قُتل عماد محمد البوسيفي ابن العشرين ربيعاً إثر رميه بالرصاص في فبراير/ شباط الماضي، من قبل تشكيل عسكري مكلف بالحراسة في إحدى انقاط التفتيش بمدينة غريان (غربي طرابلس)، نتيجة رفضه الامتثال لأوامر الشرطة والوقوف بنقطة التفتيش.

سرعان ما تبين سبب رفض عماد الوقوف بالنقطة المذكورة، فقد كان يقل في سيارته الخاصة عدداً من المهاجرين غير الشرعيين – كما تعود من قبل –، إلى مدينة طرابلس بر الأمان لأولئك الافارقة الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، مقابل حصوله على مبلغ مالي عن كل شخص، بحسب كلام فاطمة خطيبته.

غير آبهين

قُتل عماد محمد البوسيفي ابن العشرين ربيعاً إثر رميه بالرصاص في فبراير/ شباط الماضي، من قبل تشكيل عسكري مكلف بالحراسة في إحدى انقاط التفتيش بمدينة غريان (غربي طرابلس)، نتيجة رفضه الامتثال لأوامر الشرطة والوقوف بنقطة التفتيش.

سرعان ما تبين سبب رفض عماد الوقوف بالنقطة المذكورة، فقد كان يقل في سيارته الخاصة عدداً من المهاجرين غير الشرعيين – كما تعود من قبل –، إلى مدينة طرابلس بر الأمان لأولئك الافارقة الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، مقابل حصوله على مبلغ مالي عن كل شخص، بحسب كلام فاطمة خطيبته.

غير آبهين

تقول فاطمة التي تعمل بالمستشفى العام في مدينة مزدة (غرب طرابلس) إنها استقبلت جثة خطيبها داخل المستشفى وقد استقرت في جسده عدة إطلاقات بالعمود الفقري أدت إلى وفاته، “اعتاد عماد نقل المهاجرين من غريان إلى طرابلس بطريفة دورية، وكان يتقاضى مبلغاً قدره 200 دينار ليبي (حوالي 150 دولار أمريكي) مقابل هذه الخدمة منذ فترة تجاوزت السنتين” تقول فاطمة.

وتؤكد فاطمة أن عماد لا يملك أي مصدر آخر للرزق، فقد عجز عن الحصول على وظيفة حكومية أو غير حكومية تدر عليه المال اللازم للحياة، وحتى بعد وفاته لا زال شقيقه وصديقاه المقربان يقومان بنفس العمل ولكن مقابل 500 دينار للشخص، غير آبهين بما قد يحل بهم في ظل عدم حصولهم على عمل، بحسب فاطمة.

يجمعون النحاس

غير بعيد عن ذلك تروي زوجه عبد السلام القماطي تفاصيل محزنة عن حادثة بتر معصم زوجها وإصبعين من يده الأخرى، فتقول “حاول زوجي الذي لم يمض على ارتباطي به سوى شهرين في ذلك الوقت، الالتحاق بجماعة من الشباب من أبناء منطقتنا قماطة (70 كلم جنوب غرب طرابلس)، الذين كانوا يجمعون مادة النحاس من أماكن مختلفة”.

وتوضح الزوجة “قدم له أحد أقاربنا عرضاً بالعمل مع تلك المجموعة التي لا تتردد في الذهاب إلى مناطق خطرة لجمع النحاس، مثل معسكر باب العزيزية المقر السابق للقذافي، وأعمدة الكهرباء، والمعسكرات التي قامت بقصفها طائرات حلف الناتو وغيرها، ومن ثم يبيعونها لأشخاص يهربونها خارج البلاد”.

سوء طالع

تؤكد زوجة القماطي أن ما يدفع الشباب أمثال زوجها لهذا العمل هو الحصول على دخل “يكفيهم حاجة السؤال” بحسب قولها، ولكن ما وصفته بـ”سوء طالع عبد السلام أوقعه في المحظور، فعندما كان يبحث مع رفاقه في إحدى المعسكرات بمنطقة الهيرة (غرب طرابلس)، ولأنه كان يجهل الطرق التي يتم بها جمع النحاس، فقد تعرض لانفجار لغم انتشله خطأ ظناً منه أنه قطعة نحاس”.

عبد السلام الذي فقد معصمه واثنين من أصابع يده الباقية لم يكن عاطلاً عن العمل قبل الثورة، فقد كان موظفاً بإحدى الشركات الأجنبية ويحصل على مرتب مجزي، ولكن الشركة رحلت مع عشرات الشركات الأخرى التي لا زالت تتردد في اتخاذ قرار العودة بسبب التوتر الأمني السائد في ليبيا، ما أدى لترك مئات الموظفين الذين كانوا يعملون بهذه الشركات عاطلين عن العمل.

حتى الفتيات

وليس الذكور وحدهم، فحتى نعيمة المشتهرة في جامعة طرابلس باسم “الروج”، دفعتها ظروف أسرتها المادية المتواضعة ورغبتها في الحصول على قدر أكبر من المال، إلى ترويج المخدرات داخل الحرم الجامعي، حتى أصبحت معروفة بذلك لدى أغلب الطلبة والطالبات.

