في مستودع لبيع المحروقات المهرّبة وسط حيّ الطفّالة السّكني بمدينة القيروان، 160 كلم وسط تونس، اندلع حريق ضخم قبل مدّة وتطلّب إطفاءه تكاتف جهود رجال الإطفاء وأهالي الحيّ، دامت ثلاث ساعات. احترقت صفائح البنزين المهرّبة، وتضرّرت البناية والجيران وانقطعت الكهرباء عن الحيّ.

تجمّع جيران المستودع يناقشون موضوع المحروقات المهرّبة وأخطارها ودور المسؤولين في السّماح بجلبها وبيعها. ولكن صاحب المستودع، باشر نشاطه من جديد في بيع المحروقات المهرّبة وتخزينها في نفس المستودع وسط نفس الحيّ السّكني، وسط نفس المخاوف والحذر.

في مستودع لبيع المحروقات المهرّبة وسط حيّ الطفّالة السّكني بمدينة القيروان، 160 كلم وسط تونس، اندلع حريق ضخم قبل مدّة وتطلّب إطفاءه تكاتف جهود رجال الإطفاء وأهالي الحيّ، دامت ثلاث ساعات. احترقت صفائح البنزين المهرّبة، وتضرّرت البناية والجيران وانقطعت الكهرباء عن الحيّ.

تجمّع جيران المستودع يناقشون موضوع المحروقات المهرّبة وأخطارها ودور المسؤولين في السّماح بجلبها وبيعها. ولكن صاحب المستودع، باشر نشاطه من جديد في بيع المحروقات المهرّبة وتخزينها في نفس المستودع وسط نفس الحيّ السّكني، وسط نفس المخاوف والحذر.

حصلت حوادث مرور قاتلة على طريق القيروان، بوصفها نقطة عبور، بسبب شاحنات نقل المحروقات المهرّبة.

[ibimage==7804==Small_Image==none==self==null]

سيارات تحمل عبوات الوقود المهرب

وآخرها حادث اصطدام شاحنة تهريب يوم 25 أيار/ماي 2013 بعمود كهرباء جرّاء السّرعة المفرطة، ما تسبب في انقطاع الكهرباء وجرح راكبي الشّاحنة. وتحدث حوادث مشابهة بشكل متكرّر.

يتذكر أبناء القيروان أخطر حادث حصل أمام منتزه عائلي بمدخل مدينة القيروان أدّى إلى وفاة سائق الشّاحنة حرقا واشتعال ستّ سيّارات رابضة أمام المنتزه. وفي مناسبة أخرى تسبّبت شاحنة نقل محروقات في وفاة ثلاثة شبّان تباعا إثر اصطدامها بشجرة على حاشية الطّريق جرّاء مطاردة دوريّة أمنيّة لها.

كما أن المحروقات المهرّبة تسببت أيضا بوفاة تجّار نتيجة حرائق نقاط البيع على الطريق، المصنوعة من القصب والقماش والبلاستيك. وتنتشر في مداخل مدينة القيروان وداخل الأحياء السّكنيّة.

عاطلون مجازفون

توجد بولاية القيروان، نحو 40 محطّة وقود معتمدة. لكن أصبحت هناك أعداد لا تحصى من نقاط بيع البنزين المهرّب وتخزينه، تحوّلت إلى قنابل موقوتة وظاهرة عجزت السّلط الجهويّة بالقيروان عن التّصدّي لها وقد باءت بعض المحاولات بالفشل.

معظم الّذين يشتغلون في هذا الميدان من الشبّان. سواء في نقاط البيع، أو في جلبها. وسائل عملهم تتألّف من شاحنة خفيفة سريعة يتمّ اقتناؤها عن طريق شركات الإيجار المالي. والوجهة المقصودة لجلب المحروقات (بنزين وقازوال) هي الحدود الجزائريّة على مستوى ولاية القصرين. وذلك بعد غلق خط التّهريب بين تونس وليبيا منذ 14 كانون الثاني/جانفي.

محمود العيّاشي (30 سنة)، متزوّج وحاصل على شهادة الباكالوريا بائع محروقات مهرّبة بنقطة بيع بحيّ سكني بمدينة القيروان، يقع مستودعه في طابق سفلي تحت عمارة تتألّف من أربعة طوابق.

