“قناة السويس شريان من شرايين دمي” ، هكذا وصلت العلاقة بين علي الشريف، والمجرى الملاحى العالمي، لدرجة أن الشريف ما أن تصيبه حالة من الملل أو الضيق منذ أن كان فى ريعان شبابه وحتى بلوغه الستينات من عمره ، يلجأ فورا لخلوة على شط القناة، كى يستعيد نشاطه من جديد.

“قناة السويس شريان من شرايين دمي” ، هكذا وصلت العلاقة بين علي الشريف، والمجرى الملاحى العالمي، لدرجة أن الشريف ما أن تصيبه حالة من الملل أو الضيق منذ أن كان فى ريعان شبابه وحتى بلوغه الستينات من عمره ، يلجأ فورا لخلوة على شط القناة، كى يستعيد نشاطه من جديد.

تلك العلاقة تعمقت وزادت، بعد أن تولى الشريف قبل أكثر من عشر أعوام، أثناء خدمته في الجيش برتبة لواء، منصب مدير القرية الأوليمبية بالاسماعيلية، والتى تقع على ضفاف المجرى الملاحي. فلم يكد يبارح مكتبه إلا في حالة استدعائه من قبل المحافظ مثلا، لأن وظيفته لم تشكل عبئا عليه بل كانت بمثابة رحلة طويلة من الاستجمام، وإن كان يعاني من العوائق الامنية التى كانت سببا فى ضيق الوفود الرياضية والسياحية التى كانت تتهافت على القرية، على حد قوله.

حساسية الوضع الأمني في القناة

الإجراءات الامنية لم تكن موجودة بالطبع عند اختيار موقع القرية فى ثمانينات القرن الماضي، بل أنها بدأت مع أول حادثة ارهابية شهدتها مصر فى مطلع التسعينات من نفس القرن. لذا يؤكد الشريف أنه كان من المستحيل إنشاء القرية لو تزامن ذلك مع الاجراءات الأمنية الجديدة التى تم تدشينها على طوال المجرى الملاحى لقناة السويس خوفا من أى اعتداء عليها، “خاصة وأن مصر دولة مستهدفة مازالت تعيش فى حالة اللاسلم واللاحرب”، كما يضيف الشريف.

الحساسية الأمنية للمنطقة لم تمنع الحكومة من طرح مشروع لتنمية محور قناة السويس مطلع شهر مايو/ايار والذي يمكن تلخيصه كما نشرته صفحة المشروع على موقع الفيس بوك في “إقامة إقليم متكامل اقتصاديا وعمرانيا ومكانيا ولوجستيا، على طول مجرى قناة السويس وما بين ميناءي شرق التفريعة في الشمال، وميناءي العين السخنة والسويس في الجنوب، ليمثل مركزا عالميا في الخدمات اللوجستية والصناعة يقدم خدمة إضافية للعملاء بأقل تكلفة وبأعلى كفاءة”.

وتتوقع دراسة المشروع أن يجعل من مصر مركزا عالميا للنقل ما يدر لها ما بين 20 أو 25 مرة من العائد الذي تحصل عليه حاليا من رسوم المرور بالقناة، أي بعد اكتمال جميع مراحله سيحقق إيرادات لمصر قد تصل إلى 100 مليار دولار سنويا بالإضافة إلى إعادة التوزيع العمراني والجغرافي للسكان من خلال مشروعات عمرانية متكاملة وحل مشكلتي البطالة والإسكان.

الأمل في التنمية

لكن المشروع أثار جدلا واسعا بسبب حزمة القوانين المصاحبة له والمزمع إصدارها لتسهيل تنفيذه. إذ تنص على إلغاء صلاحيات رئيس الجمهورية بمنطقة شرق بورسعيد، وخضوع المنطقة لمجلسي الشعب والشورى والمجالس الرقابية والجهاز المركزي للمحاسبات، بالإضافة إلى اعتبار شرق بورسعيد منطقة حرة على أن تشترك القوات المسلحة وهيئة قناة السويس وهيئة الميناء.

لذلك ينصح الشريف مسؤولي المشروع بالرجوع للقوات المسلحة وأجهزة الأمن القومي قبل إقراره، رغم اعتقاده بأن المشروع يعيد الامل مرة اخرى فى امكانية تطوير محور قناة السويس.

هيئة قناة السويس من جانبها لم تعترض على المشروع، إذ أكد متحدثها الرسمى طارق حسانين أن الهيئة هي العنصر الاساسى فى المشروع كونه معتمدا على عبور السفن ومداخلها الشمالية والجنوبية، مؤكدا عدم وجود أى اعتراض من جانب الهيئة على المشروع، طالما سيبتعد عن الأراضي اللازمة لمشروعات توسيع وتعميق المجرى الملاحى، التي قدمها خرائطها رئيس الهيئة للجهات المعنية بالمشروع.

