نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام في ليبيا كانت غير متوقعة قياساً إلى ما أسفرت عنه في الدولتين الجارتين تونس ومصر. ففيما نجح الإسلاميون في دول الجوار تمكنت التيارات المدنية ممثلة في تحالف القوى الوطنية من حصد أكبر عدد من المقاعد في المؤتمر ككيان سياسي موحد.

ولكن هذه النتائج لم تمنع أبداً الكيانات السياسية المحسوبة على الإسلام السياسي من المشاركة في الحكم، فقد كانوا ممثلين في الحكومتين الحالية والسابقة بعدد لا يستهان به من الحقائب الوزارية وإن اختلف حجم التمثيل بين الحكومتين.

نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام في ليبيا كانت غير متوقعة قياساً إلى ما أسفرت عنه في الدولتين الجارتين تونس ومصر. ففيما نجح الإسلاميون في دول الجوار تمكنت التيارات المدنية ممثلة في تحالف القوى الوطنية من حصد أكبر عدد من المقاعد في المؤتمر ككيان سياسي موحد.

ولكن هذه النتائج لم تمنع أبداً الكيانات السياسية المحسوبة على الإسلام السياسي من المشاركة في الحكم، فقد كانوا ممثلين في الحكومتين الحالية والسابقة بعدد لا يستهان به من الحقائب الوزارية وإن اختلف حجم التمثيل بين الحكومتين.

أسئلة عديدة تثار حول سبب عدم نجاح أحزاب إسلامية قامت بحملات انتخابية ضخمة في حصد ما كان متوقعاً لها من نتائج على غرار “حزب الوطن” الذي وصف مراقبون حملته الانتخابية بأنها كانت الأضخم ولم يفز بأي مقعد، وكذلك حول طبيعة علاقات هذه الأحزاب مع دول تدعم توجهها السياسي مثل قطر، وفي إثارة بعض المشاكل والنزاعات الداخلية.

هذه الأسئلة وغيرها وجهناها إلى الصحفي والكاتب الليبي اسماعيل القريتلي الذي كان رئيس الحملة الانتخابية لـ “حزب الوطن” في انتخابات المؤتمر الوطني العام في تموز/ يوليو 2012، وعضو جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، ضمن نص الحوار التالي:

“مراسلون”: شهدت انتخابات المؤتمر الوطني في 7 تموز / يوليو الماضي ظهور أحزاب وكيانات عديدة وببرامج طموحة، لكن بعضها – كحزب الوطن الذي كنت أحد مؤسسيه – لم يحقق النجاح المأمول رغم كل ما سخر له من وقت وإمكانيات. ما تفسيرك لذلك؟

[ibimage==7329==Small_Image==none==self==null]

اسماعيل القريتلي

القريتلي: بداية لم نكن في حزب الوطن نخطط لخوض الانتخابات في هذه المرحلة، ولكن بقرار من مكاتب الحزب التزمت به لجنته التحضيرية تم الذهاب لخوض الانتخابات، مع توقعاتي شخصياً آنذاك بعدم النجاح فيها، لأن الحزب لم يكن مهيأ لخوضها ولعدم امتلاكه قاعدة شعبية واسعة، وذلك لأنه كان يحاول ترسيخ اتجاهاً جديداً في العمل السياسي في ليبيا.

وأما الإمكانات فلم تكن كبيرة أو كثيرة، ولكن تم استغلالها بشكل جيد ومخطط، فظهرت دعاية الحزب وكأنه استخدم موارد كبيرة، وهذا بلا شك خلاف الواقع.

وُصف حزب الوطن قبل وأثناء انتخابات المؤتمر الوطني العام من قبل رجل الشارع وعبر صفحات التواصل الاجتماعي بارتباطه بدولة قطر. لماذا ارتبط هذا الوصف بالحزب دون غيره من الأحزاب؟

كانت هذه دعاية من خصوم الاتجاه الإسلامي، وفي أحد المناظرات التلفزيونية التي خضتها مع أحدهم عجز أن يأتي بدليل يؤكد تلك الدعوى، فما بالك بما تردده صفحات التواصل الاجتماعي وبعض الشخصيات التي لم تقدم لنا دليلاً واحداً على تلك العلاقة.

