بتوقف مجلة روزاليوسف، أقدم المجلات المصرية (بدأت عام 1925)، عن الصدور للمرة الأولى هذا الاسبوع، تتجلى أزمة الصحف القومية الحكومية في أبشع صورها. مؤسسات كبيرة خاسرة، فساد وديون، واتهام لنظام سياسي جديد بحصارها مالم تلعب دورها الطبيعي في “الدفاع عن أي نظام”.

10 مليار جنيه باسم الشعب

بتوقف مجلة روزاليوسف، أقدم المجلات المصرية (بدأت عام 1925)، عن الصدور للمرة الأولى هذا الاسبوع، تتجلى أزمة الصحف القومية الحكومية في أبشع صورها. مؤسسات كبيرة خاسرة، فساد وديون، واتهام لنظام سياسي جديد بحصارها مالم تلعب دورها الطبيعي في “الدفاع عن أي نظام”.

10 مليار جنيه باسم الشعب

بمديونات وصلت إلى 10 مليار جنيه – حسب تقرير مرصد حرية الإعلام التابع لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان- تواجه الصحف القومية التي أممها النظام الناصري عام 1960 بإسم الشعب المصري، تواجه مصيرا غامضا بعد أن غرقت في ديون مصحوبه بتراجع في شعبيتها وعدد قرائها، ورغم الأصول الكبيرة (أراضي- مطابع- مباني) التي تملكها تلك المؤسسات الصحفية، إلا أن مصيرها انتهى إلى الإهمال، بعد أن فشل نظام الاخوان في تحويلها إلى بوق له، مما قد يحولها إلى عبء يتنصل الجميع من مسؤوليته.

انقسام بين الصحفيين والعمال

بدأت الأزمة باعتصام العاملين بجريدة روزاليوسف قبل شهر، مطالبين بتغيير إدارة التحرير التي حملوها مسؤولية خسائر المؤسسة التي كانت معقلا لليسار لفترة، ثم مكانا لمقاومة الاسلاميين في السنوات الأخيرة، الأمر الذي تصفه الكاتبة والمحللة العسكرية بالمجلة فاطمة سيد أحمد بالاختراق الاخواني، حيث اتهمت في لقاءها بـ “مراسلون” العمال بالعمالة للنظام الجديد،  فلأول مرة – وفقا لفاطمة-يمنع عمال روز اليوسف الماكينات من العمل وتتوقف عملية تنفيذ وطبع الصحف تماما، بل وفوجئ الصحفيون بأن أصوات المتظاهرين والمعتصمين تصدح بالاستعانة بقيادات من خارج المؤسسة، بل حدد بعضهم قطب العربي الصحفي الإخواني ليكون رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة، وفقا لكلام فاطمة.

العمال بين زمنين

مؤسسة روزاليوسف التي تصدر جريدة يومية ومجلة أسبوعية بنفس الاسم، ومجلة اجتماعية اسبوعية هي صباح الخير وصلت مديوناتها إلى 300 مليون جنيه. مالت في السنوات الاخيرة قبل الثورة إلى تأييد مشروع توريث نجل الرئيس مبارك عبر السياسة التحريرية لرئيس تحريرها الصحفي عبدلله كمال عضو لجنة سياسات الحزب الوطني، حزب الرئيس مبارك المنحل.  

وحسب فاطمة سيد أحمد فإن أحد العمال قال بالنص “لا يهمني من يدير وكيف يدير، المهم أن أحصل على راتبي”، وتشير فاطمة إلي أن عمال روزاليوسف في عهد مؤسستها فاطمة اليوسف كانوا ينفقون من جيبوهم لضمان استمرار الطبع في الأزمات المالية لكن الحال تغير الآن، وتؤمن أن قيادات المؤسسة الحالية سبب رئيسي في الأزمة لعدم قدرتهم على بث روح الصمود في المحررين والعمال، لكن اللوم في النهاية يقع على من اختارهم لهذه المناصب.

روزاليوسف الضحية!

وفي 18 حزيران/يونيو الماضي توقفت مجلة صباح الخير عن الصدور، وبعدها بأيام توقفت الجريدة اليومية، ثم منذ أيام المجلة التي عرفت تقلبات مصر السياسية عبر تاريخها الطويل.

لكن الاضراب الأخير في روزاليوسف لم يقم به العمال وحدهم، ولكن شارك فيه أيضا الصحفيين، الذين لم تتوقف مطالبهم عند الحصول على مستحقاتهم المادية فحسب، ولكن امتدت لتشمل الاحتجاج على ما أسموه “أخونة الدولة”.

شوقي عصام أحد المتحدثين باسم صحفيي المؤسسة الذين انضموا لها مع صدور الجريدة قبل سنوات، قال لـ “مراسلون” إن ما يجري هو أخونة إجبارية للمؤسسة، وتصفية حسابات، كون مطبوعات روز اليوسف لاتزال بعيدة عن ركوب قطار الأخونة، مؤكداً أن قيادات إخوانية بمجلس الشورى مثل المهندس فتحي شهاب الدين قال إن المجلس لن يدفع أموالاً لدعم مؤسسة تهاجم الإخوان المسلمين، وهو مالم يتيسر لـ “مراسلون” التأكد منه مع عدم رد شهاب الدين علي محاولات “مراسلون” التواصل معه.

