أمام الباب الرئيسي لمخيم الشوشة كان سعيد سليمان (49 سنة) يجلس القرفصاء، ينظر إلى أبناء بشرته السوداء يتدافعون على ركوب الحافلات والشاحنات استعداد لمغادرة مخيم الشوشة بصفة نهائية.
يقول هذا الشاب صومالي الجنسية مستنكرا “لقد اتفقنا قبل أيام على الموت فوق تراب المخيم، وعدم القبول إلا بما تمتع به أصدقاؤنا الذين غادروا تونس وحصلوا على حق إعادة التوطين وضمنوا الحياة الكريمة في أوروبا وأمريكا وأستراليا”.
أمام الباب الرئيسي لمخيم الشوشة كان سعيد سليمان (49 سنة) يجلس القرفصاء، ينظر إلى أبناء بشرته السوداء يتدافعون على ركوب الحافلات والشاحنات استعداد لمغادرة مخيم الشوشة بصفة نهائية.
يقول هذا الشاب صومالي الجنسية مستنكرا “لقد اتفقنا قبل أيام على الموت فوق تراب المخيم، وعدم القبول إلا بما تمتع به أصدقاؤنا الذين غادروا تونس وحصلوا على حق إعادة التوطين وضمنوا الحياة الكريمة في أوروبا وأمريكا وأستراليا”.
سعيد سليمان هو واحد من آلاف الصوماليين الذين وصلوا في شهر آذار/مارس 2011 إلى مخيم الشوشة في منطقة رأس الجدير جنوب تونس، على بعد عشرة كيلومترات عن الحدود مع ليبيا، بحثا عن الحياة الآمنة بعد اندلاع الاشتباكات المسلحة بين معارضي ومؤيدي الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.
لأننا عناصر متمردة
يتذكر سليمان أن مواظبته على العمل في قطاع البناء في مدينة مصراته الليبية، كان يوفر له يوميا مبلغ سبعة دولارات أمريكية، ما مكنه من ضمان لقمة العيش له ولزوجته، وإدخال أبنائه في المدارس الليبية، وهو الحق الذين حرموا منه في الصومال بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك.
ويندرج اسم سليمان في مخيم الشوشة ضمن قائمة العناصر “الخطيرة والمتمرة” موضحا أن تمرده على “القوانين المنتهكة لحقوق الإنسان في المخيم” حرمه من الحصول على حق إعادة التوطين.
ومضيفا “لقد حاول عناصر الجيش فرض نمط الحياة العسكرية داخل المخيم، مما دفع عشرات الصوماليين إلى رفض القرارات الصارمة المتعلقة بحرية التنقل داخل وخارج المخيم وهو السبب في إدراجي ضمن هذه القائمة ومنعي من إعادة التوطين”.
ومع صدور قرار عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ينص على غلق مخيم الشوشة يوم 30 حزيران/ يونيو 2013، يرفض سليمان ومعه عشرات اللاجئين مغادرة المكان “حتى ولو على جثتنا”.
وتتساءل منظمات إنسانية حول مصير 281 لاجئ ينحدرون من جنسيات إفريقية وعربية. كانوا قد هربوا من جحيم المواجهات المسلحة التي أطاحت بنظام معمر القذافي في شباط/ فبراير 2011. وتتمسك المفوضية بعدم التراجع في تنفيذ موعد غلق مخيم الشوشة، وتنكر انتهاكها لحقوق الإنسان من خلال هذا القرار.
وقال مصدر من مكتب المفوضية بالجنوب التونسي لموقع “مراسلون”، “بعد 30 يونيو لن نتخلى عن اللاجئين الذين لم يتمتعوا بإعادة التوطين في الدول الأوروبية والأمريكية. وسنعمل مع السلطات التونسية على متابعة حالتهم الاجتماعية لمساعدتهم على الاندماج في المناطق الحضرية”.
