يرفض توفيق بن بريك القبول بالحكومات الدينية ويعتبرها قمعية ومضادة للثورة. كما يتهم الدول المتقدمة بالسعي الى تكريس التخلف والفوضى في العالم العربي.
الحديث مع هذا الصحفي الإشكالي لا ينتهي وفيه تداعيات كثيرة، التقته “مراسلون”، وهذا نص الجزء الاول من الحوار:
“مراسلون”: توفيق الصحفي، المعارض اليساري، الكاتب الثائر، ما الصفة التي تفضل أن تنعت بها؟
توفيق بريك: (يضع محلّيا في قهوته ويشعل سيجارة) أنا صحافي واعتز بذلك، ولا أريد إلا أن أكون صحافيا وان انعت بهذه الصفة.
يرفض توفيق بن بريك القبول بالحكومات الدينية ويعتبرها قمعية ومضادة للثورة. كما يتهم الدول المتقدمة بالسعي الى تكريس التخلف والفوضى في العالم العربي.
الحديث مع هذا الصحفي الإشكالي لا ينتهي وفيه تداعيات كثيرة، التقته “مراسلون”، وهذا نص الجزء الاول من الحوار:
“مراسلون”: توفيق الصحفي، المعارض اليساري، الكاتب الثائر، ما الصفة التي تفضل أن تنعت بها؟
توفيق بريك: (يضع محلّيا في قهوته ويشعل سيجارة) أنا صحافي واعتز بذلك، ولا أريد إلا أن أكون صحافيا وان انعت بهذه الصفة.
أنا اجيد الكتابة باللغتين العربية والفرنسية، وترجمت كتاباتي الى العديد من اللغات، قدم لها اشهر الكتاب في العالم على غرار ادوارد سعيد. واصدقائي من اشهر الروائيين العالميين اذكر منهم صديقي غابرييل غارسيا ماركيز.
لكنك تهتم كثيرا بالشأن السياسي وتتهجم على السياسيين. الا يمكن تصنيفك معارضا؟
كما قلت لك انا صحفي، والصحفي الحقيقي هو من كان ضد السلطة، هذا دوره. والصحافة في نظري ضد السلطة او لا تكون، فهي ليست عملا مهادنا ولا مدحا للسياسيين ولا تمجيدا لهم، هي ثورة دائمة ومعارضة دائمة وجرأة كاملة، هي حرية مطلقة او لا تكون.
وبالتالي فانا اتهجم على السلطة واصحابها، وضدها خفية كانت او ظاهرة، مالية كانت او دينية، مهما كانت طبيعتها، ولست ضد السياسيين لانه ببساطة لا يوجد لدينا سياسيون في تونس.
كيف ذلك؟
نعم ليس لنا سياسة ولا سياسيين، فالسياسة تتطلب معرفة واهتمام بالشان العام، ونحن اليوم في تونس لا نرى لا معرفة ولا اهتمام بالشان العام. الفيلسوف الالماني نيتشه يعتبر السياسي هو من يمتلك جميع ادوات المعرفة، وافلاطون كان يقول” من لم يكن مهندسا لا يدخل علينا”.
السياسة ليست عملا اعتباطيا بل هي فن ومعرفة وهي نتيجة ايضا، ولذلك فان السياسي الذي لا يحقق نتائج ولا يقنع ولا يهتم بالشان العام عليه ان يغادر العمل السياسي، فهي فن الممكن وبراغماتية بالاساس. ومن لم يستطع ان ينفع شعبه او يقنعه فلن يستطيع ممارسة الفعل السياسي.
والذين يدّعون اليوم في تونس انهم يمارسون السياسة لم ينجزوا اي شيء ظاهر للشعب وللشان العام ولتونس. وبالتالي فهم ليسوا سياسيين ولا يوجد عمل سياسي في تونس. هناك فقط مجموعة من المتمعشين ومقتنصي الفرص والمتحيلين.
