من بين أسماك نهره وإلهه “النيل/حابي”، اكتشف المصري القديم إحساسا غريبا ومؤلما كلما لمس سمكة “الرعّاش”. لم يكن يعرف أن سبب الصدمة ما سوف يُسمى – بعد آلاف السنين- “الكهرباء”، آنذاك اكتفى بأن وجد للسمكة استخداما طبيا، كان يضعها في حوض ماء من أجل مرضى آلام المفاصل، وكان المريض يلمس السمكة مستفيدا من التدليك الذي تسببه تلك الصدمة المجهولة.

بعد عشرات القرون، عرف المصري الكهرباء واحتاج إلى الكثير منها، ومرة أخرى، كان مصدرها النيل.

من بين أسماك نهره وإلهه “النيل/حابي”، اكتشف المصري القديم إحساسا غريبا ومؤلما كلما لمس سمكة “الرعّاش”. لم يكن يعرف أن سبب الصدمة ما سوف يُسمى – بعد آلاف السنين- “الكهرباء”، آنذاك اكتفى بأن وجد للسمكة استخداما طبيا، كان يضعها في حوض ماء من أجل مرضى آلام المفاصل، وكان المريض يلمس السمكة مستفيدا من التدليك الذي تسببه تلك الصدمة المجهولة.

بعد عشرات القرون، عرف المصري الكهرباء واحتاج إلى الكثير منها، ومرة أخرى، كان مصدرها النيل.

في تصريحات تلفزيونية مرتبكة، أراد الرئيس مرسي التقليل من تأثير السد الأثيوبي الكبير على الطاقة الكهربية للسد العالي. عبر عملية حسابية شفوية أربكت الحاضرين توصل الرئيس إلى أن التأثير لن يتجاوز 2 بالمئة من الكهرباء المصرية، لأن السد الأثيوبي لن يؤثر سوى على 18 بالمئة من كهرباء السد المصري، والذي بدوره لم يعد يمثل أكثر من 8 بالمئة من توليد الكهرباء في مصر.

لكن تصريحات الرئيس لم تخفف من حقيقة أن المصريين يعانون بالفعل أزمة انقطاع كهرباء هي الأسوأ في تاريخ الأجيال الشابة، وارتباط الكهرباء بالسد العالي لا يستند إلى أسباب علمية واقتصادية فحسب، بل يشمل كذلك أبعادا تاريخية ووطنية، ليس فقط لإن إنشاءه كان إحدى معارك الاستقلال الوطني في ستينيات القرن الماضي، بل لأنه كان آنذاك أحد أهم المشروعات العالمية الكهرو- مائية، حين اتصل الكهرباء والنيل مرة أخرى، وكان الفضل لاختراع التوربين.

التوربين جهاز دوّار يستخدم السائل المندفع (الماء/ الغاز السائل) لتوليد الطاقة الحركية، طاقة الدوران التي تدفع الآلات، السفن، السيارات، مضخات الماء، والمولدات الكهربية.

يندفع ماء النيل عبر المنافذ العليا للسد العالي فيحرك التوربينات بقوة هائلة فتتولد الكهرباء، وتنتمي توربينة السد العالي إلى النوع “فرانسيس”، وافتتح العمل بها في العام 1967 بعد توصيل أول خطوطها إلى القاهرة، أنتجت منذ افتتاحها إلى متتصف العام الماضي 335 مليون ك.و.س (كيلو وات. ساعة)، لو لم تكن المحطة موجودة، لاحتاجت مصر من أجل توليد الطاقة نفسها إلى حرق 70 مليون طن مازوت، كان سينبعث منها 218 مليون طن غاز ثاني أكسيد الكربون.

التوربينات نقلت الكهرباء من ظاهرة علمية محل دراسة منذ القرن السادس عشر، إلى أكثر مجالات الفيزياء استخداما في حياة الناس، كان ذلك فيما عرف بالثورة الصناعية الثانية نهاية القرن 19، لكن حتى قبل الثورة الصناعية الأولى، بل حتى قبل الميلاد، لاحظ المصري القديم ولاحظ اليونانيون هذا التأثير الطبيعي الغريب، النابع أحيانا من البرق ومن الأسماك، وكذلك من بعض كائنات الطبيعة كأحجار الكهرمان.

الكهرمان، الحجر الذي يجذب الأشياء الخفيفة كالريش والقش، منح اسمه الفارسي- بتحوير بسيط- للكهرباء، ذلك أن كاه “قش”، ورباي “جاذب”، فالكهرباء هي “جاذب القش” – وهو ما يفعله الكهرمان- في اللغة الفارسية، اقتبس العرب “كهرباء” لوصف سلوك الكهرمان “الجذب”، أما الكهرمان نفسه فاسمه العربي “العنبر الأشهب”.

والكهرمان منح الكهرباء اسمها اللاتيني أيضا، الكهرمان باليونانية القديمة هو “إلقطرون”، ويعني “ذو البريق”، ووصفت اللاتينية الكهرباء بأنها “إليكتركس” أي “شبيه الكهرمان”، التي صارت في الإنجليزية electricity.

غير أن الفرس تخلو عن الاسم القديم واستخدموا المعنى اللاتيني القديم “ذي البريق” بحروف عربية، فالكهرباء اليوم في الفارسية هي “برق”، والقهرمان كان وظيفة في الدولة العباسية تعني أمين الخراج، وكان أيضا فعلا في اللغة يعني الأكثر تأثيرا، وفي التركية تعني “البطل”، وهي في كل لغة من تلك يُقال إنها لفظة دخيلة، وبعيدا عن أن كل تلك المعاني، الجاذب، والبرق والأكثر تأثيرا والبطل، قد تصلح جميعا –مجازيا-  لوصف الكهرباء، فإنك لو دققت قليلا، ستكتشف أن اللفظ يمر ويعود بين الفارسية والعربية والتركية واللاتينية كأنما هو في دائرة كهربية.

أما المصري القديم، الذي اكتشف تأثير سمك الرعاش دون أن يدرك فحواه، فاكتفى آنذاك بأن سمّاه “صاعق النيل” وافترض أنه يحمي أسماك النهر الأخرى، اليوم أصبح المصري يعرف أنها الكهرباء، لكن الارتباط بينها وبين النيل لازال قويا كما كان في الألف الثالثة قبل الميلاد.