وبحسب تصريحات مسؤولين من الهلال الأحمر التونسي، فإن اتفاقا كان قد عقد بينها وبين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وجمعية الإغاثة الإسلامية الدولية على إدماج اللاجئين في المجتمع التونسي من خلال توزيعهم على بعض المدن بالجنوب على أن تبقى الرعاية الصحية لهم من مسؤوليات الهلال الأحمر التونسى، وهو إجراء يسري حتى نهاية العام الجاري.
وقال ممثلو الهلال الأحمر التونسي إنه خلال عام 2014 سيتم استشارة اللاجئين بين أن يواصلوا اندماجهم في المجتمع التونسي أو العودة طواعية إلى بلدانهم.
لا تتطابق ملفاتهم مع المعايير
ويضيف المصدر الأممي أن المفوضية نجحت منذ إنشاء المخيم في شباط/ فبراير 2011 في ترحيل مئات اللاجئين يتمتعون حاليا بجميع الحقوق الاجتماعية والمدنية في البلدان المستضيفة.
وحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فقد جرى توطين حوالي 2600 لاجئ منذ انطلاق المبادرة التضامنية الدولية لاعادة التوطين في شهر افريل 2011 ومن ضمن 17 بلدا. وتأتي الولايات المتحدة في المركز الأول من حيث استقبال العدد الأكبر من لاجئي الشوشة، حيث تم إعادة توطين ما يقرب من 1100 لاجئ، بينما يبقى أكثر من 600 آخرون ممن حصلوا مبدئياً على القبول ينتظرون في تونس إلى حين حصولهم على موعد مؤكد لسفرهم إلى بلدان أوروبية.
ويؤكد المصدر أن الذين لم يحصلوا على حق اللجوء، “لا تتطابق ملفاتهم مع معايير قانون اللجوء المفروضة من الدول الموقعة على هذا البروتوكول، خصوصا أن العشرات منهم يقيمون في المخيم منذ أشهر فقط بعد الفشل في الهجرة بطريقة غير قانونية إلى ايطاليا وأن البقية وصلت المخيم بعد الآجال المحددة للتسجيل في القائمة الرسمية الخاصة بالفارين من الحرب الليبية”.
وتزامنت زيارة “مراسلون” يوم الأربعاء 26 حزيران/يونيو، مع موافقة 130 لاجئ على مغادرة المخيم نهائيا والقبول بالإقامة في مبيتات جامعية بمدينة مدنين (500 كلم جنوب شرق تونس).
وأوضح رئيس هيئة الهلال الأحمر بمدنين المنجي سليم “سنساعدهم على الاندماج في المجتمع التونسي، وسنعمل على تذليل بعض الصعوبات التي ستعترضهم على غرار اللغة والتقاليد. حيث ستقع مساعدتهم على إيجاد مسكن وتمكنيهم من التكوين المهني ومنح كل واحد منهم مبلغ خمسة آلاف دينار (حوالي ثلاثة آلاف دولار أمريكي) لإحداث مشاريع صغرى، إضافة إلى التمتع بمجانية الخدمات الصحية، كما ستسمح لهم السلطات التونسية بحرية التنقل بين المدن والسفر إلى ليبيا”.
وتساءل سليم عن جدوى بقاء بقية اللاجئين في المخيم، خاصة أنهم سيواجهون الجوع والعطش بعد انقطاع الماء والكهرباء وجميع الخدمات داخل المخيم يوم 30 حزيران/يونيو.
لا بد من تغيير القوانين
موقف محمد آدم علي (28 سنة)، وهو أثيوبي الجنسية، يتطابق مع تصريحات الصومالي سعيد سليمان. فقد قرر محمد الانضمام إلى عشرات الأفارقة أعلنوا تنفيذ حالة تمرد داخل المخيم بداية من فجر 30 حزيران/ يونيو.
