بعد أربعة أشهر من طرح مسودة قانون العزل السياسي أو تحصين الثورة، الذي تقدمت به كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس منصف المرزوقي) وساندته حركة النهضة، حليفة المؤتمر، عاد النقاش من جديد حول شرعية طرحه وإقراره.
وتعتبر كتلتا النهضة والمؤتمر أن قانون العزل هو أحسن وسيلة لقطع الطريق أمام من تورطوا في العهد السابق لمنعهم من المشاركة في الاستحقاقات السياسية القادمة.
بعد أربعة أشهر من طرح مسودة قانون العزل السياسي أو تحصين الثورة، الذي تقدمت به كتلة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس منصف المرزوقي) وساندته حركة النهضة، حليفة المؤتمر، عاد النقاش من جديد حول شرعية طرحه وإقراره.
وتعتبر كتلتا النهضة والمؤتمر أن قانون العزل هو أحسن وسيلة لقطع الطريق أمام من تورطوا في العهد السابق لمنعهم من المشاركة في الاستحقاقات السياسية القادمة.
لكن رافضي هذا المشروع، يرون فيه قانونا لادستوريا يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الانسان. ويعتبرون أن إقصاء المنتمين سابقا لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي هو استنقاص من مواطنتهم وحقوقهم السياسية والاجتماعية. وأن هذا العزل لا يستند إلى حكم قضائي، وقد يطال حتى من لم تثبت إدانتهم في الإساءة إلى غيرهم.
وبين هذا الموقف وذاك، يبقى السؤال المطروح إن كان القانون المقترح هو فعلا تحصينا للثورة أم تحصين للكراسي. فالمستهدف الأول من تطبيق هذا القانون، بشهادة جل الملاحظين والمحللين السياسيين، هو رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، الذي تولى رئاسة مجلس النواب بين عامي 1990 و1991 فترة حكم بن علي، والذي يعد المنافس الأول لحركة النهضة وحلفائها في الحكم في الانتخابات المقبلة.
فحركة النهضة وحلفاؤها من وجهة نظر خصومهم السياسيين يتوجسون من فرضية مغادرة الكراسي الوثيرة. ويصرون عبر هذا القانون على إقصاء الخصوم السياسيين الحقيقيين لتخلو لهم الساحة خلال الاستحقاقات القادمة. وهو ما يجعل الشبهة تحوم حول حقيقة معارضتهم لبن علي في وقت سابق، فهل يتعلق الأمر بمصلحة تونس العليا أم أنه مجرد رغبة في الاستحواذ على العروش التي تربع عليها ساكن قرطاج قبلهم؟
وإذا فرضنا جدلا أن الجماعة جادة في المحاسبة، وأن الهدف من وراء تحركاتها لتمرير قانون الإقصاء هو مصلحة الوطن العليا وحماية التونسيين، فما قيمة مشروع العدالة الانتقالية إذا وما قيمة المسار الانتقالي الذي طالما طالبت به مختلف مكونات الطيف السياسي، ثم ما قيمة العدالة الانتقالية لو تم منع الناس لمجرد “الشبهة” من ممارسة العمل السياسي؟
ويرى عدد من المحللين السياسيين أن المصادقة على قانون تحصين الثورة لن يترك المجال لتطبيق آليات العدالة الانتقالية. وسيكون القانون المعروض على المصادقة بكل المقاييس قانونا لإقصاء جماعي لطرف معين من الساحة السياسية ومن دائرة التسيير في البلاد. كما سيكون نصا متعارضا مع روح الديمقراطية المرتكزة أساسا على حرية التعبير والاختيار لأنه سيؤدي إلى نتيجة انتخابات تتوافق مع إرادة من دفعوا نحو هذا القانون وليس إرادة الشعب الذي قام بالثورة .
الاعتذار هو الحل؟
هذا المشروع الذي دخل سوق المزايدات السياسية في الفترة الأخيرة، ولّد حالة من التذبذب على مستوى المواقف والتصريحات حتى في صفوف الاحزاب التي تمسكت به. فقد أعربت قيادات في حركة النهضة عن امكانية التراجع عن المصادقة على هذا القانون وتعويضه بالاعتذار للشعب.
وﻗﺎﻝ ﺭﺍﺷﺪ ﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ رئيس حزب النهضة ذي الاغلبية الحاكمة، أن ﻛﺘﻠﺔ حزبه ﻻ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﻘﺘﺮﺣﺎﺕ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪﺭ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ. وأكد في تصريحات صحفية هذا الأسبوع ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻭﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ التأسيسي ﻭﻟﻴﺲ ﺑإﺭﺍﺩﺓ حزب النهضة.
