في كتابه “النذير” الذي صدر عام 1988 يقول المفكر فرج فودة: “سيصرخون ضد الغناء، وسيغنى الشعب.. سيصرخون ضد الموسيقى، وسيطرب لهم الشعب.. سيصرخون ضد التمثيل.. وسيحرص على مشاهدته الشعب، سيصرخون ضد الفكر والمفكرين، وسيقرأ لهم الشعب”.

فودة كان يتحدث عن أفكار وتوجهات تيار الإسلام السياسي آنذاك، وهو التيار نفسه الذي اغتاله بعد ذلك بسنوات. واليوم يقف المثقفون مرة أخرى في مواجهة مع التيار الإسلامي، إذ ينظم الأولون اعتصاما دخل أسبوعه الرابع أمام وزارة الثقافة، ويتهمون وزير الثقافة الجديدة بتطبيق اجندة اخوانية.

في كتابه “النذير” الذي صدر عام 1988 يقول المفكر فرج فودة: “سيصرخون ضد الغناء، وسيغنى الشعب.. سيصرخون ضد الموسيقى، وسيطرب لهم الشعب.. سيصرخون ضد التمثيل.. وسيحرص على مشاهدته الشعب، سيصرخون ضد الفكر والمفكرين، وسيقرأ لهم الشعب”.

فودة كان يتحدث عن أفكار وتوجهات تيار الإسلام السياسي آنذاك، وهو التيار نفسه الذي اغتاله بعد ذلك بسنوات. واليوم يقف المثقفون مرة أخرى في مواجهة مع التيار الإسلامي، إذ ينظم الأولون اعتصاما دخل أسبوعه الرابع أمام وزارة الثقافة، ويتهمون وزير الثقافة الجديدة بتطبيق اجندة اخوانية.

المثقفين يعتصمون

تولى الدكتور علاء عبد العزيز حقيبة وزارة الثقافة في يوم 8 أيار/مايو الماضي، وقد أعلن بعد تولية مباشرة بأنه لم يأت لتصفية حسابات مع أي تيار سياسي، ولكن ليعمل على “رفع كفاءة الأداء الخدمي لوزارة الثقافة فى المرحلة المقبلة”، معتبراً أن مهمة وزارة الثقافة هي “تقديم الثقافة للشعب”.

إلا أن الوزير الجديد اتخذ عدة قرارات مفاجئة شملت إنهاء انتداب قيادات قطاعات وزارة الثقافة، ورفضه التجديد للبعض الآخر لتصفها جماعة المثقفين بالصادمة في حين يرى الوزير أن هذه القرارات تهدف إلى ضخ دماء جديدة في مفاصل الوزارة.

وشملت هذه القرارات إقالة صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وأحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وايناس عبد الدايم رئيسة دار الاوبرا المصرية، وعدم التجديد للدكتور عبد الناصر حسن رئيس دار الكتب والوثائق القومية، إلي جانب استقالة الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة سعيد توفيق اعتراضاً على أخونة الوزارة كما أوضح في بيان الاستقالة.

وللمرة الأولى في تاريخ دار الاوبرا المصرية التي يعود تأسيسها إلى العام 1869 قام الفنانون المصريون بإلغاء عرض “اوبرا عايدة” احتجاجا على قرارات وزير الثقافة الأخيرة، معلقين العمل لثلاثة أيام، ثم دخل بعد ذلك عشرات من الفنانين والعاملين في دار الاوبرا في اعتصام مفتوح حتى اقالة الوزير، وهو ما تضامن معه عدد من أنصار الاحزاب الليبرالية المعارضة.

ثم بدأ بعد ذلك الاعتصام داخل مكتب الوزير بالزمالك من يوم الأربعاء 5 حزيران/ يونيو الماضي للمطالبة برحيل الدكتور علاء عبدالعزيز وزير الثقافة و”عدم أخونة قطاع الثقافة المصري والحفاظ علي الهوية المصرية”، حسب بيان للمثقفين. إلى جانب المطالبة بعدم المساس بدار الكتب والوثائق القومية نظرا لاحتوائها على مستندات ومخطوطات ووثائق تتعلق بأحقية مصر في”حلايب وشلاتين” و”طابا وسيناء”، وأيضا اتفاقيات حوض النيل.

