيذية. وذلك عبر قوانين تكرس هذا المبدأ وتقطع الطريق أمام أي حزب لفرض املاءاته على القضاة.
ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن الخسائر المتتالية للحزب الحاكم ضمن الهيئات المهنية تعكس احتقان الشعب التونسي وعدم رضاه عن أداء حركة النهضة ومردودها طيلة الفترة الماضية.
كما تشير هذه النتائج أن الحركة عاجزة عن إقناع النخب التونسية بأفكاره وأنها في معزل عن النخبة التي تجد في الأحزاب المعارضة ضالتها.
وقد أكد الجورشي لـ”مراسلون” أن تأزم العلاقة بين الحزب الحاكم والطبقة المثقفة والهيئات المهنية قد تجعلها في عزله تامة، وهي العزلة ذاتها التي عجلت بسقوط النظام السابق. وقد تدفع السلطة ثمن خسارتها للهيئات في الانتخابات القادمة.