في تونس، واستلهاما مما يحدث في مصر، أعلنت مجموعة من الشبان والشابات عن تكوين حركة “تمرد التونسية” بهدف “الإطاحة بالمجلس الوطني التأسيسي، الذي هو بصدد صياغة دستور يهدف إلى إقامة دولة غير ديمقراطية”. جاء هذا الإعلان بعد انطلاق الحملة عمليا على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك، وتمكنها من جمع آلاف التوقيعات الداعمة لمطالبها.
في تونس، واستلهاما مما يحدث في مصر، أعلنت مجموعة من الشبان والشابات عن تكوين حركة “تمرد التونسية” بهدف “الإطاحة بالمجلس الوطني التأسيسي، الذي هو بصدد صياغة دستور يهدف إلى إقامة دولة غير ديمقراطية”. جاء هذا الإعلان بعد انطلاق الحملة عمليا على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك، وتمكنها من جمع آلاف التوقيعات الداعمة لمطالبها.
وقال محمد بنور منسق الحركة أن شباب تونس يسير على خطى الشباب المصري، وأن “الحركة بدأت بجمع توقيعات، ونجحت في الوصول إلى نحو 200 ألف توقيع ضد الحكام الجدد لتونس”.
من جهته تقدّم الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في تونس، التي كانت حاضنة الحراك الثوري في تونس وساهمت بشكل أساسي في الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)، بالتهاني للجيش المصري لانحيازه لإرادة الشعب، ودعا الاتحاد إلى الحفاظ على الطابع السلمي في مناهضة الاستبداد، وتجنيب البلاد دوامة العنف.
وأعرب الاتحاد في بيان أصدره مكتبه التنفيذي للغرض عن “ارتياحه لسقوط نموذج من الحكم انحرف عن مقاصده واتخذ التفرد والإقصاء والاحتكار والفتنة منهجا وآلية، والمصالح الحزبية هدفا”، وذلك في إشارة إلى حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي.
الغنوشي يتصدى والرابطات تهدد
راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة الطرف الأساسي في الحكم كان له رأي مخالف، حيث أكد أن السيناريو المصري لن يتكرر في تونس. وذكر في حديث نشرته صحيفة الشرق الأوسط اللندنية الخميس الماضي (4 تموز/جويليه) “بعض الشباب الحالم يمكن أن يظن أنه يستطيع أن ينقل ما يقع في مصر لتونس ولكن هذا إضاعة للجهود، وما أعتبره القياس مع وجود الفارق”. وأوضح أن النهضة قدمت “تنازلات من أجل تجنب الاستقطاب الأيديولوجي، وتحقيق التوافق. و(اعتمدت) استراتيجية جدّية توافقية ولاسيّما بين التيارين الإسلامي والحداثي، وهو ما جنب بلادنا سيئات ومخاطر الانقسام” حسب قوله.
وفي صفحته الشخصية على فايسبوك، توجه الغنوشي فجر يوم السبت إلى الشعب المصري برسالة ناشد فيها المدافعين عن الرئيس المخلوع محمد مرسي “باسم الله، وباسم الأمة”، أن يثبتوا ولا يعودوا لبيوتهم حتى يعيدوا “قطار الحرية و الديمقراطية إلى السكة، و(يرجعوا) الشرعية إلى أصلها فيستمر الرئيس المنتخب الرئيس مرسي إلى ما انتدبه له الشعب المصري. فيكون بذلك ليس نصرا للإرادة المصرية فقط بل أيضاً نصرا للمبادئ، للديمقراطية، وللحرية و للإسلام”.
وفي كلمة ألقاها في اليوم نفسه في افتتاح مؤتمر حزب التكتل للعمل والحريات، حزب رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفي بن جعفر شريك النهضة في الحكم، استرجع الغنوشي النموذج الفنزويلي عندما أعاد الشعب الزعيم هوغو شافيز للحكم بعد أن انقلب عليه الجيش بدعم أمريكي. مؤكدا بأن ثورة مصر ستنجح رغم محاولات الانقلاب عليها. مع التعبير عن توقعاته بأن “يرجع محمد مرسي الى الرئاسة ويستأنف العمل بالدستور، وأن مرسي سيصبح شافيز مصر”.