ويتساءل محمد آدم “لماذا تدفعنا المفوضية إلى مواجهة الجيش التونسي الذي سهر على توفير الحماية للاجئين. وكانت قيادته قد نجحت في إدارة الحياة الفردية والعامة داخل المخيم؟”.
ويوضح لموقع “مراسلون” أنه قدم إلى مخيم الشوشة في شهر ديسمبر/كانون الاول 2012، بعد إنقاذه من الموت من طرف خفر السواحل التونسية. ويقر “نعم لا تتوفر فيه شروط التمتع بإعادة التوطين”.
ويعتبر محمد آدم أن مقترحات المفوضية ووزارة شؤون الاجتماعية التونسية لا ترتقي إلى ضمان الحياة التي كنت أحلم بها في أوروبا. وقال “آن الأوان لتغيير قوانين اللجوء من اجل ضمان الحقوق المدنية لفائدة أصحاب البشرة السوداء الفارين من الحروب الأهلية. ولن نقبل إلا بالموت في تونس في حالة عدم حصولنا على جنسية هذا البلد”.
وضعية 22 فلسطينيا يقيمون في مخيم الشوشة منذ سنتين، اختلفت عن وضعية الأفارقة في الإجراءات القانونية للإقامة في الجنوب التونسي. فهؤلاء تمتعوا فقط ببطاقات تسجيل وافدين غير مقيمين.
وعن هذه النقطة يقول مصدر من وزارة الشؤون الخارجية لموقع “مراسلون”، “نتفهم خوف الفلسطينيين من المصير المجهول بعد غلق مخيم الشوشة. لكن لا نقبل بأن تتضارب عاطفتنا مع الاتفاقيات الدولية”.
ويضيف مسؤول وزارة الخارجية أن “تونس عضو في جامعة الدول العربية وقد أمضت سنة 1965 على بروتوكول حق عودة الفلسطينيين. ما يمنعها من إعادة توطينهم على أراضيها”.
عزلونا فتمردنا
ويحتضن مخيم الشوشة ثلاث نساء فلسطينيات، يشرفن على تربية ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث وثماني سنوات، عزلتهم عناصر الجيش التونسي مع بقية الفلسطينيين لمدة سنتين، عن بقية اللاجئين وحرمتهم من التحدث إلى وسائل الإعلام، حسب ما أفاد به سامر تميم، 41 سنة.
ويقول تميم لموقع مراسلون “وصلت إلى التراب التونسي بعد أشهر قليلة من اندلاع ثورة 17 شباط/ فبراير2011. وخسرت عملي في مؤسسة حكومية كنت أوفر لها خدمات الترجمة من الانجليزية إلى العربية”.
ويضيف “فور وصولنا خصصوا لنا مكانا داخل مخيم الشوشة وحذروا جميع الفلسطينيين من التحدث للصحافيين. قبلنا بهذه الإجراءات الغريبة أملا في ترحيلنا إلى إحدى الدول الغربية. لكن صدمنا برفض مطالبنا فقررنا التمرد على قوانين المخيم والذهاب إلى العاصمة تونس”.
ويقول إن اللاجئين الفلسطينيين استقبلوا من طرف عزيز كريشان المستشار السياسي للرئيس التونسي، “لكن أشهرا مرّت دون الإيفاء بالوعود التي تعهدوا بها في تسوية وضعياتنا”.
ويضيف “ذات المحاولات فشل في إنجاحها وزير الشؤون الاجتماعية خليل الزاوية الذي زار المخيم قبل أسابيع وأبدى اهتماما بملف الفلسطينيين”.
ولم يستغرب تميم في تصريحه لموقع “مراسلون”، رفض إعادة توطينهم في الدول الأوروبية والأمريكية، ووجه اتهامات إلى إسرائيل بلعب دور كبير حال دون تمتعهم بهذا الحق، متهما ما اسماهم بعناصر جهاز الموساد الإسرائيلي المندسين في الهيئات الحقوقية التي زارت المخيم، بكتابة تقارير تصف الفلسطينيين الفارين من ليبيا بالإرهابيين، على حدّ قوله.