لكن هؤلاء هم من انتخبهم الشعب. ألا ترى أنك تقسو عليهم بحكمك هذا؟
لا، انا لا اقسو على احد، لكن الشعب هو الذي يحكم ورفض وثار، ثم اعتصم وانتفض وتظاهر مباشرة بعد اسبوع من اعلان نتائج الانتخابات. والى اليوم لا تزال الاحتجاجات في كامل انحاء البلاد. فهؤلاء في واد والشعب في واد آخر.
أنا احكم على الواقع، ولا اتعالى عليه، ولكني واقعي وابن ميدان، وكنت دائما قريبا من التحركات الشعبية واستمعت الى الناس في قفصة وفي سيدي بوزيد والقصرين وجندوبة والكاف وصفاقس وسليانة وغيرها من المدن الفقيرة والمهمشة التي انطلقت منها الثورة.
لماذا تعارض قيام حكومة دينية؟ ألا تعتقد أنها تعبر عن هوية الشعب وعقيدته؟
(يضحك).. هذه ليست حكومة وقد أسميتها “طائفة النهضة”، هذه الطائفة استغلت بساطة الشعب وعدم تهيؤه لممارسة اللعبة الانتخابية، وطلبت دعما من الخارج مقابل تنفيذ أجندات الشمال الغني (فرنسا والولايات المتحدة الامريكية) ومصالح دول أخرى( الخليج وتركيا)، فحصلت على ما يسمى “التزكية الاجنبية”، واستعملت خطابا عاطفيا متخلفا يعتمد على العقيدة والهوية وأن الله في خطر.
أنا ضد الحكومة الدينية هذه وكل الحكومات الدينية في العالم لأن تاريخها مرتبط بالقمع وتكميم الأفواه وقتل الابداع وبمحاكم التفتيش ومحاصرة الفرد حتى في أحلامه. هذه الحكومات هي بالفعل مضاد للثورة ابتكره الشمال الغني ونفخ في روحه لقتل أي نفس تحرري وتقدمي. وهي فعلا ضد حركة التاريخ وضد التقدم.
لكن هؤلاء الذين تقدح في معارفهم هم بصدد كتابة دستور جديد للثورة؟
عن أي دستور تتحدث.. هم لا يفقهون شيئا، الدساتير يكتبها العباقرة والمثقفون ورجال القانون والفلاسفة والمغامرون والرحالة. لا يكتبها أناس جهلة عديمي الخبرة.
الدستور الأمريكي مثلا، كتبه ثلاثة أشخاص (واشنطون وجيفرسون ولافاييت) وهم كانوا من نخبة النخبة وكانت نظرتهم تقدمية وليست حزبية ضيقة. والدستور الفرنسي أيضا، الجنرال ديغول كلف المثقف دييري ليضع له ملامح دستور الجمهورية الخامسة، هكذا هي الدساتير، تكتبها نخبة النخبة أو تكون مشوهة وغير ذات قيمة ومعنى.
والمعارضة، اين هي من كل هذا؟
المعارضة نفسها ما زالت تنتمي الى العالم القديم، هي معارضة في قطيعة مع الشعب، وحسب اعتقادي المعارض الوحيد في تونس هو الشعب. أما أحزاب المعارضة فهي تعارض وتصارع ضد بقاء طائفة النهضة في الحكم وليست من أجل مصلحة الشعب الفقير والمهمش.
الوحيد الذي يساند الشعب اليوم هو اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية) وحتى مساندته تبقى محتشمة، وذلك بسبب ما يتعرض له يوميا من عمليات تشويه وتهجم على مقراته وعلى منخرطيه في كل انحاء البلاد، ولعله لذلك تجده (اتحاد الشغل) يدخل في مفاوضات سياسية مع السلطة – ويتنازل ويهادن في بعض الأحيان- فهو مجبر على ذلك.
