“الطريق إلى الله” كان هدفه في الحياة، وكان آخر “بوست” كتبه أيضا على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. من هذا المنطلق عمل شماسا لخدمة الكنيسة، وكان يعظ المقربين منه دائما بالقول “البعد عن الله اكتئاب”.
“الطريق إلى الله” كان هدفه في الحياة، وكان آخر “بوست” كتبه أيضا على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”. من هذا المنطلق عمل شماسا لخدمة الكنيسة، وكان يعظ المقربين منه دائما بالقول “البعد عن الله اكتئاب”.
أبانوب عادل الطالب الجامعي بكلية تربية قسم رياضيات جامعة أسيوط، والذي خرج كعشرات آلاف للمطالبة بتنفيذ مطالب الثورة “العيش والحرية والعدالة الاجتماعية”، بعد مضي عام من حكم الإخوان، في ظل تردي الأوضاع المعيشية، قتلته رصاصات الغدر ليكون أول شهيد في مظاهرات 30 حزيران/يونيو بأسيوط. “مراسلون” التقى السيد عادل، والد أبانوب، وكان هذا الحوار الذي تخلله مداخلات من والدة أبانوب وصديقه المقرب “أبادير”.
مراسلون: بداية كيف استقبلت نبأ استشهاد ابنك؟
عادل: أنا كنت موجود في البيت يوم الأحد الماضي، وفي الساعة الخامسة مساء استيقظت من نومي، وسألت والدته أين أبانوب، فأجابتني: “أبانوب خرج مع أصحابه في المظاهرات”، وقتها انشغلت عليه وقمت بالاتصال به، فرد علي قائلا: “أنا يابابا عند ميدان التركي بتظاهر مع أصدقائي في الشارع”، فقلت له: “لو حسيت إنه فيه قلق بلاش تكمل”. وبعد شوية اتصلت بيه وقلت له “يا ابني ارجع كفاية كده، فقال لي أنا هرجع بعد شوية يا بابا”.
بعد فترة وجيزة قامت شقيقته بالاتصال به، فرد عليها أحد الأشخاص، وقال لها إنه وجد هذا التليفون في شارع المحافظة ملقى علي الأرض، وطلب أن يرجعه لنا. بعدها ظللت أتابع أخباره من خلال أصدقائه الذين يسيرون معه في المظاهرة، وكانوا يطمئنوني عنه بين الحين والآخر، وبعد فترة اتصلت بأحدهم، ولكنه لم يعطني إجابة شافية، وأحسست أن في الأمر شئ، وعلي الفور اتصلت بصديق عمره “أبادير”، وسألته عن ابني فقال لي: “أبانوب مصاب في مستشفي سانت ماريا”.
في نفس المكالمة أخبرني أبادير أن مستشفى المبرة الحكومي رفض استقبال ابني، وطردوا زملاءه وضربوهم بالزجاجات الفارغة. بعدها أخذه أصدقاؤه على تروسيكل (دراجة نارية)، وطاروا به إلى مستشفي سانت ماريا.
ماذا فعلت فور علمك بالأمر؟
خرجت حافي القدمين في الشارع أنا وأمه، وكسرت القفل الخاص بالمستشفى لأن العاملين بالمستشفى رفضوا إدخالي، حتي لا أصاب بصدمة، وهناك لقيت أصحابه وزملائه في المستشفى، وقالو لي إن أبانوب بالداخل، وأخذت أبحث عن “أبادير”، وعندما رأيته قلت له: “شكلك فيه حاجة”، فرد علي: “أبانوب تعيش أنت.. وطلع ومعاه التيشرت بتاعه كأنه شغال في سلخانة من كتر الدم اللي موجود عليه”.. لم أتمالك نفسي من الصراخ والعويل الهستيري على ابني وحيدي الذي ضاع مني.
بعض القنوات صورت أن استشهاد أبانوب جاء نتيجة لقيامه بمحاولة حرق مقر الحرية والعدالة؟ ماردك على ذلك؟
حسبي الله ونعم الوكيل، أنا ابني ليس بلطجيا.. ابني كان شماس في الكنيسة، وفي اليوم الذي استشهد فيه كان مع والدته في الكنيسة وحضروا القداس هناك، بعدما عاد لينام، وأيقظته من أجل أن يتناول طعام الغداء معنا، وقتها قال لي: “يابابا هنزل في المظاهرات النهاردة عشان وطننا مصر”، وكان يريد أن يذهب للتحرير، وأنا رفضت هذا الأمر، وبعد ذلك ذهبت أنا للنوم واستيقظت في الساعة الخامسة مساء وعرفت بالمصيبة التي أحلت. محدش هيعوضني ابني ولو حتي شعرة من ابني.. النتيجة بتاعته مظهرتش أقوله إيه طيب لما ينجح.