“دع قنالي”

الأمل الذي تحدث عنه الشريف، لم يجد قبولا لدى جهات وقوى كثيرة لاسيما في منطقة القناة، لدرجة جعلت البدرى فرغلى نائب بورسعيد (يساري) يصفه بمشروع استعمار جديد لمصر، أو كما قال المستشار طارق البشرى بأن بنود قانونه الجديد كلها تؤكد أنه بمثابة اعتراف بعدم رغبة مصر فى السيطرة على إقليم القناة. إلى ذلك تطالب الدكتورة استشهاد حسن البنا استاذ الاقتصاد ونجلة مؤسس جماعة الاخوان المسلمين بضرورة العودة للمشروع القديم الذي طرحه المهندس صلاح حسب الله وزير الاسكان الأسبق، واصفة المشروع الجديد بالخطر على مصر خاصة أن قانون المشروع ينص على تعيي خمسة عشرة شخص لإدارة المشروع دون تحديد معايير واضحة لاختيارهم.

تلك التخوفات ساهمت فى أن يُستفز عدد كبير من الناشطين السياسيين والحقوقيين بالاسماعيلية، معلنين عن تأسيس حركة “دع قنالي”، التي هدفها الاساسى كما يقول شريف كمال مؤسسها رفض هذا المشروع وتحريض الرأى العام ضده من خلال المنشورات والمؤتمرات، بدعوى أنه يفصل منطقة القناة عن مصر، ويمهد لاحتلال من نوع جديد عبر مجموعة من الوسطاء والمستثمرين العرب، كما أن فرص العمل التي سيوفرها المشروع ستكون نواة لاستعباد خيرة شباب مصر، كما هو الحادث في المناطق الاستشمارية الحرة.

وكانت “الخيانة”، هو اللفظ الذي اختارته الدكتورة سعاد حمودة نقيب صيادلة الاسماعيلية وأحد أعضاء الحركة، لتطلقه على المشروع، موضحة أن هدفه “إنشاء إمارة أو دويلة صغيرة للاخوان يختصون بها تكون مجاوة لحركة حماس الفلسطينية، فإذا ماقام شعب مصر ضدهم وطاردهم فىى الشوارع واسقطوا رئيسهم ومرشدهم وهذا متوقع، فيستقلون بدولتهم وبالمنطقه كلها. ومنها سيناء وبهذا يضمن الكيان الصهيونى حدوده مع اصحابه الاخوان”.

اتهامات مرفوضة

الانتقادات الموجهة للمشروع تتضمن إذن مخاوف أمنية تتعلق بخروج المنطقة عن السلطة المصرية، وجعلها في عهدة المستثمرين. وكذلك اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بوجود أجندة سياسية وراء هذا المشروع. لكن هذه الاتهامات والشكوك، تم رفضها جملة وتفصيلا من جانب احمد اسماعيل عضو مجلس الشورى عن الاسماعيلية (حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) وعضو لجنة النقل التى كانت من أولى لجان المجلس التشريعى فى مناقشة المشروع، حسب قول اسماعيل، مضيفا “هذه المناقشات تمت بالاستعانة بالخبراء والمعنيين بالامر ، وليس بتوع “الطعمية والفول، والذين يطالبون بحوار مجتمعى حول المشروع وهم ليس لهم أي خبرة أو رؤية”.

اسماعيل أوضح انه حتى تاريخه لم يصل مشروع القانون إلى مجلس الشورى، مؤكدا أن المسودة التى تحدث عنها المستشار طارق البشرى ليس لها أي أساس من الصحة أو الوجود، كونها حتى الآن مجرد اقتراحات من الجميع يتم مناقشتها واختيار الأفضل منها، حسب قول اسماعيل.

“المعارضون خادمون لإسرائيل”

وأثنى اسماعيل على بيان حزبه الواصف لمعارضى المشروع بالخادمين لمصلحة اسرائيل، موضحا أن “دولة الاحتلال الصهيونى أكدت من خلال رئيس وزرائها الاسبق اريل شارون أن تنمية سيناء أقوى من سقوط قنبلة ذرية على دولته، وبالتالي فلابد أن تحارب المشروع الذى يمثل النواة الأهم لتنمية وتعمير سيناء”.

يضيف عضو لجنة  النقل أنه لو كان هدف المشروع فصل القناة وسيناء عن مصر واحتلالها من قبل الاخوان، لكانت مشروعات التنمية الثلاثة الأخرى في الصعيد والساحل الشمالي ومرسى علم هي أيضا محاولة للاحتلال. ويردف قائلا “رغم أن أهم القوانين التى سيبنى عليها مشروع تنمية القناة هي عدم امتلاك أي مستشمر للأرض، وسيكون عمله مقابل حق انتفاع فقط لمدة لن تزيد عن ثلاثين عاما، وبالتالي فإن ذلك كفيل بذهاب أى شكوك حول الاستعمار الجديد”.

وأخيرا يوضح اسماعيل أنه سيتم تشكيل لجنة استشارية لإدارة المشروع  تتكون من واحد وسبعين عضوا طبقا لمعايير الكفاءة، هدفها التيسير على المستثمر الذى يفضل خدمة الشباك الواحد، بدلا من تعدد الجهات. مؤكدا أن تلك اللجنة سيكون لها الصلاحية الكاملة فى ادارة المشروع بالتنسيق الكامل والفورى مع القوات المسلحة.

وطالما سيتم المشروع بالتنسيق مع القوات المسلحة، فإن ذلك يجعل اللواء على الشريف، مستبشرا بنجاحه وإحداث التنمية المطلوبة، حتى في قريته الأوليمبية التي تركها مؤخرا، لتتولاها قيادة عسكرية جديدة، كما يقول في النهاية.