تمثل العذرية في الدول المسلمة صورة من صور نقاء المرأة، فمعظم العائلات لا تعير اهتماما للظروف التي أدت بالفتاة إلى فقدان عذريتها، حتى وإن تعرضت لحادث. وتحصل مشاكل كبيرة بعد الزواج إذا تبين أن العروس لم تكن عذراء.
سنة 2012 أصدرت دار سيراس للنشر كتابا بعنوان “عذارى؟ الحياة الجنسية الجديدة للتونسيات”، للمحللة النفسية التونسية نادرة بن إسماعيل. وذكرت فيه أن عدد “العذارى الحقيقيات” في تونس بعد الثورة يقدر بـ 20% فقط، في حين أن ثلاثة أرباع الفتيات عذارى “بمساعدة طبية”.
تمثل العذرية في الدول المسلمة صورة من صور نقاء المرأة، فمعظم العائلات لا تعير اهتماما للظروف التي أدت بالفتاة إلى فقدان عذريتها، حتى وإن تعرضت لحادث. وتحصل مشاكل كبيرة بعد الزواج إذا تبين أن العروس لم تكن عذراء.
سنة 2012 أصدرت دار سيراس للنشر كتابا بعنوان “عذارى؟ الحياة الجنسية الجديدة للتونسيات”، للمحللة النفسية التونسية نادرة بن إسماعيل. وذكرت فيه أن عدد “العذارى الحقيقيات” في تونس بعد الثورة يقدر بـ 20% فقط، في حين أن ثلاثة أرباع الفتيات عذارى “بمساعدة طبية”.
وأوضحت الكاتبة أن الأطباء صرحوا لها بأن 50 بالمائة من الفتيات المقبلات على عمليات رتق البكارة هن من المحجبات أو ممن لبسن الحجاب حديثا.
“أنا عذراء”
كانت الفرحة تشع من عيني نوال الفتاة المحجبة ذات الـ25 سنة، عند خروجها من مكتب طبيبة النساء والتوليد، لم يكن هذا حالها قبل أن تنادي الممرضة باسمها لتخبرها بأن دورها قد حان. “أنا عذراء” هكذا همست في أذن أمها فرحة، كفرحة طفل بخطواته الأولى، مصحوبة بحمد كثير.
قبل مقابلة الطبيبة، كانت نوال تراقب عقارب الساعة كمن ينتظر موعدا مع القدر. لم تقم بالإجابة عن سبب قدومها، وكانت تجول بنظرها يمنة ويسرة كمن يخفي شيئا ما.
بارتياح كبير تقول لـ “مراسلون”، “لقد كنت خائفة جدا بعد أن وقعت من على السلالم ولاحظت خروج بعض الدماء. لم أستطع النوم يومها ولم أملك الجرأة لأخبر أحدا بهذا سوى أمي. ولكن ها أنا أكتشف أن لا شيء قد تغير فيّ، وأنني سليمة معافاة”.
وتضيف “لو أن النتيجة كانت سلبية لما صدق أحد بأن فقداني لعذريتي كان بسبب وقوعي على السلالم”.
“شرف وهمي”
يرى محمد (55 سنة) صاحب مقهى، أن السبب الوحيد لفقدان عذرية الفتاة هو المعاشرة الجنسية، حسب اعتقاده. ويقول انه لا يقبل أبدا “بالأعذار الواهية، التي تتحدث عن إمكانية فقدان العذرية بسبب بعض الحوادث”.
وعلى العكس منه، يعتبر أمين، (28 سنة)، أن شرف الفتاة لا يقاس ببعض قطرات دم. ويشير إلى أن الفتيات اللاتي يقعن فريسة الاغتصاب، يدفعن ثمن خطيئة غيرهم.
ثم يقول انه يستغرب من الشاب الذي لا يرضى بفتاة تم اغتصابها، ولا تعنيه أخلاقها إذا لم تكن عذراء، ولكنه يرضى، بفتاة أجرت عملية ترقيع لبكارتها، دون علمه ثم أمدته بدليل “شرف وهمي”، وفق قوله.
“امتحان مهين”
في قاعة الانتظار بإحدى عيادات طب النساء التي كانت تعج بالمرضى، الذين جاؤوا لأسباب مختلفة، كان موضوع العذرية يطرح بين الحاضرات بتحفظ. ولما طال الانتظار، بدأت الوشوشة لسرد قصص مختلفة عن موضوع العذرية.
“كانت ليلة لا تنسى، ليلة زفافي بزوجي الأول. بعد أقل من ساعة بدأ يشكك في شرفي. والسبب كان عدم رؤيته لبعض قطرات الدم” هكذا استهلت ثريا كلامها المشوب بالحرقة.