القيادي النهضوي وعضو المجلس الوطني التأسيسي المحسوب على التيار المتشدد الصادق شورو دعا في تدخل له بالمجلس “إلى ضبط الحريات في الحدود التي لا تخرج بها عن الإفراط ولا عن التفريط. وأيضا ضبط حرية التعبير حتى لا تصبح مدخلا لضرب الإسلام، وضبط حرية الضمير حتى لا يخرج المسلم عن دينه”.
كما أكّد “أن قوى الردة تحلم بإسقاط الدستور بل تحلم بإسقاط المجلس الوطني التأسيسي. ومن قالوا إن سيناريو مصر سيعاد في تونس إنما هم واهمون وأنه سيتم التصدي لهم ولن تقوم لهم قائمة” حسب تعبيره.
من جهتها، وعبر صفحتها الرسمية على موقع فايسبوك، قامت رابطة حماية الثورة التي تعتبرها القوى الديمقراطية في تونس ميليشيا وذراعا عنيفا لحركة النهضة، بتحذير الأحزاب المعارضة وكل الأطراف “الحالمة بإسقاط الشرعية” والساعية إلى الانقلاب من إعادة السيناريو المصري في تونس. وأكدت أن “مجالس حماية الثورة على أهبة الاستعداد للذود عن البلاد و العباد… ولكنس الأحزاب المعارضة”. كما دعت السلطات إلى غلق ما اعتبرته “أبواق الإعلام” التي تمجد الانقلاب في مصر مطالبة بمحاربتهم بأسلحتهم وأخذ ما حصل في مصر بعين الاعتبار.
المعارضة تستنفر
في المقابل اتخذت أحزاب المعارضة الديمقراطية في تونس مواقف مساندة للتغيير في مصر وحيّت الجيش المصري على انحيازه للشعب الذي خرج في مسيرات واعتصامات مليونية للمطالبة برحيل مرسي ووضع حد لهيمنة حركة الإخوان المسلمين وتسلطها على مواقع القرار في الدولة المصرية.
حركة نداء تونس بقيادة الوزير الأول الأسبق باجي قائد السبسي والتي ترجحها استطلاعات الرأي لتكون المنافس الأكبر والأقوى لحركة النهضة، أعلنت أن الوقت حان لإعادة النظر في مسار الانتقال الديمقراطي برمته.
ودعت حركة نداء تونس إلى “حل الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني مكوّنة من كفاءات وطنيّة بعد مشاورات، والإعداد لخارطة طريق واضحة للانتخابات، وتشكيل لجنة لإصلاح مشروع الدستور، وحل ما يسمّى برابطات حماية الثورة وإحالة المورّطين فيها على القضاء”.
واعتبرت أن الوضع الراهن في تونس يتسم بـ”غياب الشرعية الانتخابية والتوافقية ،وتعنت حركة النهضة و حلفائها في عملية صياغة الدستور، واختراق مؤسسات الدولة بالموالين على حساب الكفاءات لاسيما في المؤسسة الأمنية ،بالإضافة إلى التدخل في القضاء وتوظيفه ضد الخصوم، والتشجيع على العنف إلى حد يهدد المكونات السياسية والمدنية وعموم المجتمع”.
من جهته طالب تحالف “الجبهة الشعبية” المعارض الذي يضم 12 حزبا سياسيا من اليسار والقوميين، بحل المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل هيئة بديلة تتولى استكمال صياغة الدستور. وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات برنامج مستعجل لحل الأزمة في تونس والإشراف قريبا على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وبهذا الخصوص قال حمّه الهمامي الأمين العام لحزب العمل التونسي في تصريح لجريدة الشرق الأوسطّ أن “حكومة الترويكا فشلت في تحقيق مطالب التونسيين وتآمرت ضدهم وأقرت مجموعة من القرارات التي عمقت الأزمات عوضا عن حلها”. وعبّر عن دعم الجبهة الشعبية لحركة “تمرد”، مؤكدا أنها “على استعداد تام للانخراط في كل المبادرات والتحركات الشبابية الشعبية ذات الطابع السلمي بشرط مناهضتها لمسار الالتفاف على الثورة التونسية بقيادة حركة النهضة”.