وما تقييمك للدور القطري خلال حرب التحرير والآن في المرحلة الانتقالية، وهل لها دون غيرها من الدول خصوصية في العلاقة مع ليبيا؟

الدور القطري كغيره من أدوار الدول الأخرى التي دعمت ليبيا، ولأني عشت في قطر أكثر من عقد من الزمن فلا أعرف على وجه التحديد ما الذي يقصده من يتحدث عن دور قطري، لأن كل ما قيل هو من قبيل السرد المفتقر للمعلومات والدلائل، فليس من الاستدلال تكرار جمل إنشائية يسهل على أي شخص أن ينطق بها، ولكن التحدي أن يقدم من يتحدث عن هذا الدور بالأدلة القاطعة التي تكشف بل وتفضح هذا الدور، وهذا ما لم يحصل حتى اللحظة.

هناك من يرى أن مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة متعثرة وهناك من يرى أنها تسير بشكل حسن، ما هو تقييمكم لما وصلنا إليه؟

بالنظر إلى المجتمع الليبي من منظور علم الاجتماع ونظريات علم المجتمع، فإن الليبيين لم يحققوا بعد شروط مجتمع المدينة الحديث، حيث يستندون في تنظيم علاقاتهم على أساس الرابطة الجهوية والقبلية وليس من منطلق المصالح والأعمال.

وهذا يعني موضوعياً أن ليبيا بحاجة إلى بناء وعي بالمجتمع وعلاقاته، وتأسيس ثقافة تعزز فكرة المجتمع وتعمق من ارتباط الفرد فيه، قبل أن نصل إلى تأسيس حديث للمجتمع الذي عنه ستتأسس الدولة.

إذاً ما نراه في ليبيا هو مسايرة ومطاوعة لقالب الدولة رغم أن وعينا بها ناقص، وأساسها المهم وهو المجتمع غير متحقق باشتراطاته المنهجية.

تخوض الكتل والأحزاب السياسية داخل المؤتمر الوطني صراعات وسجالات سياسية توصف بأنها على حساب الوطن، ما يدفع للسؤال، إن كان المؤتمر الوطني هو استحقاق توافقي أم حزبي. وهل استعجلنا الولوج إلى بوابة الصراع الحزبي في مرحلة تحتاج إلى رص الصفوف؟

لقد استعجلنا في كل شيء. وهذا سببه ضغوط الواقع، فلا تستطيع أن توقف عجلة الزمن عن الدوران ونخرج الليبيين عن سياق التطور والصيرورة اليومية للحياة، لنؤسس وعيهم ونبني مجتمعهم ثم نأتي أخيراً لنؤسس الدولة.

لكن ما يخفف من آثار هذه العجلة التي قد تساهم في تأسيس كيان مشوه يعود بنا إلى حالة بدائية من الاستبداد والاستفراد، هو تأسيس وعي بمراحل البناء الحقيقية انطلاقا من العناية بالأجيال الشابة في التنشئة الاجتماعية حتى نصل إلى جيل يتولى بناء المجتمع ويؤسس الدولة.

ولا أدري إن كنا سنتمكن من الحفاظ على توافق هش لا تضبطه قواعد ولا يحكمه وعي جمعي بطبيعة المرحلة التأسيسية في ليبيا.

تُتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها جماعة تخشى الحراك المجتمعي وتعادي جُمع الإنقاذ التي تشهدها مدينة بنغازي بين الفينة والأخرى، وتدافع باستماتة عن الكتائب المسلحة بدعوى عدم تهميش الثوار. ما مدى صحة ذلك؟

[ibimage==7196==Small_Image==none==self==null]

“حزب الوطن” 

لست ناطقاً رسمياً باسم الاخوان، ولكن أستطيع أن أدعي بأن هذه التهم المتكررة لم تلحق بدليل، وهذا حال كل المعلومات والإشاعات التي يتم تداولها في ليبيا، فشخصياً أؤكد لك بأن الإخوان في ليبيا لا يوجد لهم أي جناح عسكري.

وحديثهم عن الثوار مؤسس على وعيهم أولاً بالدور الذي لعبه الثوار في الثورة، وثانياً بأن الحوار المجتمعي هو الذي يعالج أي إشكالات ويعمق من فهم الدولة ويمهد للوصول إلى حالة الاستقرار الثقافي والاجتماعي الذي يجب أن يسبق الاستقرار السياسي والقانوني.

