هناك في الطابق الثاني، في المجمع التجاري “قلاكسي” وسط العاصمة تونس، تنشط إحدى أشهر الشركات التي “تبيض ذهبا” بحسب وصف متابعين.  فالشركة التي اتخذت اسم “يسر للتنمية”، تمنح التي تجمع الأموال بغرض الاستثمار تمنح عملاءها أرباحا كبيرة خلال وقت قصير لا يتجاوز بضعة أشهر.

أول من يعترضك عند باب هذه الشركة حارسان من أصحاب الأجسام الضخمة، في مشهد يذكر بالأفلام البوليسية. كان الرجلان يسألان الزوّار عن سبب قدومهم ثم يقسمونهم إلى مجموعتين، الصف الأول مخصص للأشخاص الذين سيودعون أموالهم والصف الآخر لمن سيقبض المال.

هناك في الطابق الثاني، في المجمع التجاري “قلاكسي” وسط العاصمة تونس، تنشط إحدى أشهر الشركات التي “تبيض ذهبا” بحسب وصف متابعين.  فالشركة التي اتخذت اسم “يسر للتنمية”، تمنح التي تجمع الأموال بغرض الاستثمار تمنح عملاءها أرباحا كبيرة خلال وقت قصير لا يتجاوز بضعة أشهر.

أول من يعترضك عند باب هذه الشركة حارسان من أصحاب الأجسام الضخمة، في مشهد يذكر بالأفلام البوليسية. كان الرجلان يسألان الزوّار عن سبب قدومهم ثم يقسمونهم إلى مجموعتين، الصف الأول مخصص للأشخاص الذين سيودعون أموالهم والصف الآخر لمن سيقبض المال.

الساعة تشير الى الثامنة صباحا وقد بدأت الجموع تتوافد على المكان. الوافدون كانوا من النساء والكهول والشباب، موظفون أوعاطلون عن العمل. تختلف الدوافع والأسباب، لكن الكلّ يمني نفسه بربح وفير ومبلغ يبعده عن ضائقة مالية أو يوّفر له بعض المداخيل الإضافية. بدت علامات الغبطة ترتسم على بعض الوجوه في حين بدت الحيرة والقلق تسيطر على أولئك الذين ينتظرون دورهم.

كانت منجيّة تجلس في قاعة الانتظار، تترقب دورها بشغف وكانت بين الفينة والأخرى تسترق النظرات وترمق أولئك الذين تسلموا ما غنموه من أموال. هي امرأة في عقدها الخامس، همست لـ”مراسلون” أنها باعت ما تملكه من مصاغ ذهبي وجلبت معها مبلغ ثلاثة آلاف دينار (حوالي ألفي دولار أمريكي)  كانت تخبئها تحت طيات ثيابها، قالت إنها ستشارك بها في إحدى المسابقات التي وضعتها الشركة وفق جداول وزعت على المشاركين.

منجيّة لم تخفِ قلقها من “تبّخر” المبلغ خاصة أمام حجم الانتقادات الموجهة لمثل هذه الشركات المختصة بجمع الاموال واستثمارها، مضيفة انّ رؤية  بعض الأشخاص الذين قبضوا أرباحهم حديثا طمأنها نسبيا.

تقول “سأقبض المال يوم 25 أوت (آب) وسأحصل على مبلغ سبعة آلاف دينار، وهو مبلغ مهم يمكنني من تسديد ديوني وتجهيز ابنتي التي تستعد للزواج قريبا”.

نزار موظف في إحدى وزارات الدولة، أب لطفلين، يقول إن الحصول على قرض سكني  من البنك يؤدي الى اقتطاع جزء كبير من الراتب، هذا بالإضافة الى الفوائد “المجحفة” التي يتحصل عليها البنك.

ويؤكد نزار على أن هذه الشركة، وبمجرد ان تضع مالك تمنحك أرباحا خيالية وفي ظرف وجيز لا يتعدى بضعة أسابيع. ويعتبر انّ ظهور مثل هذه الشركات سيحل أزمة عديد العائلات في تونس التي تحلم باقتناء مسكن.

وعوضا عن القرض البنكي، قرر نزار بيع سيارته وإيداع  مبلغ مالي يقدر بثلاثة آلاف دينار. وقال ان المال الذي سيجنيه سينفق قسطا منه في اقتناء بعض المستلزمات والبقية سيعيد استثمارها في الشركة من جديد.

كلّما كان المبلغ أعلى كلما كانت الأرباح أفضل، يؤكد نزار، “فعندما تودع ستة آلاف دينار تتحصّل على 15 ألف دينار، وعندما تستثمر 15 ألف دينار ستحصل على 42 ألف دينار ومن يودع 22 ألف دينار يتحصل على 62 ألف دينار”.

إنصاف هي الأخرى موظفة في بنك خاص، كانت من بين الوافدين على الشركة،  تقول إنها تنوي شراء سيارة ولكنها سبق وتحصلت على قرض سكني وهو ما حال دون حصولها على قرض إضافي.

وادخرت انصاف مبلغ خمسة آلاف دينار ولكنها عجزت عن تدبر بقية المبلغ،  وقالت إن ثمن السيارة التي تنوي شراءها  يقدر بـ 22 ألف دينار وبالتالي فهي تعتبر هذه الشركة “منقذا” حقيقيا بمثابة “العصا السحرية” التي ستحل أزمتها.

تقول إنصاف إنها بمجرد أن سمعت في وسائل الإعلام المحلية عن هذه التجربة خامرتها فكرة ايداع جزء من المال الذي ادخرته ويقدر بـ 2800 دينار على أن تتسلم الدفعة الأولى المقدرة بنحو سبعة آلاف دينار في شهر آب/ أوت القادم.