تطبع مجلة روزاليوسف 12 الف نسخة أسبوعيا، ويبقى رقم توزيعها سرا خاصة إذا عرفنا أن اشتراك المؤسسات الحكومية فيها هو النسبة الغالبة من توزيعها، ومع ضعف سوق الاعلانات ومنافسة الصحف الخاصة والإعلام المرئي، تبدو المؤسسة التي يعمل فيها نحو 1500 عامل وصحفي عبئا كبيرا، ويشكل الوضع القانوني للمؤسسات وملكيتها لمجلس الشوري المصري صعوبة في بيعها إلا بإجراء تعديلات جوهرية في قوانين عدة، ويأتي اتهام الجريدة ضعيفة التوزيع بالعداء للاخوان متضاربا مع ارتفاع توزيع صحف خاصة أخري معادية للاخوان كالوطن والمصري اليوم.

اعتراف بفشل غير كامل

حالة مجلة حواء التابعة لمؤسسة دار الهلال، أكبر المؤسسات القومية الخاسرة بـ350 مليون جنيه،  يكشف أن البعد الاقتصادي لإدارة تلك الأصول في ظل فساد ضخم ربط رسالتها المهنية بتحمل الدولة لاعبائها المالية.

ماجدة محمود نائب رئيس تحرير مجلة حواء التي تبعد عن روز اليوسف قرابة 300 متر تؤكد أن الأزمة لها شقين، الأول داخلي، وهو عدم قدرة القيادات الحالية في مؤسسات الجنوب (مصطلح يطلق على الصحف الحكومية الأكبر تحقيقا للخسائر، فيما تسمي مؤسسات كالأهرام والاخبار والجمهورية بمؤسسات الشمال الغنية) على توفير إدارة رشيدة تستفيد من إمكانات وأصول هذه المؤسسات، وتسمح لها بالعودة مرة أخرى للصمود عند باعة الجرائد أمام الصحف اليومية الخاص.

أما الشق الثاني، وفقا لماجدة، فهو خارجي ويتمثل في اصرار الإخوان على معاقبة الصحف الحكومية التي كانت تنال من الجماعة المحظورة قبل الثورة، والتي ترفض “التأخون” منذ الانتخابات الرئاسية، وترى ماجدة محمود الحل في مجلس وطني للصحافة يجعل محرري تلك المؤسسات هم أصحاب المصلحة في استمرارها بشكل يعيدها للقارئ من جديد، بعيداً عن اسم الجالس في القصر الجمهوري.

وكانت مجلة حواء قد سبقت روزاليوسف واحتجبت مرتين خلال عام واحد بسبب احتجاجات العمال، الأولى في آب/أغسطس 2012 والثانية في شباط/فبراير 2013،  وفي المرة الثانية لم تصدر أيضا مجلة المصور أبرز مطبوعات الدار لأول مرة منذ عام 1924. واللافت أن الاهتمام الإعلامي بتوقف المطبوعات غالبا مرتبط بقطع العمال للطريق فقط.

الأصول وحدها تستطيع حل الأزمة

هل ما يجرى في المؤسسات الحكومية نتيجة تراكم الأزمات المالية، أم أن هناك ما هو أكبر من ذلك؟ سؤال حملناه إلى خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحفيين، الذي رجح الخيار الثاني، مؤكدا أن لدى تلك المؤسسات أصولا عقارية تستطيع سداد جزء كبير من ديونها لو حدثت إعادة هيكلة جادة هدفها إحياء تلك المطبوعات من جديد، لكن لا أحد يريد البناء والهدم بات خيارا سهلا. مشيراً إلى أن دور النقابة لن يبدأ بفعالية إلا عندما يتحد الصحفيون، كون النقابة ليست لها سلطة مباشرة على المؤسسات الحكومية، وإن السلطة على تلك المؤسسات تعود لمجلس الشوري المطعون أصلا في شرعيته حسب الحكم الاخير للمحكمة الدستورية، وفقا للبلشي.

الأزمة أكبر من الاتهام بـ “الاخونة”

المجلس الأعلى للصحافة المشكل عبر مجلس الشورى ذي الأغلبية الإخوانية، يراقب عن بعد. محمد نجم الأمين العام للمجلس قال إن الأزمة مالية ورفض الاتهامات بأن هناك تعمد لاغلاق تلك المؤسسات، مؤكدا أن المجلس يقدم ما يستطيع من أجل استمرار قدرة الصحف على دفع الرواتب الأساسية للعمال، ومشيرا إلى أن مجلسه دعم مؤسسة روزاليوسف بنحو مليوني جنيه قبل فترة، لكن الحلول الجذرية لاتزال بعيدة لأنها تتطلب أولاً اعادة هيكلة هذه المؤسسات وسداد ديونها أولا، نافيا أن يكون لمجلسه دورا في اشاعات الاخونة التي يشيعها الصحفيون والعاملون.

الأزمة تبدو في سبيلها للتصاعد، خاصة انها تندرج في عداد قائمة طويلة من الأزمات، وفي ظل مناخ ضبابي وانعطافة في المسار السياسي لمصر بعد الثورة.