“درع ليبيا منتوج إخواني ورئيس الأركان العامة اللواء يوسف المنقوش محصن من قبل الجماعة” عبارات نسمعها بشكل يومي في الشارع وبخاصة عشية انفجار مستشفى الجلاء. لماذا يطال هذا الكلام جماعة الإخوان دون غيرها من التيارات والأحزاب السياسية؟

لا علاقة تنظيمية أو فكرية للأخوان بكل التشكيلات المسلحة الموجودة على الساحة، وبالتالي تأسيس الدروع كانت فكرة من الدولة وهي التي أصدرت القرار. واللواء المنقوش لم يعرفه الإخوان إلا في الثورة كما عرفوا غيره من رجال الجيش والثوار، ولم تمنح الحركة الحصانة له أو لغيره.

أما لماذا هذا الكلام فقط ضد الإخوان فلك أن تسأل من يطلقه ويشيعه من الأيام الأولى للثورة، وشخصياً آرى أن ذلك مزايدة من الخصوم السياسيين يعتمدون فيها على مصطلحات وتراكيب وأفكار المنظومة السابقة، خاصة إذا رأينا أن العديد ممن يرددون هذه العبارات كان مرتبطاً بشكل رسمي ولعقود بالنظام السابق سواء في شكله السياسي أو الاجتماعي أو الأمني.

ما رأيك في الدعوات المنادية بوجوب تطوير دار الإفتاء بحيث تصدر الفتاوى الدينية من قبل مجلس إفتاء وليس من المفتي. وما الحد الفاصل بين دار الإفتاء والسياسة؟

المعلومات الدقيقة التي أملكها هي أن الدار تعتمد منهج الاجتهاد الجماعي ولا ينفرد فضيلة المفتي بتاتاً بالفتوى، بل في الأمور الاختصاصية يلتزم المفتي بالجلوس مع المتخصصين بصحبة بقية أعضاء مجلس الفتوى بالدار ساعات طويلة لفهم تفصيلة خاصة بمسألة طبية أو غيرها.

والدار تمثل جهة رسمية في الدولة لها أدوار عدة من بينها توضيح الموقف الشرعي من نشاط الدولة وأيضا تدعم حفظ النظام الاجتماعي للمجتمع الليبي المؤسس على قيم الإسلام وقواعده.

كيف تقيم الدور الذي تلعبه تنسيقية العزل السياسي في المشهد السياسي والدور الذي لعبته في إقرار القانون؟

يمكن أن تعتبرها جماعة ضغط كغيرها من الجماعات في ليبيا، وهو نموذج متعارف عليه في الأعراف الديمقراطية، وبلا شك استطاعت التنسيقية أن تؤسس وعياً لدى الشعب والنخبة بأهمية العزل السياسي في الثورات، ولا شك أن هذا الوعي شكل ضغطاً على المؤتمر ليعجل مناقشة القانون الذي خرج متناسقاً مع اتجاه النخبة ومكونات مجتمعية واسعة.

وبالتأكيد أرفض ما يردده البعض من أن المؤتمر أجاز القانون تحت الإكراه لأنه حتى الآن لم يتمكن المدعون من إثبات ادعائهم، خاصة بعد اعتراف شخصيات غير محسوبة على المؤيدين للقانون بل بعضهم شمله القانون مثل نائب رئيس المؤتمر جمعة عتيقة.

هل تؤيد الحراك الفيدرالي في برقة؟

الحديث عن شكل الدولة ونظامها السياسي والإداري طبيعي في ليبيا لأننا نعيش مرحلة دستورية، وبعد النقاش والحوار وبناء مجموعات ضغط لصالح أي شكل يكون الرأي النهائي للشعب في استفتاء عام.

أما كل محاولات الفرض بقوة الأمر الواقع فلا أوافق عليها، وهي تبيح لكل من له رؤية أو رأي أو طرح سياسي أن يستخدم نفس المنهج بفرضه بقوة الأمر الواقع، وهذا بلا شك يقود البلاد إلى واقع ومستقبل مجهولين.