انتفاضة مؤجلة
وسط كل التجاذبات الحاصلة، وبين مخاوف البعض وآمال الآخرين، يظل السؤال المركزي مطروحا: هل ستنتقل “عدوى التمرد” من مصر إلى تونس أم لا؟
التغيير الحاصل في مصر جاء نتيجة توفر عدة عوامل أهمها انقطاع التواصل بين مكونات النخب المصرية حكما ومعارضة، وانفراد حركة الإخوان المسلمين بذراعيها السياسي والتنفيذي بتقرير مصير مصر دون أخذ مطالب باقي مكونات المجتمع المصري بعين الاعتبار؛ وهي أخطاء اعترف بها الرئيس المخلوع محمد مرسي لكن بعد فوات الأوان.
وفي مصر تصاعد الغضب الشعبي بسبب تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعجز حكومة رئيس الوزراء المعترض عليه هشام قنديل عن توفير أية حلول ملموسة لها. وهو ما تمكنت المعارضة وفعاليات المجتمع المدني من استثماره أحسن استثمار، حيث تمكنت من استنفار عشرات ملايين المصريين الذين اكتسحوا الساحات والميادين ورابطوا فيها أياما وليالي تحدوا فيها كل الظروف الصعبة للمطالبة بإسقاط حكم الرئيس مرسي والإخوان.
كما وجدت الحركة الاحتجاجية الواسعة دعما حاسما من المؤسسة العسكرية القوية التي انحازت للأغلبية الشعبية المطالبة بالتغيير، ولها من القوة ما يمكنها من وأد كل محاولة للارتداد.
لكن الأمر في تونس مختلف من هذه الزاوية، وهو ما لم يفت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الإشارة إليه عندما تحدث عن الفرق بين الجيشين التونسي والمصري. حيث ذكر أن “مصر حكمت لـستّين سنة بالعسكر ونحن جيشنا الوطني ظل بعيدا عن السياسة. ولذلك نحن نكبر في جيشنا الوطني التزامه الصارم بالمهنية التي تعني حراسة الأمن الوطني للبلد والقومي، بعيدا عن أي تدخل في الشؤون السياسية”.
كما صرح في أكثر من مناسبة بأن حزبه لم ينفرد بالحكم الذي يمارسه مع شريكيه في الترويكا، وأبدى مرونة كبرى في النقاط الخلافية في مشروع الدستور بحثا منه على التوافق، مثل عدم إصراره على التنصيص على مرجعية الشريعة الإسلامية.
وهو ما يفنده معارضوه الذين يؤكدون على الطابع الصوري للشراكة الثلاثية في الحكم الذي تطغى عليه حركة النهضة، وعلى تواصل مناورات الحزب الحاكم الذي ما أن يتم التوصل معه إلى اتفاق إلاّ ويسعى للالتفاف عليه مثلما هو الشأن بالنسبة للفصول المتعلقة بمدنية الدولة، والقانون الإقصائي للعزل السياسي. وحل ما يسمى بروابط حماية الثورة.
المحلل السياسي والباحث الجامعي مصطفى التليلي ذكر في تصريح لصحيفة الصباح اليومية أن “من يعتبر أن الأوضاع في مصر تختلف عن تونس هو مخطئ لأن ما شهدته مصر يوم 30 حزيران/جوان من تمرد ودعوة إلى التصحيح سبقتها فيه تونس أيضا دعوات إلى تصحيح المرحلة الانتقالية”.
وحسب المتابعين فإن الفرق بين ما جد في مصر وما حصل في تونس هو أن مصر تجمعت فيها كل المعطيات مما هيأ لتحرك شامل تمت فيه الاستفادة من نضج النخب المتواجدة في جبهة الإنقاذ ما دفع بالمؤسسة العسكرية للانحياز إلى الشعب المصري، وبالنسبة لتونس فقد شهدت عديد تحركات التمرد المشابهة لكن بصورة مجزأة جغرافيا، على مستوى الجهات وقطاعيا مثل القضاء والاعلام.
وفي تونس أيضا، لم تتوصل قوى المعارضة إلى حد اليوم إلى وضع برنامج موحد، ولم تتمكن من خلق إطار جامع يسمح بالتنسيق فيما بينها حتى تقترح بديلا حقيقيا لتصحيح المسار.
رئيس الوزراء علي العريض استبعد تكرر السيناريو المصري في تونس، من منطلق اعتقاده بأن “التونسيين يتجهون إلى التوافق بشكل أكبر”. وهو ما يعني وجود هامش لدى حركة النهضة للتحرك باتجاه إنجاز وفاق شامل يمنع تكرر السيناريو المصري في تونس. لكن قد يكون للشباب التونسي رأي مختلف.