مطلع شهر تموز/يوليو الجاري، أقدم مجهولون، يعتقد أنهم متطرفون دينيا، على محاولة حرق مسرح الجيب ومقر جمعية فنون السينما والمسرح بالكاف. وكاد الحريق أن يمتد من النوافذ الخارجية إلى داخل المسرح لولا مسارعة أهالي الحيّ إلى إخماده.
تضامنا مع الجمعية، ومساندة لمسرحيي المنطقة، توجهت مجموعة “فني رغما عني” إلى مدينة الكاف، للمشاركة في عرض فني، دون ان تعلم أن مصيرا مشابها كان ينتظرها.
المجموعة، قررت المساهمة بعرض أطلق عليه اسم “قتلوه”، وهو عرض جسماني مسرحي يتحدث عن الشهيد شكري بالعيد الذي اغتاله مجهولون في شباط/ فبراير الماضي.
مطلع شهر تموز/يوليو الجاري، أقدم مجهولون، يعتقد أنهم متطرفون دينيا، على محاولة حرق مسرح الجيب ومقر جمعية فنون السينما والمسرح بالكاف. وكاد الحريق أن يمتد من النوافذ الخارجية إلى داخل المسرح لولا مسارعة أهالي الحيّ إلى إخماده.
تضامنا مع الجمعية، ومساندة لمسرحيي المنطقة، توجهت مجموعة “فني رغما عني” إلى مدينة الكاف، للمشاركة في عرض فني، دون ان تعلم أن مصيرا مشابها كان ينتظرها.
المجموعة، قررت المساهمة بعرض أطلق عليه اسم “قتلوه”، وهو عرض جسماني مسرحي يتحدث عن الشهيد شكري بالعيد الذي اغتاله مجهولون في شباط/ فبراير الماضي.
التهمة لباس مسرحي
اختار ممثلو “فني رغما عني” ساحة عمومية في وسط المدينة للقيام بالعرض، وكان أفراد المجموعة يرتدون ثياب استحمام، عراة الصدور، وهو الأمر الذي أثار حفيظة بعض المحسوبين على التيار السلفي، الذين حاولوا الاعتداء عليهم بالضرب، ومنعوا استكمال العرض بحجة أن اللباس منافي للحياء.
في تصريح لـ “مراسلون”، يقول رياض الشريشي وهو ناشط مدني ينحدر من المنطقة وشاهد على الواقعة، “هاجمنا بعض الأفراد المحسوبين على التيار السلفي، وقاموا بمحاصرتنا، وتمزيق لافتاتنا وصورة شكري بالعيد التي كنا نحملها. كانوا مسلحين بعصي و أسلحة بيضاء، مما دفعنا للتراجع والاحتماء بفضاء مسرح الجيب”. ويضيف “كانت لحظات عصيبة، فلقد كنا 19 شخصا بينما كان المهاجمون يعدون بالعشرات”.
لما اتصل أفراد المجموعة الفنية بالشرطة، جاء بعض الأعوان لنجدتهم وتم اقتيادهم إلى مركز الشرطة من أجل حمايتهم والحفاظ على سلامتهم، و لكنهم فوجئوا، حسب قول الشريشي، بتحول مسار القضية.
“بعد أن كنا ضحايا اعتداء حرمنا من حقنا في عرض فني راق ونبيل، أصبحنا في قفص الاتهام والتهمة هي “التشويش والتجاهر بما ينافي الحياء”.
سيف شيدة، عضو جمعية فنون السينما والمسرح بالكاف، قال لـ “مراسلون”، “كنا حوالي 15 شابا و 4 فتيات، تم اقتيادنا إلى مركز الشرطة بعد مهاجمتنا من طرف متطرفين. اغلبهم يكن لنا عداوة شديدة ومن ضمنهم شخص اعتدى علي منذ أشهر، أنا و صديقي الفنان المسرحي رجب المقري عضو الجمعية، بعد اتهامنا بالكفر و الزندقة”.
ويضيف “لقد تحولنا من مظلومين الى متهمين، وتمت معاملتنا باحتقار شديد وقوبلنا بوابل من الشتائم والألفاظ البغيضة من قبل أعوان الأمن الذين اقتادونا لمخفر الشرطة”.
وفي مركز الشرطة، تعرض أعضاء المجموعة للمسائلة لمدة ساعات، قبل إن يتم إطلاق سراحهم فجر الأحد شرط العودة يوم الاثنين 8 تموز/يوليو 2013 لاستكمال البحث.