شاب نحيل ثيابه مثل ملابس ميكانيكي، في حديثه لـ “مراسلون” عن مجال عمله المحفوف بالمخاطر والرشاوى، يقول إنّ شغله يتطلّب جهودا كبيرة وفيه مخاطر كثيرة أثناء جلب البضاعة وتخزينها.

“تتطلب الرّحلة بين القيروان والحدود الجزائريّة بين 5 و6 ساعات جيئة وذهاب. وهناك وسطاء على طول الحدود التّونسيّة الجزائريّة يتوسّطون لتوفير المحروقات على الجانب التونسي، دون دخول التّراب الجزائري. ويتم جلبها في حاويات بلاستيكيّة تتراوح سعتها بين 20 لتر وبين 100 لتر”.

تتمثّل مخاطر نقل المحروقات وتهريبها، في التخفّي عن أعين مصالح الجمارك وعن الشّرطة. حيث يخشى المهرّبون من الإيقاف والحجز أو دفع “الرّشوة” كما يعرّضهم الهروب من الدّوريّات الأمنية إلى حوادث مرور.

ويؤكد هذا الشاب، بوجود “رشوة” بين المهرّبين وأعوان الأمن. ويوضّح قائلا: “الرّشوة موجودة قبل الثّورة وبعد الثّورة”، مضيفا “في صورة عدم دفع الرشوة تتمّ مطاردة الشاحنة وحجزها”.

أرباح هذا العمل مجزية وقادرة على خلاص أقساط “الإيجار المالي” للشاحنات الّتي يتراوح ثمنها بين 48 و52 ألف دينار. والمهرّب مطالب بخلاص 1000 دينار شهريّا (الدينار التونسي يعادل 0.6 دولار أمريكي). وفي صورة تأخّره تحجز الشاحنة ويُسجن.

“إنّه عمل غير مريح في ظلّ الحصار والمخاطر وليس لدينا شغل آخر”، يقول هذا الشّاب متحدّثا عن تجربته في البحث عن شغل. وقال إنّه قدّم مطالب عمل لإعالة أسرته مستظهرا بشهادة الباكالوريا، دون جدوى. وطالب بتشغيل الشبّان، لحمايتهم من المخاطر. موضّحا “إنّ تجّار المحروقات الشبّان يواجهون ظروفا اجتماعيّة قاسية وهم لا يبحثون عن الثراء.

الوالي والجمارك

تحت ضغط نقابات محطّات الوقود ووطأة الحوادث، نفّذ والي القيروان عبد المجيد لغوان، مدعوما بوحدات من الجيش والشرطة والدّيوانة والحماية المدنيّة، حملة تفتيش ضدّ نقاط بيع المحروقات وتخزينها.

وتمت زيارة المحلات القريبة من مقرّ الولاية والتحاور الوالي مع أصحابها، دون إغلاقها ولا حجز محتوياتها، مثلما أذاع الوالي عبر الرّاديو. وصرّح الوالي إنّ ما قام به هو إنذار أوّلي لإقناع تجّار المحروقات بضرورة الامتناع عن بيع وتخزين هذه المواد الخطرة وسط الأحياء السّكنيّة.

دامت حملة الوالي نصف يوم واحد ثمّ توقّفت. لكن حملات الديوانة (الجمارك) تواصلت. وأعلن العقيد حافظ العزيزي مدير الحرس الديواني وجود مجهودات للحدّ من ظاهرة تهريب البنزين، حيث تمكّن الحرس الديواني  من ضبط ما يفوق  2.7 مليون لتر من البنزين المهرب خلال الثلاثة اشهر الأولى من سنة 2013 بقيمة مالية قاربت أربعة مليون دينار.

ويتم تسليم المحروقات المحجوزة الى الشركة الوطنية لتوزيع البترول التي وضعت على ذمة الديوانة في كامل الجمهورية عدة نقاط لتجميع المحجوز لنقله اثر ذلك الى محطة تكرير النفط ببنزرت لإعادة تكريره.