ويطالب الفلسطينيون المقيمون في مخيم الشوشة دولة قطر، بتحمل مسؤوليتها ومساعدتهم في السفر والإقامة بصفة دائمة في إحدى دول الخليج العربي. وبرروا هذا المطلب بوقوف قطر وراء الأزمات السياسية التي تعيشها دول الربيع العربي، مما تسبب في تشريد عشرات الفلسطينيين والعراقيين الذين نجحوا قبل سنوات في الاندماج في المجتمع الليبي وفق قولهم.
نحن مهددون بالقتل
مخيم الشوشة لم يكن مجرد مكان آمن للاجئين الأفارقة والعرب. فقد اختار اثنان من عناصر المخابرات الليبية (نظام القذافي)، التحصن داخل أسوار هذا المخيم مستفيدين من توفر حماية الجيش التونسي.
ويقول ضابط المخابرات الليبية سابقا جمال عثمان لموقع “مراسلون”، “خروجنا من المخيم يشكل خطرا كبيرا على حياتنا. وسيؤدي إلى اغتيالنا خاصة أن ثوار مدينة الزنتان رصدوا مبلغ مليار من المليمات لفائدة من يقتلنا”.
ويشير إلى أن إقامتهم في المخيم لمدة سنتين لم تكن في خيمة واحدة لأسباب أمنية فرضها الجيش التونسي بعد تفطنه إلى أن عددا من الليبيين بصدد التسلل إلى المخيم، “وأثبتت التحقيقات أنهم كانوا يحضرون إلى اغتيالنا”.
ويتذكر زميله طارق محمد “دخلنا التراب التونسي بطريقة غير قانونية بمساعدة عدد من مهربي البنزين الذين تحصلوا على مبلغ 100 ألف دينار ليبي (حوالي 77 ألف دولار امريكي) مقابل هذه الخدمة”.
ويوضح انهما عملا في المخابرات الليبية لمدة 16 سنة. وكانت مهامهما تتمثل في استنطاق معارضي القذافي. ويعترف قائلا “مارسنا التعذيب دون مناقشة الأسباب. فقد كان رفض تعليمات العقيد يساوي الموت. أخطأنا حين رفضنا الانشقاق عن نظام القدافي والانضمام إلى الثوار”.
وعن مصير الضابطين بعد إغلاق المخيم، أفاد مصدر عسكري مكلف بحراسة مخيم الشوشة (رفض الكشف عن اسمه) لموقع “مراسلون”، “نجحنا في تأمين حياتهما لمدة سنتين. الآن انتهى دورنا وبإمكانها طلب اللجوء السياسي في تونس، أو الاستنجاد بمصالح وزارة الداخلية التونسية”.
ويقول ذات المصدر “المئات من الجنود والضباط شاركوا على مدى سنتين في تأمين حماية وتسيير مخيم الشوشة. أما اليوم فسنطبق التعليمات ولن نسمح لأي لاجئ بالبقاء في المنطقة وسنجبرهم على احترام قرارات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والسلطات التونسية. واجبنا الالتحاق بزملائنا في تأمين الحدود والتصدي للإرهابيين”.
مصير مجهول يواجه اللاجئين الرافضين للاندماج في المجتمع التونسي دفع بالمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إلى الإعلان عن إطلاق حملة دولية لإنقاذ حياتهم، وحذر من انتهاك سلامتهم الجسدية في حالة رفضهم إخلاء المخيم.
وطالب رئيس المنتدى عبد الرحمن الهذيلي بالتعجيل في عقد مؤتمر دولي للنظر في وضعية هؤلاء الذين بقوا على مدى سنوات يعانون من التشرد والهروب من جحيم الحروب المندلعة في بلدانهم.