عاش أهالي قريتي الإمام مالك وشلتوت يوم السبت الماضي 8 يونيو/حزيران، مأساة حقيقية بكل المقاييس حيث التهمت النيران منازلهم وحولتها لكتل من رماد، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وعودته مرة أخرى بقوة، ما أدى لاحتراق ما يقرب من 420 منزل.
الأهالي المكلومون قطعوا الطريق السريع الذي تقع قريتهما عليه من أجل لفت الانتباه للكارثة التي حاقت بهم، وسط احساسهم بتجاهل مستمر من قبل المسؤولين.
قرية شلتوت تصرخ
عاش أهالي قريتي الإمام مالك وشلتوت يوم السبت الماضي 8 يونيو/حزيران، مأساة حقيقية بكل المقاييس حيث التهمت النيران منازلهم وحولتها لكتل من رماد، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وعودته مرة أخرى بقوة، ما أدى لاحتراق ما يقرب من 420 منزل.
الأهالي المكلومون قطعوا الطريق السريع الذي تقع قريتهما عليه من أجل لفت الانتباه للكارثة التي حاقت بهم، وسط احساسهم بتجاهل مستمر من قبل المسؤولين.
قرية شلتوت تصرخ
سحابة سوداء تُغطي سماء قرية شلتوت، وماشية نافقة محترقة من شدة لهيب النيران متناثرة في كل مكان. المنازل تتكون من طابق واحد أو اثنين على الأكثر مبنية من الطوب الأحمر، وأسقف تلك المنازل معرشه بالعروق الخشبية المغطاة بقش الأرز، الأمر الذي ساعد ألسنة اللهب في التهام نحو 20 منزل. هذا هو المشهد المسيطر علي قرية “محمود شلتوت” والتي تقع بالكيلو 64 بالطريق الصحراوي بمنطقة العامرية غرب محافظة الإسكندرية.
الأهالي المنكوبون يفترشون الأرض أمام أطلال منازلهم، ويخيم الحزن والألم علي وجهوهم. التقت “مراسلون” ببعض أهالي القرية، وفي البداية يقول عبد المحسن فراج، 55 عاما، مزارع، “كنت أنا وزوجتي وأولادي نعمل في الأرض ملكنا سوف وذلك فجر يوم السبت الموافق 8 الجاري كان التيار الكهربائي مقطوع بالقرية قبل 3 ساعات ثم سمعنا فجأة دوي انفجار قوي ثم وجدنا الدخان يتصاعد والنيران تمتد بكثافة وقوة شديدة حول المنازل”.
ويضيف فراج “هُرعت سريعا أنا وأسرتي للإطمئنان على منزلنا لكن لم نجده فسرعة الرياح وقوة النيران كان أسرع منا والتهمت كل شئ في منزلنا، حتى جدرانه لم ترحمها النيران. وظلت زوجتي تصرخ وتبكي من هول المشهد وكل أهالي القرية كانوا يتسارعون لجلب جالونات المياه لإطفاء النيران المتصاعدة، أما سيارات الإطفاء فأتت إلي قرية بعد أن أخمد الأهالي أغلب النيران أي بعد نشوب الحريق بنحو ساعتين”.
ويختم فراج كلامه بكلمات بسيطة “أنا الآن لا أملك قوت يومي ولا أعلم كيف سأعيش بعد خراب بيتي بسبب الكهرباء وتخفيف الأحمال اللي بتعملها الحكومة منها لله.. حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا مرسي أنت وجماعتك”.
“النار أكلت جاموسة عيالي”!
على مقربة من منزل فراج، كانت تقف خديجة مسعد عبد الفضيل، سيدة في الأربعين من عمرها حينما تراها تظن أنها سيدة مسنة ليست في هذا العمر، لكن الهمّ والصدمة جعلتها تبدو امرأة عجوز، وجهها محترق من شدة حرارة الشمس التي تتعرض لها يوميا أثناء عملها في الأرض، ترتدي ثيابا اسود متهرئة، متسخة بالطمي والرماد، وأيديها متشققة من كثرة حمل الفأس في زراعة أرضها.
تقول خديجة “النار أكلت كل حاجة وأكلت طيوري والجاموسة اللي حيلتي وبأكل منها ولادي، الحريق لم يترك لنا شيئا إلا وابتلعه بسبب انقطاع الكهرباء باستمرار وعودته فجأة، وحين عودته اشتعلت النيران في القرية بسرعة شديدة”.
وتضيف خديجة التي تعمل مزارعة مياومة وتعول زوجها المشلول، “لحظة اشتعال النيران لم يكن في رأسي سوى إنقاذ أولادي الثلاثة الصغار وإخراجهم من المنزل التي احترقت في ثوان. حسبنا الله ونعم الوكيل في المسؤلين اللي سابونا ومسالوش علينا”.
الإمام مالك قرية استغاثت بقطع الطريق
لم يختلف المشهد كثيرا عن قرية الإمام مالك والتي تقع في وادي النطرون بمحافظة البحيرة، والتي قام أهلها بقطع الطريق الصحراوي مصر- الإسكندرية لنحو ساعتين حتى يشعر بهم المسؤولين ويتحركوا لنجدتهم، حيث التهمت النيران نحو 400 منزل، ونفق ما يقرب من 4 ألاف رأس ماشية ومئات الطيور.