لماذا أنت متشائم إلى هذا الحد؟
لست متشائما ولا متفائلا ولكني واقعي، وبكل تواضع استطيع أن استشرف الأحداث ففي عام 2009 كتبت بأننا نعيش ما بعد بن علي تحت نظام بن علي، واليوم استطيع أن أقول أننا نعيش ما بعد حكم طائفة النهضة تحت حكمها( طائفة النهضة). والأيام بيننا، لأن كل الظروف ضدها حتى الذين كانوا يتعاطفون معها اكتشفوا حقيقتها، وهي جاءت كسمّ قاتل للثورة، ولكني واثق من أن الشعب التونسي العظيم سيجد الترياق المناسب للقضاء عليه.
تحت حكم بن علي عانيت من اضطهاد البوليس خاصة البوليس السياسي، هل مازال يوجد اليوم من يقلق راحتك؟
يا صديقي العزيز يخطئ من يقول أن البوليس يتغير، البوليس هو البوليس وممارستهم دائما هي نفسها، وهو (البوليس) حسب رأيي عدو الشعب. لذلك ذهب احد الفلاسفة إلى حد القول بأن “من يأكل بوليسا يدخل الجنة”، وهي صورة مجازية تبرز طبيعة العلاقة بين المواطن والبوليس.
وأنا استغرب من بعض أحزاب المعارضة التي تتحدث اليوم عن وجود شرطة موازية، والحال أن البوليس السياسي هو نفسه الشرطة الموازية، أم أنني لم أعد أرى الاشياء كما هي!.
لكنك تتهم بأن لك علاقات مع المخابرات الفرنسية؟
( يضحك باستهزاء)هذا هراء ردده بن علي وزبانيته ويردده اليوم الحكام الجدد والبعض من أتباعهم، وللعلم فقط، فإني كنت مستهدفا أيضا من قبل المخابرات الفرنسية.
وعندما كنت أنزل في مطار شارل ديغول الدولي أجد من ينتظرني من المخابرات الفرنسية ليحقق معي عن وجهتي ومكان اقامتي وسبب زيارتي لفرنسا، وهذه المخابرات هي من لفقت لي بالتنسيق مع بن علي تهمة كيدية لم اتخلص منها إلا بعد أن برأتني المحاكم الفرنسية في 2011.
ما هو السبب باعتقادك وراء مراقبتك في الداخل والخارج؟
لأنني مثلما كتبت صحيفة لوموند: “بن بريك صاحب أسلوب راق وموهوب لكنه صعلوك”، وأنا هكذا أجمع المتناقضات ولا يمكنني أن ألتزم بـ”الإتيكات” أو البروتوكولات ولا بالمجاملات، أقول ما أحس به وما اراه في أي وقت وفي وجه أي شخص.
لا أجامل ولا أهادن، ولا أمارس مهنة صاحبة الجلالة بتعال لذلك فالكل قلق مني ومن تصرفاتي وكلماتي. أعرف أين أصوب هدفي فأنا دائما أتحدث عن تلك الأيادي الخفية التي تدير اللعبة السياسية وأتهجم على كل الممارسات البوليسية والقمعية.
ما الدافع وراء دعم الدول القوية هذه الحكومات الجديدة، حسب رأيك؟
لأنهم يريدون عالما عربيا متخلفا يعيش في الفوضى والفقر ويختارون من يسهل عليهم عمليات النهب وتحقيق استراتيجياتهم.
عندما ذهب السيد راشد الغنوشي رئيس “طائفة النهضة” إلى واشنطن بصحبة وزير الخارجية القطري طلبوا منه شيئين، التطبيع مع اسرائيل وبيع ممتلكات الدولة التونسية أو خصخصة ما تبقى من مرافق عمومية وأراض تابعة للدولة. وقد قبل بذلك وهو يعلم أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك لأن الشعب تفطن إليه، لذلك فهو تراه يحرك أتباعه هنا وهناك ضد التطبيع وضد الخصخصة ليقدم الحجة لأسياده بأنه يريد أن ينفذ التعليمات لكن الشعب لا يريد، وبن علي أيضا لم يستطع فعل ذلك. وربما لذلك أسقطوه من حساباتهم.
كيف ترى الانتخابات القادمة؟
إن حصلت فإن النهضة لن تربح، فهل تراهن؟