وكان على رأس المعتصمين من اليوم الأول الكتاب والروائي بهاء طاهر، والروائي صنع الله إبراهيم، والشاعر سيد حجاب، والكاتب يوسف القعيد، ومن المخرجين والفنانين محمد العدل، ومجدى أحمد علي، وجلال الشرقاوى، ونبيل الحلفاوى، وخالد يوسف، وأحمد عبدالعزيز، أحمد عبد العزيز و فردوس عبد الحميد والفنان التشكيلى محمد عبلة، والناقد شعبان يوسف.

قرارات صادمة

قرارات وزير الثقافة كان بمثابة صدمة حقيقية لدى الكثير من الفنانين والمثقفين كما يقول الموسيقار عمر خيرت، ووصفها “بالهجمة الشرسة” على الثقافة والفن في مصر قائلا “ما حدث مؤخراً يعتبر اعتداء صارخ على المؤسسات الثقافية في مصر، فهذه القرارات لم تكن من أجل الإصلاح أو إنقاذ الوزارة من الفساد المالي ولكنها محاولات صريحة وواضحة لأخونة مؤسسات الدولة وتدمير الثقافة والقضاء على الفنون الراقية، الغريب أن هذه القرارات جاءت متزامنة مع الفتاوي التي خرجت وحرمت الغناء والموسيقى وفن الباليه”.
ويضيف “رغم أنني كنت رافض لفكرة الإعتصامات ومؤمن بأن العمل الدائم هو الحل للخروج من أي أزمة، إلا ان قرارات الوزير كانت مستفزة جداً و دفعتني لإلغاء كافة حفلاتي في الاوبرا أو المسارح التابعة لوزارة الثقافة”.
“محاولات لإعدام الفن”، بهذه الكلمات عبر الفنان هاني شاكر عن إستيائه الشديد من سياسة وزير  الثقافة علاء عبد العزيز ويقول “قررت اعتزال الغناء في الاوبرا بعد علمي بهذه القرارات الكارثية، فأنا لا أعرف سبب مقنع دفعه لإقالة دكتور إيناس عبد الدايم و التي قدمت العديد من الإنجازات منذ توليها منصب رئاسية دار الاوبرا”.
وأشار شاكر إلى أنه سعيد بموقف المثقفين والفنانين وفخور بإعتصامهم أمام الوزارة. ويضيف “نحن نريد أن نوجه للوزير رسالة واحدة أننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي شخص أو تيار يحاول هدم الفن والثقافة في مصر”.
أما الفنانة غادة رجب فوصفت قرارات وزير الثقافة بالمذبحة الأخيرة للقضاء على الفن وتدمير الثقافة وتقول “لم أتفاجأ بعد علمي بقرارات وزير الثقافة الإخواني لإنها جزء من مخطط وضعه كارهي هذا البلد لتدميرها والقضاء على شعبها، فقررات وزير الثقافة ليس سوى محاولة لطمس معالم الفنون و الحضارة”.
المشهد المرتبك

“اتقوا الله في مصر”، بهذه الكلمات عبر الموسيقار حلمي بكر عن استيائه الشديد من المشهد المرتبك الذي سيطر على الساحة الثقافية و الفنية بعد تولي دكتور علاء عبد العزيز منصب وزارة الثقافة. مؤكداً رفضه الشديد لهذه القرارات التي وصفها بالمخزية ويقول “الفن والثافة المصرية على وشك الإنهيار، فنحن أصبحنا نواجه هجمات شرسة منظمة، فالبداية كانت مع هجوم أحد شيوخ الفضائيات على الفنانة إلهام شاهين، ثم فوجئنا بالفتاوي التي تحرم التمثيل والموسيقى وفن الباليه والآن نحن امام مخطط لأخونة المؤسسات الثقافية ومحاولات للتقييد من حرية الفنانين”.

