بعد اجتماع المجلس البلدي في نابل (60 كلم شرق تونس العاصمة) ودراسة الاوضاع ومناقشتها قرر رئيس النيابة الخصوصية (المسؤول عن البلدية) عدم الاقتراض من صندوق البلديات كما هو معمول به في السابق واعتبر “القرض حرام” و” الفائدة ربا”. وبالتالي أصبحت البلدية عاجزة عن إتمام بعض المشاريع التنموية المبرمجة.
تبرير في يوم القيامة
بعد اجتماع المجلس البلدي في نابل (60 كلم شرق تونس العاصمة) ودراسة الاوضاع ومناقشتها قرر رئيس النيابة الخصوصية (المسؤول عن البلدية) عدم الاقتراض من صندوق البلديات كما هو معمول به في السابق واعتبر “القرض حرام” و” الفائدة ربا”. وبالتالي أصبحت البلدية عاجزة عن إتمام بعض المشاريع التنموية المبرمجة.
تبرير في يوم القيامة
هذا القرار الغريب أثار جدلا واسعا و كبيرا لدى المواطنين والأطراف السياسية ما دفع بثمانية نواب الى المطالبة باعفاء رئيس النيابة الخصوصية من مهامه لسوء ادارته وقراراته النابعة من توجهاته الايديولوجية التي غيبت المصلحة العامة لخدمة المصلحة الخاصة.
نائب المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الجمهوري نعمان الفهري طالب بإقالة رئيس النيابة الخصوصية، وإعفائه من مهامه على خلفية رفضه الاقتراض للحصول على اعتمادات مالية إضافية.
ويقول نعمان الفهري لـ”مراسلون”، “تمت دعوتي من قبل بعض أعضاء النيابة الخصوصية ببلدية نابل وذلك لتوضيح اسباب تعطل إنجاز المشاريع المعلن عنها. فاتضح أن هناك اشكالية موثقة في محضر جلسة بتاريخ 27 شباط/ فيفري الماضي بحضور رئيس النيابة الخصوصية شهاب غلاب.
ويستعرض النائب بالمجلس التاسيسي الفقرة الواردة بمحضر الجلسة والتي تؤكد كلامه “….إلا ان رئيس النيابة الخصوصية تدخل متحدثا عن إمكانية تبرير ذلك أمام الله يوم القيامة واخلاء مسؤوليته من تبعات الاقتراض الذي يعتبره محرما وأنه غير مستعد لخلاص لا أصل الدين ولا فوائده”.
وفي السياق ذاته يستنكر الفهري أن يصدر كلام وقرار كهذا عن مسؤول بالبلدية يغيب مصلحة المواطن ليرضي قناعاته وتوجهاته السياسية والايديولوجية.
قرار الرفض بالأغلبية
من جهته، أكد رئيس النيابة الخصوصية ببلدية نابل، شهاب غلاب، لـ “مراسلون” أن قرار رفض القرض قد تم اتخاذه بأغلبية الأصوات، خمسة عشر صوت مؤيد مقابل صوت وحيد رافض. واستنكر ما ورد بمحضر الجلسة، متهما بعض الاطراف بالمبالغة بهدف تسييس المسألة.
وأضاف “هناك فقرة وردت في محضر الجلسة لم يقع الامضاء عليها من طرف الحضور وتمت إضافتها”. وأكد أنه تم توجيه قرار المجلس البلدي وربط القرار بمسألة تطبيق الشريعة الاسلامية.
وبالاستفسار عن السبب الحقيقي لرفض سياسة الاقتراض أكد شهاب غلاب أن مستوى العجز المالي الذي تواجهه بلدية نابل في الفترة الحالية بلغ نسبة الثمانين بالمائة.
وبين أنه بعد الدراسة والنقاش اهتدى الخبراء إلى أن الاقتراض لن يكون حلا ناجعا لانه سيثقل كاهل البلدية، بل سيدخلها في مرحلة عجز كلي، وبالتالي لن تستطيع ان تنجز أي مشروع يذكر.
وكشف غلاب “أن البلدية مثقلة بديون الى سنة 2027” وأضاف “اعتبر أن القروض هي من أسهل الطرق ولكن ليس انجعها لذلك يجب ان نختار الحل الأصعب”.
تغييب مصلحة المواطن
قرار رئيس النيابة الخصوصية أثار موجة من الاستياء بين أهالي المنطقة، خاصة وأن المناطق الريفية بحاجة الى طرقات ومد قنوات الماء الصالح للشراب وإنجاز مشاريع تنموية وتشغيل الشباب العاطل عن العمل.
وفي لقاء مع “مراسلون” عبرت إحدى المواطنات بلهجة حادة عن استغرابها من قرار شهاب غلاب وقد ارتسمت على وجهها علامات الغضب والحيرة ” يستكثرون علينا طريقا معبدة تسهل علينا التنقل في فصل الشتاء و لكنهم في المقابل لا يترددون لحظة في تدليل أنفسهم والعمل في مكاتب فخمة جدا”.
تصمت لحظة ثم تواصل حديثها بغضب شديد “تخيلوا ان تكلفة بناء قصر البلدية بلغت 7 مليارات دينار تونسي. لقد كان من الأجدر بهم ان يتبعوا سياسية التقشف لأن المواطن أحق منهم بالأموال التي تصرف يمينا و شمالا”.
وترى أنه لا وجود لتقسيم عادل للثروات، فالعاملون بالبلدية “ينعمون بمكاتب فخمة وسيارة لقضاء مآربهم الشخصية متناسين المواطن البسيط الذي يعاني الويلات”. وتضيف “هناك عديد المناطق الريفية في ولاية نابل تفتقر الى اليوم الى ماء صالح للشراب وقنوات الصرف الصحي”.
ما الذي تغير اليوم؟
العم قاسم، شيخ في الثمانين، لم يتردد في الحديث عن إخلالات البلدية قبل الثورة وبعدها، إذ لم يتغير شيء بل على العكس حسب رأيه، تأزم الوضع أكثر من ذي قبل. “إنهم لا يترددون في طمأنتنا وإيهامنا بمشاريع تنموية في الفترة التي تسبق الانتخابات ولكن تبقى حبرا على ورق، ومجرد أضغاث أحلام”.
ما أزم الوضع، حسب العم قاسم، هو القرار “الجائر” لرئيس النيابة الخصوصية الذي رفض الاقتراض وانجاز المشاريع بتعلة أن الفائض رباء وحرام
ويضيف “انهم يريدون وحسب ما يتردد تطبيق الشريعة الاسلامية حتى في مجال الاقتصاد والتنمية ولو على حساب مصلحة البلاد والمواطن المسكين الذي يتذوق الويلات”.
يرفع العم قاسم عيناه الى السماء ويردد “حسبنا الله و نعم الوكيل، المسؤولون اليوم يحرّمون ويحللون كما يحلو لهم. منذ سنين و الدولة تعتمد القروض و سياسة الاقتراض. ما الجديد وما الغريب في ذلك؟ إنهم يريدون اذلالنا و حرماننا من ان نحيا ما تبقى من العمر بسلام”.