استنفار عبر المواقع الاجتماعية
وعرفت المواقع الاجتماعية حالة استنفار وقلق شديد بعد الحادثة. واعتبر ناشطون أن محاكمة مجموعة “فني رغما عني” من أجل لباس في مسرحية، يعتبر أخر مسمار يدق في نعش حرية التعبير والفن.
وتقول الناشطة ايناس التليلي عضو جمعية “ميثاق 20 مارس” إن “تلفيق التّهمة حركة سخيفة في مشهد من مسرحيّة التّركيع والتّرهيب الّتي لم تنفكّ الفاشيّة تكرر عرضها في تعدّ صارخ على كلّ مقاييس الأخلاق”.
كما قام ناشطون في جمعيات من المجتمع المدني على غرار جمعية “تحدي” بتنظيم قافلات تضامنية نحو مدينة الكاف، صبيحة يوم الاثنين (8 تموز/يوليو الجاري) لدعم مجموعة “فني رغما عني” في معركة ضد “عدالة تعاقب حرية الفكر والتعبير” حسب قولهم.
وبعد المثول صباح الاثنين أمام وكيل الجمهورية بمحكمة الناحية بالكاف، تبين للمتهمين أن المحضر المحرر ضدهم “لا يمت للوقائع بصلة”، حسب محامي المجموعة الفنية.
وقالوا إن السلفيين تقدموا بشكاية زعموا فيها أن الفنانين تعرّوا كليا وخاصة الفتيات منهم، وذلك لاستفزاز أهالي المنطقة، كما زعموا أن الممثلين قاموا بسكب مواد طلاء ملونة على المارة والمباني المجاورة.
سيف الدين الجلاصي، المتحدث باسم المجموعة أكد في اتصال مع “مراسلون” أن المجموعة نفت كل التهم الموجهة إليها، وقد قرر وكيل الجمهورية إطلاق سراح المتهمين بعد عدم ثبوت التهمة، وطلب إرجاع القضية الى المصدر أي إلى مركز الشرطة لمزيد الاستماع الى الشهادات.
وعن تفاصيل احتلال المجموعة للساحات العامة، قال الجلاصي “مهمتنا تقتضي أن نفرض على المواطنين في الشارع أن يشاهدونا، فنحن لسنا في قاعة عرض لكي ننتظر متفرجين يقتطعون تذاكر لمشاهدة ما نقدم، إنه فن الساحات والمقاومة”.
شكري بلعيد الحاضر الغائب
وردا على مزاعم السلفيين، أوضح الجلاصي أن المسرحية بدأت برفع المجموعة صورة ضخمة لشكري بالعيد، وتقدم الممثلون في لباس ابيض يغطي النصف الأسفل من أجسادهم، و”يحمل رؤية فنية” لأصحابها من خريجي جامعات الفنون الجميلة، و”هو نتاج أشهر من التفكير والتصور”، كما أضاف.
وخلال العرض الذي يحمل عنوان “قتلوه”، تم استعمال مواد ملونة، لطخت اللباس الأبيض وغطت الساحة العامة. لكن هذا المشهد و إن أعجب المتفرجين، الذين جلبتهم الألوان و الحركات، حسب سيف الدين الجلاصي، فإنه لم يرق لبعض “المتطرفين” الذين هاجموا العرض وعمدوا إلى إيقافه ومنع الممثلين من مواصلته.
و”فني رغما عني” هي حركة فنية، بدأت العمل في آب/ أغسطس 2011، تقوم بحسب القائمين عليها “بنشر فن الهامش والمقاومة الفنية التي تنشق عن المعتاد والمألوف، تحتل الساحات لتملأها رقصا وصخبا”.
ويتنقل شباب “فني رغما عني” بين مدن تونس و يقومون بعروض متنوعة كما يعملون على تدريب شباب قادر على حمل مشعل الفن وترسيخ حقوق الإنسان عبر الرقص والتعبير الجسماني وغيرها من الفنون الجميلة.
ويقول ناشطون إن إطلاق سراح مجموعة “فني رغما عني” وعدم الرضوخ إلى تهديدات المتطرفين، يعتبر انتصارا لحرية التعبير في تونس، في وقت مازال يقبع فيه البعض في السجون من أجل كلمة أو فكرة .
ولئن خرج مغني الراب “ولد الكانز” من وراء القضبان في انتظار استئناف حكم السجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ الموجه ضده، فإن أمينة السبوعي “ناشطة فيمن” المتهمة بتدنيس حائط مقبرة وجابر الماجري المتهم بنشر صور مسيئة للرسول عبر الانترنت لا يزالان في انتظار أحكام غير جائرة.