وتقول لـ”مراسلون”، إن زوجها قام بالتشهير بها بين أهلها في المنطقة الريفية التي يقطنونها، وقام بضربها أيضا امام أنظار العائلة التي كانت مكبلة من هول الصدمة، حسب قولها.
“مع بزوغ الفجر حملت نفسي وزوجي وأفرادا من العائلة كشهود على عملية الكشف عند الطبيب”. تقاطرت الدموع على وجنتيها قبل أن تواصل حديثها ” كنت كمن ينتظر حكما بالإعدام أو البراءة، رغم معرفتي بطهري، ولكنه كان موقفا صعبا”.
كانت نتيجة الكشف تؤكد “شرف” ثريا، والسبب بكارتها المطاطية التي لن تتمزق الا بعد أن تلد. وتقول إثر ما حصل “لم أستطع التعايش مع رجل شكك في شرفي، فكان الطلاق هو الفيصل بيننا”.
على بعد خطوات منا، كانت ليلى تسترق السمع من حين لآخر، استفزها الموضوع فدخلت دائرة النقاش. “ليلة الزفاف ليلة يجب أن يتمتع فيها الزوجان بالسعادة. ولكن على خلاف ذلك تنتظر المرأة نتيجة امتحان مهين، يتم فيه اغتصاب روحها لكي تبرهن “شرفها” من عدمه”.
ليلى ابنة الثلاثة والثلاثين عاما، لم تخف اشمئزازها من التصرفات التي كانت تلمحها في بعض حفلات الاعراس. وأكدت ان بعض طقوس ليلة الزفاف، التي كانت في طور الاندثار، بدأت في الزحف من جديد، خاصة في السنوات الأخيرة. وتقول انها حضرت حفل زفاف في حي التضامن بالعاصمة، ظلت خلاله عائلة العروسين تنتظر نهاية “المهمة” ليكشف الزوج قميصا يثبت نقاء الفتاة التي اختارها شريكة حياته.
أسباب مختلفة ونتيجة واحدة
دخلنا مكتب الطبيبة وتوجهنا بالسؤال عن الفتيات اللاتي يقبلن على عمليات ترقيع البكارة او استعادة العذرية.
أوضحت الدكتورة جميلة رباع، طبيبة النساء والتوليد وجود سببين رئيسيين لفقدان البكارة، أولهما العلاقة الجنسية الكاملة، أما السبب الثاني فهو وقوع حادث أدى إلى إصابات بمنطقة الفرج ومن بينها غشاء البكارة. ومن بين هذه الحوادث السقوط على مجسم ناتئ أو الوثب العنيف أو التصادم الجسدي الذي يصدم منطقة البكارة على جسم صلب. كما تتسبب بعض الألعاب الرياضية بتمزق غشاء البكارة.
وتحدثت الدكتورة أيضا عن بعض أنواع البكارة التي تمنع خروج الدم عند العلاقة الجنسية (والذي يعتبر الدليل الوحيد على عذرية الفتاة)، من بينها البكارة المطاطية التي لا تفضّ إلا عند الولادة. كما يمكن أن لا تمتلك الفتاة غشاء بكارة وهذه حالات نادرة ولكنها محتملة حسب الدكتورة.
“مقياس شرف”
وأكدت الطبيبة المختصة لـ”مراسلون” أن العديد من الأزواج يرافقن زوجاتهن إليها للتأكد من عذريتهن، لأنهم يشككون في شرفهن، لكن يكتشفون أن الاسباب في مجملها صحية أو بنيوية. وتضيف “يوجد من بينهن من قمن بعمليات ترقيع للبكارة ولم تنجح”.
وأوضحت الطبيبة، أن العلاقات الجنسية خارج الإطار القانوني في ازدياد، واستدلت على ذلك بخبرتها وما تلاحظه يوميا في عملها، حيث تزايد عدد الفتيات اللاتي يسعين للخضوع لعملية ترقيع لبكارتهن. تقول إن هذا الموضوع لازال مقدسا في المجتمعات الشرقية، وتضيف “في حالات عدة يرافق الشاب خطيبته ويطلب مني أن أقوم بعملية الترقيع لكي يتجنب أي تصادم مع العائلة، فالعذرية تعتبر مقياس الشرف الوحيد عند غالبية التونسيين”، وكأنّ لسان حال المجتمع التونسي يقول: “نعم لممارسة الجنس، لا لفض البكارة”!