أنا ألوم أي حد يقوم بحرق أي مقر أو مكان ولسنت مع أي تخريب أو عنف، وابني كان نازل سلمي بنفسه وفي إيده علم مصر.
في اعتقادك من الذي قتل ابنك؟
من قتلوا ابني هم من كانوا يمسكون بمقاليد الأمور في البلاد، الذين قتلوا جيكا والجندي والحسيني أبوضيف، والذين يريدون يقعدوا مرسي في حكم البلاد، ابني استشهد بطلق ناري في الرقبة من فوق إحدى العمارات السكنية القريبة من مبني المحافظة.
هل أعطى أبانوب صوته الدكتور مرسي في الانتخابات؟
ابني لم يعط مرسي صوته في الانتخابات، لأنه لم يره الرجل المناسب لحكم البلاد.
كيف كان يتفاعل ويتناقش مع زملائه في أمر الثورة؟
كان يتعامل معنا بكل الود والاحترام، ورأيت كمية من الشباب في المستشفى والجنازة لم أرها من قبل، وهناك ناس لما علمت أن أبانوب استشهد نزلوا من أجل أن يودعوه، حتي أن أصحابه حكوا لي أن سيدة منقبة هي التي مسحت الدم لأبانوب بالعلم الذي كان في يدها.
هل شارك الشهيد في مظاهرات ثورة 25 يناير؟
أبانوب لم يشارك في مظاهرات 25 يناير 2011، ولم يخرج في أي احتجاجات أو اعتصامات سابقة، ولكنه نزل في هذه المظاهرة “عشان عمره ينتهي فيها”.
هل كان أبانوب منضما لأحد الائتلافات أو الأحزاب السياسية؟
ابني كان مدرس ترانيم وألحان في الكنيسة، ومعلم في مدارس الأحد، وكان يعلم التلاميذ ترانيم المسيحية وتعاليم الأباء والكهنة، وفي الكنيسة لقبوه بالرجل الأمين، وكان نفسه يترهبن ولكن أمه رفضت، وكان يقول الإنسان بينه وبين الفردوس “تكة” ويروح السماء وهذا ما كان يردده البابا شنودة.
ماهي آخر ترنيمة كان يعزفها الشهيد؟
آخر ترنيمة عزفها هي “ياصاحب الحنان يا ملجأ نفسي” للأب داوود لمعي، وكان له بعض الحكم التي يعيش بها في حياته منها “البعد عن الله اكتئاب”.
ماذا تقول للرئيس المعزول مرسي؟
أولا: يوم 30 يونيو يوافق يوم استشهاد القديس أبانوب المعترف، وأنا فرحت عشات ابني شهيد لكن حزنت على فراقه، وأقول لمرسي دماء الشهداء في رقبتك.
كيف استقبلت والدة أبانوب نبأ مقتله؟
تجيب الوالدة: أبانوب كان طالب مثالي كامل أدب ودين.. كل الصفات الحلوة فيك يا أبانوب.. عمرك عمرك ما أذيت حد، وكان يقولي ياماما لاتديني أحد، خلي عدالة السماء تحكم.. أنا كان في بيتي قديس ومش حاسة بيه.. الله يجازي حكومة مرسي والإخوان هما البلطجية الحرامية اللصوص اللي بيحرمونا من عيالينا ويحرقوا قلب والديهم، وبشكر ربنا علي استشهاده، وأقوله وحشتني يا ابني. ماهي أكثر· أبانوب كان أكثر حاجة لا يحبها الإدانة، والكلام علي الناس بدون دليل، وهذه أكثر صفة تعلمتها منه، وكان يقول “دعي الملك للمالك”، كان يتعامل معي بحنية وكان جدع، ونفسه يستشهد ويموت هذه الموته، بالرغم من التهديدات باستهداف الأقباط والكنائس إلا أنه لم يبالي، وكان حبه وانتماؤه للوطن أقوي من أي شئ.
ما هو آخر بوست كتبه علي حسابه علي فيسبوك؟ وماهي دلالادته؟
يجيب صديقه “أبادير”: آخر بوست كتبه علي الفيسبوك هو “الطريق إلى الله”.. أبانوب كان يقدر قيمة الانتماء، وليس له أي خلفية سياسية، وكان يقول إن بلدنا لايجب أن نتركها لمن يخربها، واصطحبني إلى المظاهرات، وكان مستعد استعداد تام للحظة اللي يقابل فيها ربنا، وربنا اختاره وسابني أنا عشان أكمل خدمته على الأرض.
في نهاية الحوار.. رسالة تريدون أن توجهوها للشعب المصري والقوات المسلحة؟
لاتفرطوا في بلدكم وحافظوا عليها، لأنها قدمت شهداء كثيرون من أجل أن تحيى مرة أخرى، وتقف على أرض صلبة، وإلى للقوات المسلحة لاتفرطوا في البلد ولاتنحازوا لأي فصيل سياسي، وانحازوا للشعب فقط.