ولم يخف وجود توجه نحو إدخال ﺗﻌﺪﻳﻼﺕ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﺾ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺸﺮﻭﻉ.
كما اعتبر ﺭﺍﺷﺪ ﺍﻟﻐﻨﻮﺷﻲ ﺃﻥ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﻛﻞ نزوع ﻟﻠﺘﺸﻔﻲ ﺃﻭ ﺍلإﻧﺘﻘﺎﻡ. واعبر ﺃﻧﻪ ﻓﻘﻂ “ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﺗﻮﺍﺻﻼ ﻣﻊ ﻣﺮﺳﻮﻡ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﻊ ﻋﺪﺩﺍ ﻣﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻲ ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ ﺍﻟﻤﻨﺤﻞ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻮﻁﻨﻲ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻲ”. وشدد على أن ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺗﺤﺼﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻫﻮ ﺗﻤﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﺮﺳﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻻﻟﺘﻔﺎﻑ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ.
عقاب جماعي؟
في المقابل حذر عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة من سن قانون تحصين الثورة، معتبرا أنه “لن يغير الأوضاع ولن يلغي الواقع”. وأكد مورو، المحامي الشهير، أنه لا يحق لأي طرف سياسي إقصاء التجمعيين لأن إقصائهم لا يمكن أن يتمّ إلا عن طريق الشعب حسب تعبيره.
ويرى ﺍﻟﺒﺎﺟﻲ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﺴﺒﺴﻲ ﺭﺋﻴﺲ ﺣﺰﺏ ﻧﺪﺍء ﺗﻮﻧﺲ، ﺍﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺗﺤﺼﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻏﻴﺮ ﻁﺒﻴﻌﻲ ﻭﺍﻥ ﻋﺮﺿﻪ ﺳﻴﺘﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺍﻗﺼﺎء60 أﻟﻒ ﺗﻮﻧﺴﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻧﺘﺰﺍﻋﺎ ﻟﺠﻨﺴﻴﺎﺗﻬﻢ، حسب قوله.
واعتبر أﻥ ﺍﻟمغزى ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻫﻮ ﺗﺼﻔﻴﺔ ﺣﺴﺎﺑﺎﺕ ﻭﺗﻌﻄﻴﻞ ﻟﻠﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻁﻲ. ودعا نواب المجلس التأسيسي للامتناع عن ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻗﺔ ﻋﻠﻰ هذا القانون ﺣﻔﺎﻅﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻌﺔ ﺗﻮﻧﺲ، على حد تعبيره.
كما لم يستبعد الباجي أن يدخل تمرير هذا القانون البلاد في دوامة العنف والإقصاء المتبادل خاصة وأن أصوات العقل، كما قال، قدمت العديد من الاقتراحات بتتبع فقط من تورطوا في جرائم مع النظام السابق واقصائهم بمقتضى حكم قضائي.
كما رأى محللون سياسيون أن الاعتذار الذي تحدث عنه راشد الغنوشي يمكن أن يكون حلا لهذه المعضلة في حال أصرت جماعة الحكم على “تحصين الثورة” بعيدا عن القضاة وأروقة المحاكم، خاصة وأن تونس بحاجة إلى جميع أبنائها.
ويرى محللون سياسيون أن قانون تحصين الثورة الموجه أساسا للتجمعيين ومن تعاملوا مع النظام السابق، سيؤدي ضرورة إلى تحييد كتلة هامة في المجتمع لها وزنها على المستوى الإقتصادي، كما سيؤدي إلى إقصاء عدد لا بأس به من الكفاءات التي عملت لصالح النظام السابق دون أن تكون “متحزبة ” (أي ناشطة في أحزاب).
ويرى شق آخر أن قانون العزل السياسي هو بمثابة العقاب الجماعي للتجمعيين الذي أثبت المسار القضائي في كل القضايا المنشورة ضد القياديين من وزراء وأمناء عامين للحزب السابق افتقار القضايا التي يحاكمون من أجلها إلى الأدلة التي تقتضى عزلهم إلى الأبد من الساحة السياسية.
وهذا ما خلق شبه إجماع لدى شريحة هامة من المهتمين بالشأن السياسي في تونس بأن القضايا المنشورة ضد مسؤولي النظام السابق هي قضايا سياسية بامتياز الهدف منها محاكمة النظام المنهار برمته.
وهو ما ولّد قناعة لدى عديد التونسيين، بأن تحصين الثورة يستهدف بنية النظام والدولة وثقافة المجتمع وأن التحصين يتجاوز الثورة إلى تحصين الكراسي لصالح فئات سياسية معينة مهما كانت الفاتورة التي ستتكبدها البلاد والشعب.