وذكرت دراسة صادرة عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (منظمة حكومية) سنة 2009 أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تقدر بـ 89 بالمائة. كما أكدت الدراسة أن أول علاقة جنسية للرجل تكون في حدود سن17 وبالنسبة للفتاة في سن 16 عاما،
الجراحة التجميلية هي الحل
عمليات إعادة البكارة (زرع بكارة اصطناعية) ليست فقط من اختصاص أطباء النساء والتوليد بل تعتبر جزءا من مهام أخصائيي الجراحة التجميلية.
عايدة من الفتيات اللواتي قمن بعملية “رتق البكارة”، لم تنف تحررها ونعتته بالمبالغ فيه في المجتمع التونسي. تقول ” زواجي بعد أسبوعين، ولكي أستطيع أن أنعم بزواج مستقر، اخترت الخضوع لهذه العملية التي سأطوي معها فترة من الهرج والمرج”. وتضيف “في مجتمع يطغى عليه التفكير الذكوري، يبقى حل ترقيع البكارة هو الانسب لتصحيح الماضي الجنسي للفتاة”.
الأخصائي في جراحة التجميل، شادي بالي أكد لـ “مراسلون” ازدياد عدد المقبلين على جراحة ترقيع البكارة، التي تتراوح تكاليفها بين 600 وألف دينار تونسي (بين 300 و500 يورو) .
ويوضح ” هناك ثلاثة أنواع من التدخلات لاستعادة غشاء البكارة، وهي خياطة التمزق الحاصل في غشاء البكارة الذي قد يكون سببه إعتداء جنسي، ويجب أن تتم العملية بعد الإعتداء مباشرة لتسهيل عملية الشفاء. وتستغرق هذه الجراحة ساعة.
والحل الثاني هو عملية تجميل كاملة حيث يتم وضع غشاء من دون تغذية دموية، وأحياناً يتم وضع كبسول من الجيلاتين لمادة صناعية تشبه الدم. يتم عمل هذه العملية بايام قليلة قبل الزواج. تكون مدة الجراحة أقل من ساعة.
أو استخدام جزء من جدار المهبل، مع تغذيته الدموية، لعمل غشاء بكارة جديدة. ويتم نصح المرضى بعدم ممارسة العلاقات الجنسية لمدة قد تصل إلى 3 أشهر بعد هذه العملية التي تستغرق ساعة كاملة.
أما عن وجهة المقبلين على هذه العملية فأكد الأخصائي أن النسبة الاهم تتركز في تونس العاصمة والجنوب التونسي. وقال بالي “الحل الطبي لم يوضع في الأصل لمثل هذه الحالات بل لعلاج نزيف في البكارة أو تصلب الغشاء، لكن تم توجيهه نظرا لخصوصية المجتمع الشرقي الذي يمنح العذرية صفة القدسية”.
مجتمع “أوروشرقي”
هادي العلوي أخصائي اجتماعي بديوان الأسرة والعمران البشري، أكد أيضا على قدسية مفهوم العذرية لدى المجتمعات التي تتميز بالهيمنة الرجولية. كما أرجع العلاقات الجنسية خارج الاطار القانوني إلى تأخر سن زواج الفتيات الذي صار يقارب الثلاثين.
ويرى العلوي أن المسألة يجب أن يُنظر لها من جانب عقليّات النساء أنفسهن. فرغم تحديهن للأعراف السائدة في المجتمعات العربية، من خلال استجابتهن لرغباتهن الجنسية، حسب قوله، إلا أنهن يخضعن في آخر المطاف للعقلية السائدة التي تنفي كل من خالفها في المجتمع ويلجأن لهذه العلميات.
وأضاف “رغم انفتاح المجتمع التونسي على الثقافة الأوروبية، إلا أنه لازال في طياته يحتفظ بجانب شرقي يمنح الحق للرجل بخوض المغامرات الجنسية ويحرّمه على المرأة”.
عموما لازالت نسبة كبيرة من التونسيين الذين يرفضون أن يقترن الشاب منهم بفتاة سبق وأن مارس الجنس معها، لأنها بالنسبة له مؤهلة أكثر من غيرها لتكون زوجة خائنة، حسب اعتقادهم.
وحسب دراسة أجراها الدكتور فخر الدين حفاني أستاذ الطب النفسي بالجامعة التونسية سنة 2003 فإن “ثقل التقاليد ما زال ملموسا في المجمع التونسي. والدليل على ذلك هو أن 83.7 بالمائة من الرجال يعتبرون أنه يجب على المرأة أن تحافظ على عذريتها حتى الزواج”، مما يطرح تساؤلا حول مسألة ازدواجية التفكير لدى الرجل التونسي.