توفيق بن بريك صحافي وكاتب وفيلسوف وسياسي، جريء الى حد الوقاحة ومتحرر الى حد الفوضى. عرف بانتقاده الشديد للرئيس السابق زين العابدين بن علي، ويواصل اليوم حربه المعلنة ضد حزب النهضة الحاكم في تونس.

الحديث معه لا ينتهي وفيه تداعيات كثيرة، التقته “مراسلون”، وهنا ننشر الجزء الثاني من الحوار:

هل أنت ممن يعتقدون أن ما حدث في تونس يسمى ثورة؟

توفيق بن بريك صحافي وكاتب وفيلسوف وسياسي، جريء الى حد الوقاحة ومتحرر الى حد الفوضى. عرف بانتقاده الشديد للرئيس السابق زين العابدين بن علي، ويواصل اليوم حربه المعلنة ضد حزب النهضة الحاكم في تونس.

الحديث معه لا ينتهي وفيه تداعيات كثيرة، التقته “مراسلون”، وهنا ننشر الجزء الثاني من الحوار:

هل أنت ممن يعتقدون أن ما حدث في تونس يسمى ثورة؟

نعم بالتأكيد، لقد انجز شعبي ثورة فريدة من نوعها. ثورة ضد الظلم والتسلط والقهر، ثورة رائعة، بسيطة ومتقدمة. أي انها خرجت من ابناء الشعب ومن الفقراء وكانت بأدوات القرن الواحد والعشرين. الثورة التونسية كانت بالفعل صفعة لنظام فاسد ومخادع، لقد فاجأت العالم وأثرت حتى في شعوب الشمال الثري ففكروا في القيام بثورات مماثلة ضد انظمتهم في اليونان واسبانيا، وبلجيكا وحتى في اسرائيل.

ولعل ذلك ما جعل الجميع يسارع لاحتوائها والالتفاف عليها والتصدي لها بإيجاد مضاد لها. وكان هذا المضاد هو هذه الحكومات التي تحكم اليوم.

هذه الحكومات التي تعتبرها مضادا للثورة، أفرزتها صناديق الاقتراع. ألا تؤمن بذلك؟

عن أي صناديق اقتراع تتحدث واي انتخابات هذه التي تعيد انتاج النظام القديم بشخوص جديدة؟ الانظمة الفاسدة والمتسلطة والمغتصبة سرعان ما تعيد التموقع من جديد وبأساليب وخدع جديدة. التاريخ يحدثنا عن ذلك، فأنت لا تستطيع ان تتحدث عن نتائج انتخابات وعن منافسة انتخابية والنظام القديم الذي ثار عليه الشعب ما زال قائما ويتحكم في اللعبة الانتخابية. صحيح ان الوجوه تغيرت لكن الممارسات هي نفسها لم تتغير.

أضف الى هذا انه لا يمكننا فعليا الحديث عن انتخابات والشعب لم يرتق بعد الى مرتبة المواطنة التي فقدها لأكثر من نصف قرن. الانتقال من مرتبة الرعية الى مرتبة المواطنة يتطلب مدة زمنية معينة. ونحن في تونس لم نحترم هذه الفترة. قمنا بالانتخابات واهداف الثورة لم تنجز بعد. لهذا كانت النتائج مخيبة لأمال الشعب وطموحاته.

نلسون مانديلا كان يعي هذا، لذلك طلب مهلة لسنوات بعد سقوط النظام العنصري في جنوب افريقيا حتى يتهيأ الشعب للانتخابات. ولما نظمت الانتخابات بعد خمس سنوات فقط هزم النظام القديم بفارق ليس بكبير. وهذا ما يجب أن تعيه جميع الاحزاب في تونس. وإلا سيستمر الرفض لنتائج الانتخابات.

لكن الرافضين لا يمثلون الاغلبية؟

دعك مما يقوله من لا يريد قبول الحقيقة. فالشعب نزل الى الشارع للتظاهر بعد اسبوع فقط من الاعلان عن نتائج الانتخابات. والاحصائيات الرسمية تحدثت عن القيام بأكثر من 20 الف اعتصام وحوالي 35 الف اضراب عن العمل وعن عمليات قطع للطرقات بعد 3 اشهر فقط من الاعلان عن نتائج الانتخابات. وعرفت البلاد جميع انواع الاحتجاجات. أي اغلبية تتحدث عنها؟.

الشعب هو الاغلبية الوحيدة، وهو المقياس الوحيد لفشل من في السلطة. ثقتي كبيرة في هذ الشعب العظيم وأرى أنه الوحيد القادر على ضمان الحقوق والعدالة والحرية.

هل تعتقد أننا سنشهد ثورة ثانية؟

لا لست معتقدا في ثورة ثانية كالتي حدثت لكن أعتقد في ثورة واعية، ثورة تجعل الشعب يحس بمواطنته ويعرف من ينتخب، ثورة تدعم المعرفة والعلم والرقي بالبلاد.

وأنا على ثقة في شعبي الموجود في المدن الخلفية، في تونس الأعماق والذي لم يرم المنديل بعد ومازال ينزل إلى الشارع مطالبا بالكرامة والشغل والحرية، ومما يدعم ثقتي هذه هو شعوري بأن الحكومة ستسقط  لا محالة وأنها كانت ستسقط لولا مقتل شكري بلعيد التي أعطاها متنفسا جديدا للحياة.

ما علاقة اغتيال بلعيد في بقاء الحكومة؟

قبل اغتيال شكري بلعيد كانت الأمور توحي بأن من في السلطة ساقطون لا محالة ولكن اغتيال بلعيد، وهي عملية مخابراتية وتكتيك أمني بامتياز، أعاد بعث الحياة من جديد للسفاح الذي كان يصارع سكرات الموت وهو الحزب الحاكم أو “طائفة النهضة”.