وقال آمر حرس الجمارك بالقيروان، إنّ هناك خطّة لمواجهة تهريب المحروقات. موضّحا أن عمليّة جلبها تتمّ عبر الحدود التّونسيّة الجزائريّة. وفي المقابل تحدّث عن صعوبات أمنيّة “تجعل السّيطرة على مسالك التّهريب أمرا صعبا”.

خزينة الدّولة تنتفع

يدرّ تهريب المحروقات وبيعها، أرباحا متفاوتة تصل إلى 2 دينار عن كل حاوية من فئة 20 لتر. يتم بيعها لنقاط البيع. ونفس المقدار يربحه التاجر عند بيعها للزبائن. ويقبل مواطنون على المحروقات المهرّبة، بشكل ملفت يغري المهرّبين بمواصلة العمل من اجل مضاعفة الرّبح.

وحدّث أحد الفلاّحين أنّ لديه أربع عربات (شاحنات وجرارات) قيمة استهلاكها تسع حاويات من القازوال (180 لتر يوميّا) ويوفّر عند شراء المحروقات المهربة نحو 60 دينار يوميّا نظار لفارق الأسعار بين محروقات محطّات الوقود والنّقاط الموازية.

وقد ضاعف ارتفاع أسعار المحروقات من إقبال المواطنين على المحروقات المهرّبة، وذلك رغم وقوع مخاطر وأعطاب لسيّارات عدد من الزبائن.

الجهة الّتي تبدو ظاهريّا متضرّرة من تهريب المحروقات وبيعها على قارعة الطّريق، هي محطّات البنزين. فقبل الثورة أحصت غرفة محطات البنزين وجود 400 نقطة موازية لبيع المحروقات. أمّا بعد الثورة فلم يعد بالإمكان إحصاء عددها وأصبحت في كلّ مكان.

وقد طالب أصحاب المحطّات، من خلال نقابتهم، السّلطات الجهويّة بضرورة التّصدّي لهذه النّقاط وتحدّثوا عن أضرار بيئيّة واقتصادية وصحيّة وسلامة مروريّة. واقترحوا غلق منافذ التهريب و”الحزم في التّعامل مع المهرّبين” من خلال تشديد المراقبة الحدودية.

وأفاد وكيل إحدى محطات البنزين بالقيروان أن مرابحهم تراجعت. والحال أنّهم يدفعون أجور العمال ويدفعون الضرائب، وهي مهدّدة بالإفلاس. بل انه أشار إلى أن السّوق الموازية تمسّ من الاقتصاد التّونسي. بسبب بيعها بأسعار اقل من السعر المعتمد على مستوى وطني وتحرم ميزانيّة الدولة من الضرائب المستوجبة على المحروقات، ناهيك عن غياب الجودة والمراقبة.

كما تحدّث عن المخاطر الصحية والبيئية لبيع المحروقات الموازية، مطالبا البلديات والحماية المدنية والوالي والدّيوانة والمراقبة الاقتصادية بالتدخل. كما بين ان المواطن متضرر من بعض نقاط البيع الموازية.

الرجل أشار أيضا إلى تورّط أصحاب المحطات في شراء البنزين المهرب سواء من خلال اقتنائه مباشرة من المهربين أو بشرائه من الجمارك بطرق غير رسمية عند حجز الكميات. وقد تمّ التّفطّن إلى عمليّة تهريب للبنزين في شاحنة تابعة لشركة مختصة في نقل المحروقات بتاريخ 32 حزيران/جوان 2013. حيث تمّ نصب كمين لسائق شاحنة تابعة للشركة العربية للنقل البري والمختصة في نقل البترول كانت بصدد إفراغ حمولة لدى إحدى محطّات البنزين وتبيّن أنّها غير مطابقة لمواصفات الجودة.

 أمّا النقطة الأهمّ في عمليّات المراقبة والحجز الدّيواني، هي أن المحروقات المهرّبة التي يتمّ حجزها، تباع بعد ذلك عن طريق القباضة الماليّة لفائدة أصحاب المحطات المعتمدة. كما يمكّن حجز الشاحنات من تغريم أصحابها بمبالغ معتبرة تفوق 3 آلاف دينار. وتعود أموالها إلى خزينة الدّولة وبالتّالي يساهم تهريب المحروقات في شحن خزينة الدّولة، عبر فتح منافذ التّهريب ثم خنق المهرّبين.