بحسب إحدى المقربات من نعيمة – تتحفظ على ذكر اسمها –، فإن نعيمة كانت تعجز عن توفير متطلبات المرحلة الجامعية، من مذكرات وكراسات منهجية يفرضها الأساتذة المكلفون بتدريس المواد المقررة، فضلاً عن مواصلاتها وملبسها وحتى وجبة إفطارها أو القهوة.

هذا النوع من “المهن” الخطرة والتي تعرض حياة أصحابها للخطر يبدو لا بديل عنه بالنسبة للشباب الذين لم يتحصلوا على وظائف بسبب الفساد المستشري إبان حقبة النظام السابق.

ففيما ترتفع أعداد العاطلين الذين تلفظهم شوارع لتتلقفهم أخرى، أعلن رئيس الوزراء علي زيدان في مؤتمر صحفي عقد في أيار/ مايو الماضي إثر تطبيق منح الرقم الوطني للمواطنين في ليبيا، أنه تم اكتشاف واستبعاد ثلاثمائة ألف اسم مكرر من منظومة المرتبات، منهم من يحصل على 50 أو 60 مرتب من جهات مختلفة للشخص الواحد.

فراغ وبطالة

يرجح محمد القماطي المسؤول في إدارة مكافحة الجريمة، أن يكون لعامل الفراغ وعدم توفر فرص عمل للشباب اثره على ازدياد انتشار الجريمة، وخاصة منها “السرقة والتحايل وبيع الممنوعات كالحشيش والخمر”، منوهاً إلى أن الكثيرين ممن يتم القبض عليهم بتهم مختلفة يثبت لاحقاً أنهم عاطلون عن العمل.

ويعيب القماطي على الحكومة قصور برامج التوظيف التي تعتمدها لحل مشاكل البطالة لدى الشباب، مشككاً في نجاعة مشاريع ضم الثوار لوزارتي الدفاع والداخلية، والذين انخرطوا في السلك العسكري أو الأمني فقط لتحسين أوضاعهم المعيشية، ودفعهم تأخر صرف مرتباتهم لصرف النظر عن هذه الفكرة لاحقاً.

“وهذه الفئة من الشباب العاطل المسلح هي الأخطر” بحسب القماطي، لأن منهم من ألقي القبض عليه لاحقاً متورطاً في جرائم سطو مسلح أو متاجرة بالسلاح.

ويتسائل القماطي في حديثه لـ “مراسلون” عن السبب وراء عدم فتح المجال للشباب للعمل في القطاعات المدنية كالاقتصاد والنفط والصناعة، خاصة وأن معظم المسجونين يؤكدون أن دوافعهم كانت مادية بحتة، بهدف “توفير احتياجاتهم التي يرون أنها ضرورية من مأكل وملبس بما في ذلك الخمر والدخان” يقول القماطي.

استقالات جماعية

“مراسلون” توجه إلى وزارة العمل، حيث قالت ربيعة عمار المتحدثة باسم الوزارة أن “عدد العاطلين عن العمل في ليبيا بلغ حسب آخر الأرقام المسجلة بمنظومة الباحثين عن عمل 193 ألف باحث، فيما لا تزال هناك أعداد غير مسجلة، لا نستطيع تقدير حجمها أو مؤهلاتها”.

وأكدت عمار أن “الأعداد غير مؤكدة ولا نهائية بسبب مشكلة ازدواج الوظيفة”، موضحة أن “الوزارة حالياً تشهد موجة من الاستقالات الجماعية بسبب تفعيل الرقم الوطني، الذي تم من خلاله كشف مزدوجي الوظيفة دون عناء، وقد بلغت نسبة الاستقالات التي يشهدها الجهاز الإداري الليبي 31%”.

صهر الكتلة

تحاول وزارة العمل بحسب المتحدثة باسمها المساهمة في حل مشكلة البطالة وصهر هذه الكتلة من الباحثين عن عمل، فقد تم توظيف خمسة آلاف شاب في وزارة الصحة، ويجري حالياً توظيف 12 ألف آخرين في وزارة النفط بناء على برنامج تدريب مشترك بين وزارتي العمل والنفط، كما تم توقيع عقود مع 300 مؤسسة  تدريبية داخل ليبيا لتدريب 18 ألف باحث عن عمل.

أما عن التدريب الخارجي فتتحدث عمار عن تونس التي يوجد بها 300 متدرب أرسلتهم الوزارة، كما يتم العمل على توفير فرص تدريب لـ 1500 شاب بمجالات مختلفة في تونس بعد شهر رمضان مباشرة.

وفيما تنفي عمار أن تؤدي هذه الفرص إلى التوظيف بالضرورة، تنوه إلى أنها كثيراً ما توفر فرص عمل فردية بدون وساطة الوزارة، وذلك في التخصصات الفنية مثل اللحام تحت الماء وصيانة الآلات الثقيلة، حيث أن المتدرب بمجرد حصوله على شهادة خبرة في هذه المجالات يستطيع تدبر فرصة عمل مع وزارة النفط أو إحدى الشركات الأجنبية داخل البلاد.

تختم عمار حديثها “تبقى الفرص التي توفرها وزارة العمل في إطار الإمكانيات المتاحة والميزانية المحددة للقطاع غير كافية، نعول كثيراً على الصناعات  الصغرى والمتوسطة، وعلى برامج القروض المصرفية بدون فوائد، و نعمل على الإعداد لبرامج تدريب عامة في الفترة القادمة”.