إذن تتهم النهضة باغتيال شكري بلعيد؟

لا يوجد طرف بعينه، الدولة العميقة، المصالح السرية والاستعلامات. قال البعض إن الشرطة الموازية والعالم بأسره يعرف أن الشرطة الموازية هي نفسها الشرطة السياسية والجناح المسلح لحزب ما، عادة يكون الحزب الحاكم.

وسبب اغتيال بلعيد هو اعطاء هذه السلطة الجديدة وقتا إضافيا للبقاء. وهذا أكبر دليل على أن هذ السلطة الجديدة أو الحكومة مدعمة من قبل القوى الديكتاتورية وقوى الشمال الغني والناهب لخيرات شعوب ودول الجنوب.

 كونك من مناصري الحريات، الا تعتبر الافراط في الحرية يضر بالحرية نفسها؟

الحرية حسب رأيي مطلقة أو لا تكون، ونحن في عهد بن علي كنا نطالب بعطرها أو بشبر في مساحة الحرية، وهي الشيء الوحيد الذي لا يمكن عيشها بمفردك، فإما أن تكون الحرية للجميع أو أنه لا يمكن الحديث عنها وهنا يدخل معنى المساواة بين الناس.

لكن، للأسف، الحكومة الحالية في تونس كانت بمثابة الانتكاسة على مبدأ انساني اتفقت عليه البشرية جمعاء هو الحرية. اذ لا يمكن كبح الحرية من منطلق أخلاقي أو اجتماعي أو ديني أو أي منطلق آخر من المنطلقات.

في تونس اليوم لم نصل إلى الحرية بمفهومها الانساني، بل هناك الكثير من العوائق والحدود، انظر إلى وضع الصحافة والعدالة (القضاء) في تونس فستفهم ذلك.

لو توضح؟

الكاتب فيكتور هيغو يقول إن “صندوق الاقتراع لا بد منه ولكن هذا الصندوق يتحول إلى تابوت لو لم تكن هناك صحافة حرة وعدالة قائمة”.  واليوم في تونس يحاكم فنان الراب على حلم ويحاكم الصحافي بسبب رأيه ويحاكم المهمش بسبب صيحة، ويحاكم النقابي بسبب اضراب وتحاكم عائلة الشهيد بسبب مطالبتها بكشف الحقيقة.

اليوم الصحافة في تونس لم تفهم دورها، الصحافة هي الكاشفة والفاضحة لكل شيء حتى عن المسكوت عنه اخلاقيا ودينيا، هم يريدون باسم الدين أن يقمعوا الحريات وهذا أسوأ أنواع القمع. هل سمعتم بمحاكمات  الصحفيين والفنانين التي حصلت وتحصل؟، أنا أتابعها يوميا، واقع الحريات في تونس يتدهور وهذا ما لا يجب أن يحصل، وبرأيي أن هذا امر طبيعي في ظل حكومة دينية.

لماذا لم تؤسس حزبا سياسيا مثل غيرك لتجسد أفكارك على أرض الواقع؟

قدري أن أكون صحافيا ولن أكون إلا صحافيا وكاتبا ومعارضا، وقدري أن أكون ضد السلطة تلك التي لا تصطف في صف الشعب الكادح. أنا أحب مهنتي وأعيش من كتاباتي، لا أستطيع أن أحصر نفسي في أية التزامات، ولدت هكذا وسأبقى كذلك، أنا ابن هذا البلد أعيش فيه ومن أجله وسأموت فيه.

ألهذا السبب أسست صحيفة ورقية بعنوان” ضد السلطة”؟

نعم صحيفتي “ضد السلطة”، اسستها لتكون صوت من لا صوت له، صوت المهمشين الذين يبحثون عن فضاء حر للتعبير والصياح، صوتا للأغلبية الفقيرة، وفضحا للسلطة الجائرة والمتوحشة. وأسعى من خلال “ضد السلطة” إلى مواجهة السلطات الثلاث وهي المال، السلاح وسلطة المتخفين باسم الدين.

لكن” ضد السلطة” تتهم بكونها تعتمد ألفاظا بذيئة وتستعمل كثيرا لغة تخدش الحياء وتتجاوز الأخلاق؟

من قال هذا لا يعرف اللغة العربية ولم يدرك معانيها، أنا أحاول من خلال جريدتي أن أرفع سقف الحرية وأتجاوز كل الخطوط الحمراء، وأن أفتح الباب وأمهد الطريق لشعبي وللصحفيين ان كانوا واعين باللحظة لممارسة حريتهم دون ضوابط وقيود.

أنصح بأن يتم دراسة جريدتي دراسة نقدية وموضوعية، فكتاباتي وصحيفتي يتم تداولها في أشهر المواقع الاجتماعية، والذين يكتبون معي شباب متحمس جريء إلى حد الوقاحة وحر إلى حد الفوضى وهؤلاء هم الصحفيون الحقيقيون.

إذا كنت لا تخاف من السلطة، فمما تخاف؟

أخاف أن يتم ترحيلي من بلدي، وأن أعيش بعيدا عنه، بن علي لو كان بالفعل هددني بتهجيري من بلدي لالتزمت الصمت. وأخاف أيضا على شعبي الذي قام بثورة ألهمت كل شعوب العالم وزعزعت قواه المسيطرة، أخاف عليه أن ينسى أنه خرج ذات يوم وقال للطاغية كلمة ارحل “ديقاج” وبصيحة واحدة “الشعب يريد اسقاط النظام”.

 

لقراءة الجزء الأول من الحوار اضغط هنا