“إحنا عاطشنين من زمان، القرية مافيهاش خدمات، ولا صرف صحي ولا مياه شرب وحتى مياه الري بـيفتحوها مرتين في الأسبوع لما أراضينا بارت من العطش، حسبنا الله ونعم الوكيل في الحكومة اللي معرفتش بحريق أكثر من 400 بيت إلا لما قطعنا الطريق بالكاوتش والنار”، هكذا بدأ عمران ثابت، مزارع من أهالي القرية حديثه.
ويضيف ثابت “المياه لم تدخل القرية ونحن في عصر النهضة حيث أننا نشرب مياه الترعة حتى أصيبنا بالفشل الكلوي والأمراض الكبدية وأصبح المرض في كل بيت في القرية، نحن قرية علي الهامش لا أحد يعرف عنها شيئا ولا نملك مدارس ولا مستشفيات ولا نقطة شرطة ولا سيارة إسعاف ولا مواصلات فكل تحركاتنا بالعربات الكارو والتوك توك والحمار الذي يملكه كل فلاح”.
ويوافقه في الرأي محمود عبد الستار، مزارع، ويضيف “نحن لم نجد الماء لكي نتمكن من إطفاء الحريق الذي شب بعد انقطاع التيار الكهربائي وعودته بقوة بشكل مفاجئ ولم يأتي إلينا أية سيارات إطفاء لإنقاذها فأهالي القرية هم من اخمدوا النيران بالجهود الذاتية، كيف لقرية مثل قرية الإمام مالك تعدادها السكاني 25 ألف نسمة، لا أحد يسأل عنها ولا مسؤول يتحرك نحوها”.
ويضيف عبد الستار “الكارثة إننا سمعنا مُحافظ البحيرة في برامج التليفزيون يؤكد أنه زارنا وقرر صرف تعويضات لنا بلغت لكل متضرر 5 ألاف جنيه، لكن هذا لم يحدث علي الإطلاق ولم يأتِ المحافظ ولا أحد من أعوانه، وكأننا مواطنون مش موجودين علي الخريطة”.
تخفيف الأحمال هو المتهم الأول
السبب في الكارثة التي حاقت بالقريتين هو التماس الكهربائي. هذا ما ذكره تقرير نيابتي الإسكندرية والبحيرة اللذين عاينا حريق منازل قريتي شلتوت والأمام مالك.
وورد في التقرير المبدئي أن أسباب الحريق ترجع إلي “تماس كهربائي نتيجة التوصيل غير القانوني للكهرباء بالقرية وعدم وجود طبقة عازلة على الأسلاك للحماية، وبسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء وعودته بين حين وأخر بشكل مفاجئ ومع سوء الأحوال الجوية وارتفاع درجات الحرارة حدث تماس كهربائي قوي أدى لاحتراق المنازل”.
تأتي كارثة القريتين في وقت لم يعد انقطاع الكهرباء وعودته بقوة متسببا في حريق الأجهزة الكهربية حدثا نادرا في مصر. المهندس محمد بكر، رئيس شركة الكهرباء بالإسكندرية، أرجع أسباب ظاهرة عودة الكهرباء بقوة إلى تخزين الطاقة الكهربائية داخل شحنات في الأجهزة الكهربية، وعند عودة التيار يحدث تفاعل بين التيار الكهربائي المخزون والعائد، ما يؤدي للحرق والانفجار في بعض الأحيان.
ويضيف بكر، ارتفاع درجات الحرارة في معظم مُحافظات مصر تتفاعل مع التيار الكهربائي وتحدث الانفجارات والحرائق، بالإضافة إلى سرقات التيار الكهربائي من خلال الأسلاك العارية التي تتفاعل مع الحرارة والتيار الكهربائي القوي فيؤدي لتلك الكوارث.
المُحافظ يحل مشاكل القرية!
المسؤولون تحركوا أخيرا بعد قطع الأهالي للطريق السريع. وقرر المهندس مختار الحملاوى، مُحافظ البحيرة، صرف تعويضات تصل إلى 5000 جنيه (نحو 900 دولار أمريكي) لكل أسرة. مؤكدا أنه تم حصر جميع ممتلكات الأهالي التي تضررت بمعرفة 3 لجان من الشؤون الاجتماعية تمهيدا لصرف التعويضات المناسبة.
ويضيف الحملاوي “سيتم أيضا حصر الماشية التي نفقت بمعرفة لجنة من الطب البيطري وسيتم صرف التعويضات لأصحابها سواء المؤمن عليها أو غير المؤمن عليها”. مؤكدا أن شركة كهرباء البحيرة ستقوم بإصلاح جميع الوصلات الكهربائية الخاصة بالمنازل على نفقة الشركة.
ويوضح الحملاوي أنه تم تحديد قطعة ارض لإقامة وحدة حماية مدنية عليها وكذا تزويد القرية بسيارة إسعاف، بالإضافة لبناء مدارس بالقرية ومستشفى ومستوصف، فضلا عن حل مشكلة المياه بتوفير عدادات مياه لكل منزل، مؤكدا بأنه سوف يقوم برفع تلك الاحتياجات إلي الدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء، واعدا الأهالي بحل كافة أزماتهم في القريب العاجل.
حادثة قريتي الإمام مالك وشلتوت هي مثال آخر على البطء المعتاد في الإدارة المصرية، حيث ينتظر المسؤولون وقوع كارثة حتى ينتبهوا لمشاكل المواطنين.