فوق هضبة تتربع في مدخل قرية شراحيل (بالساحل التونسي)، يقف العم يوسف في استعداد عسكري، بيده عصاه التي يوجهها إلى المدينة النائمة في أحضان شجر الزيتون. يحاول العم يوسف القيام بدور المرشد السياحي لتوجيه الغرباء إلى الاكتشاف العظيم. 

ففي هذه القرية الصغيرة، يمارس أغلب السكان أنشطة فلاحية بسيطة، وتنتعش المنطقة خلال موسم جني الزيتون، ومن خلاله تدخر بعض العائلات مخزونها السنوي من “العولة” (كل مخزون غذائي من أصل نباتي)، ويوفر البعض مصروفه اليومي.

فوق هضبة تتربع في مدخل قرية شراحيل (بالساحل التونسي)، يقف العم يوسف في استعداد عسكري، بيده عصاه التي يوجهها إلى المدينة النائمة في أحضان شجر الزيتون. يحاول العم يوسف القيام بدور المرشد السياحي لتوجيه الغرباء إلى الاكتشاف العظيم. 

ففي هذه القرية الصغيرة، يمارس أغلب السكان أنشطة فلاحية بسيطة، وتنتعش المنطقة خلال موسم جني الزيتون، ومن خلاله تدخر بعض العائلات مخزونها السنوي من “العولة” (كل مخزون غذائي من أصل نباتي)، ويوفر البعض مصروفه اليومي.

لكن منذ حوالي أسبوعين، أفاقت هذه القرية من سباتها العميق، وربما قد تعود إليها بعض الحركة والنشاط بعد أن تم اكتشاف منطقة أثرية رومانية مدفونة تحت إحدى الأراضي الفلاحية تعود إلى أواخر القرن السادس.

آثار نادرة

رياض الواعر رئيس بلدية شراحيل يقول لـ”مراسلون” ان الآثار التي تم اكتشافها نادرة جدا وتعود الى الفترة الرومانية، مضيفا ان أغرب ما في هذه الآثار هو بقاؤها شامخة، صامدة، و”كأنّ صاحبها قد تركها بالأمس وأقفل الباب ليعود إليها لاحقا”.

مرّت قرون، وتعاقبت الحضارات واحدة تلوى الأخرى، أجيال وراء أجيال ولكن ظلت الأواني الفخارية على حالها وكأنها صنعت بالأمس. وقد حافظت أغلبها على رونقها وبريقها، وهو ما أذهل كل من زار هذا المكان والذي لم يبح بعد بكل أسراره.

رئيس بلدية شراحيل لم يستبعد ان تكون هناك منطقة كاملة غارقة تحت الأرض، وهو ما يتطلّب تدخل أعوان الحماية المدنية وعلماء الآثار لتقييمها وحمايتها، وأوضح ان الملفت للانتباه هو وجود آثار سليمة واعمدة ضخمة منقوشة وعدد هام من الأواني الفخارية. 

ويؤكد جهاد صويد، ممثل عن المعهد الوطني للتراث لـ”مراسلون” ان المعاينة الأولية للموقع بينت ان الآثار تعود الى الفترة القديمة وهي تقريبا أواخر الفترة الرومانية وربما حتى البيزنطية، مشيرا الى أن الفترة هي نهاية القرن السادس وبدايات القرن السابع .

وقال انّ الاكتشاف هام وقيّم للغاية. لذلك “طلبنا تكليف خبير من المعهد الوطني للتراث وهو مختص في هذه الحقبة الزمنية ليتمكن من تحديد طبيعة هذه الآثار بدقة. ومن المنتظر القيام بالمزيد من الحفريات لاكتشاف المنطقة”.

وأضاف انّ الآثار المكتشفة وبالأخص التشخيص الأوّلي للموقع ابرز وجود منشأة مائية وآثار فسقية وأواني فخارية وأعمدة ضخمة منقوشة.

ورجح صويد ان يكون المكان مجرد منطقة صغيرة لأنه يمتد على نحو هكتار. وان الحفريات هي التي ستحدد طبيعة الاكتشاف ومساحته بدقة، مضيفا، لا أحد يعرف ما يخفيه هذا المكان من مفاجآت وهو ما سنعرفه في قادم الأيام.

مدينة منسية

لم يتخيل سكان شراحيل أن منطقتهم المعزولة، ستتحول فجأة إلى محط للأنظار واهتمام الباحثين والمستكشفين.

[ibimage==7786==Small_Image==none==self==null]

مدخل المنطقة المكتشفة

ويأمل العم يوسف أن تبعث هذه المدينة المدفونة تحت التراب، الحياة مجددا في شراحيل، فيعود إليها شبابها الذي هجرها ومن بينهم حفيده الذي تركه وهاجر سرا عبر مراكب الموت، كما قال، إلى إيطاليا.

ويضيف “لم تعرف هذه المنطقة المنسية تنمية ولا مشاريع تذكر بعد ان هجرها اغلب شبابها الى إيطاليا بحثا عن عمل. أما النساء فقد أرهقتهن مصانع النسيج بالمناطق المجاورة وبالأخص بقصر هلال والمكنين”.

ويعتقد سكان شراحيل، أن هذا الاكتشاف قد يحول منطقتهم إلى نقطة عبور للسياح الاوروبيين الذين يزورون مدن سياحية قريبة مثل سوسة والمنستير والمهدية للتمتع بأشعة الشمس والبحر.

ويؤكد رئيس البلدية بكل ثقة أن الآثار والسياحة الثقافية أصبحت تجذب المزيد من السياح، خاصة من الجنسيات الاسيوية كاليابان والصين.

حفر عشوائي ومفاجأة

بحسب شهادات من أهالي المنطقة، فإن هواة البحث عن الكنوز والجرار المملوءة بالذهب والمجوهرات، هم وراء الحفريات التي تقع في المنطقة من حين إلى آخر. وانّ منطقة شراحيل عرفت على مرّ السنوات الأخيرة عدة عمليات حفر عشوائية كان هدفها الرئيسي النبش عن الكنوز والتي طالت تقريبا كل الأراضي وحتى أضرحة الأولياء الصالحين.

[ibimage==7792==Small_Image==none==self==null]

حفر

وما رجّح هذه الفرضية هو العثور على بعض الجرار المكسورة داخل الحفرة العميقة بالأرض. وبمجرد التوّغل داخلها هال أصحاب الأرض المشهد الذي وجدوه: أعمدة وبنيان ضخمة منقوشة، منشآت مائية، فسقية، مدرجات وأواني فخارية بعضها لا يزال في فرن ضخم يبدو وكأنه كان مخصصا لصناعة الأواني الفخارية.

كما ان هناك “سلالم” وهي عبارة عن مدرجات تؤدي الى أماكن لم يتم اكتشافها بعد. ويتابع الواعر، من النادر ان يتم العثور على آثار سليمة وغير مهشمة حيث تعوّد علماء الآثار على البحث عن الأجزاء لتكتمل بعض الحفريات لكن هذا المعلم يبدو مكتملا وكأنه مكتمل البنيان.

وبينما تستمر روتينية الحياة في مقهى يتيم، يكاد يكون الوحيد في هذه القرية، ويواصل سكان شراحيل فيه تكرار الحكايات القديمة عن الزواج والطلاق وهجرة الشباب دون رجعة، ظهرت في الأسابيع الماضية حكاية جديدة عن مدينة نائمة تحت الأرض ستغير وجه القرية، وتعيد لها شبابها.