“أتمنى أن نعطي الوزير فرصة”

و رغم إعلان عدد كبير من الفنانين و المثقفين رفضهم قرارات وزير الثقافة إلا أن الناقد المسرحي وأستاذ أكاديمية الفنون أحمد سخسوخ كان له وجهة نظر مختلفة حيث أكد على تأييده لقرارات الوزير بل وطالب المثقفين والفنانين بمنح الوزير فرصة لإصلاح الوزارة و إنقاذها من الفساد المالي والإداري، ويقول “بعد صدور قرار تعيين الدكتور علاء عبد العزيز في منصب وزير الثقافة صُدمت بردود أفعال المثقفين لإصدارهم أحكام على هذا الشخص والتأكيد بأنه لا يفقه شيئاً في الثقافة بل أصدروا الحكم بإنتمائه لجماعة الاخوان المسلمين، رغم أن هذا الامر غير صحيح، حتي مسألة اخونة الوزارة تحتاج إلى دليل مادي”.

ويضيف “كنت أتمنى أن نعطي الوزير فرصة لإصلاح الوزارة من الفساد المتواجد بداخلها خاصة ولكن هذا الأمر لن نحدث وقرر المقفين اللجوء للإعتصام بدلاً من التكاتف من أجل إصلاح البلد من الفساد”.

السياسين والنشطاءيؤيدون الاعتصام

وانضم عدد كبير من السياسين والأحزاب السياسية المدنية مثل التيار الشعبي وحزب الدستور والتحالف الاشتراكي  إلى اعتصام المثقفين ليعلنوا تأيدهم ودعمهم لموقف المعتصمين ضد النظام الحاكم. وأتى على رأس الداعمين الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور الذي جاء إلى الاعتصام في يومه الثاني عشر بمقر وزارة الثقافة بالزمالك، وحمدين صباحي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية.

واجتمع الدكتور محمد البرادعي مع جموع المثقفين والفنانيين المعتصمين قائلاً لهم “إننى أعبر عن سعادتى وشرفى بأن أكون معكم فى الوزارة من أجل معركة الحرية”، مطالباً في الوقت ذاتة المصريين بالنزول إلى الشارع “لتصحيح مسار ثورة 25 كانون الثاني/يناير”.

وأضاف البرادعي “الحرية والثقافة هى قلب وروح الإنسان وهى التي قامت الثورة من أجلها فمحاولات قمعها تحت أي غطاء إيديولوجى أو أخلاقى لا تستمر، وما نراه من هذا النظام الفاشل هو ما أدى إلى تصحيح مسار الثورة فى 30 حزيران/يونيو ومن الطبيعى جدا أن تنحرف الثورات، ومن البديهى أن يتم تصحيحها”.

كما انضم إلى الاعتصام الناشط السياسي المعروف الدكتور احمد حرارة، وحول اسباب انضمامة إلي الاعتصام قال حرارة “إن مصر لن تستطيع أن تعيش بدون ثقافة أو تراث، كما أن المثقفين والأدباء والفنانين استطاعوا أن يسيطروا على وزارة الثقافة ويرفضوا أخونتها بعد تعيين وزير إخواني جديد وأتوا إلى مقر الوزارة واعتصموا بها حتي تحقيق مطالبهم، ولذلك أن جئت لادعمهم واحييهم على ما فعلوه”.

وأضاف حرارة “منذ قدوم الاخوان إلى الحكم وهناك محاولات للتخريب الثقافي والاقتصادي للدولة المصرية، وأرى أن الاخوان  استولوا على أهم مؤسستين في مصر بداية من التعليم ثم الثقافة، لأنه إذا انتشر الجهل في المجتمع وغابت الثقافة فلا يستطيع الشعب أن يطالب بعد ذلك بحقوقة التي يجهلها ولا يعرفها”.