وتتندم هذه السيدة على أنها لم تستثمر أموالها سابقا، مضيفة أنها أودعت مبالغ أخرى بسيطة تقدر بمئة دينار ومائتي دينار على أن تستلم ضعفها في شهر تموز/جويليه، وقالت إن هناك عدة مسابقات مخصصة لشهر رمضان ومنها إيداع 300 دينار وتسلم 750 دينار.

العملية لا تخلو من “الاحتيال”

يقول عبد الستار المبخوتي،  خبير اقتصادي  لـ”مراسلون” انه لا وجود لإطار قانوني ينظم عمل مثل هذه الشركات، وبالتالي هي تنشط دون رقابة من البنك المركزي ودون إشراف من قبل وزارة المالية ولا أي جهة رسمية أخرى. مضيفا ان أيّ نشاط لا بد ان تراقبه الدولة ويخضع لتراخيص وقوانين مضبوطة.

ويرى المبخوتي ان نسبة الأرباح التي تسندها هذه الشركات “غير معقولة” حيث تصل الى مئة بالمئة، مشيرا الى انه “لا يوجد أي مشروع في العالم من شأنه تحقيق مثل هذه الأرباح الخيالية”.

وقال المبخوتي ان ما نلاحظه في تونس هو ضعف السوق المالية وضعف الإيرادات وضعف نسب الفائدة التي تسندها البنوك وهو ربما ما يفسر الإقبال الكبير على مثل هذه الشركات، معتبرا أن هذه الشركات “تستميل ضعفاء الشخصية وتغريهم بهامش الربح الكبير وهو ما يجعلهم يعتقدون ان هذه الشركات قادرة على استثمار أموالهم”، وان العملية لا تخلو من “الاحتيال”، إذ يتم  المال من شخص وإسناده الى آخر وهكذا دواليك.

ويتابع “في يوم ما سيجد صاحب الشركة نفسه غير قادر على التسديد وبالتالي إما أن يفرّ الى الخارج أو يدخل السجن بعد ان تم التغرير بالمواطنين”.

من ناحية أخرى، يرى الخبير الاقتصادي أن نشاط هذه الشركات غير المقنن يحدث في تونس خطير جدا. “فهذه الأموال لا تمرّ عبر البنوك، وبالتالي تؤثر على السيولة وتلحق ضررا بالاقتصاد الوطني ومن شأنها أن تخلق تضخما ماليّا في البلاد”.

ويشير المبخوتي إلى أنّ نشوء هكذا شركات يأتي في سياق التسيب العام الذي عرفته تونس بعد الثورة. وأضاف أنها قد تكون مجرد واجهة لإعادة رسكلة الأموال الفاسدة، “فإمّا أن أموالها متأتية عن طريق تبييض المال أو التجارة في الممنوعات، أوهي  أموال فاسدة مصدرها عمليات قذرة وممنوعة”.

تجميد حسابات بنكية للشركة

ويرى بعض الخبراء ان هذه الظاهرة تشبه كثيرا ما وقع في بداية الثمانينات مع شركة “الريّان” في مصر والتي تمكنت من إغراء الناس واستدراجهم لتغادر البلاد بعد جمعها لأموال منخرطيها. وأنها تذكّر بما حدث في أواخر العشرينات في بعض البلدان الغربية، وخصوصا في الولايات المتحدة الامريكية، عندما تفشّت فيها بعض صيغ التمويل والإقراض الموازية للبنوك، ممّا أدى إلى إفلاس هذه الأخيرة وإفلاس المودعين أيضا.

وقال عادل الرياحي المكلف بالإعلام بوزارة العدل، إن مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي سابقا كان قد توجه بمراسلة أولى إلى المحكمة الابتدائية بتونس تم على إثرها تجميد حسابين بنكيين لشركة “يسر للتنمية” بمبلغ 480 ألف دينار  تونسي.

وأكدّ الرياحي انّ صاحب شركة “يسر للتنمية” عمد الى تغيير نشاط الشركة مدعيا أن نشاطها يتمثل في البحث والتسويق والتنمية. وصرّح أن نشاطه يتمثل في تجميع طلبات المستهلكين وتسويقها كما أن لديه موقع على الأنترنت يزوره يوميا أكثر من 500 ألف شخص.

وقال الرياحي إن محافظ البنك المركزي الحالي قام بمراسلة ثانية إلى وكيل الجمهورية بتاريخ 26 آذار/ مارس 2013  أحيل على إثرها صاحب هذه الشركة على “القطب القضائي” للتحقيق معه.

وتجدر الإشارة إلى أنّ عديد المواطنين قاموا بوقفة احتجاجية أمام القطب القضائي مطالبين بإطلاق سراح صاحب الشركة وهو ما تم بعد ثلاثة أيام على أن تستمر الإجراءات القضائية.

وقال الرّياحي أن النشاط الذي يتعاطاه صاحب الشركة غير قانوني  وان هذا الشخص يعمل على حصد أكبر عدد ممكن من المنخرطين.

وأكدّ الرياحي أن هذه الشركة ترصد أرباحا خيالية للعملاء، ونشاطها فيه مخالفة صريحة للفصل الرابع والسابع من القانون عدد 65 لسنة 2001 والمتعلق ببعث المؤسسات.

كما أشار مصدر مسؤول من البنك المركزي أنّ ملف هذه الشركة هو الآن بيد القضاء والذي أوكلت إليه مهمة اتخاذ الإجراءات القانونية اللاّزمة في شأنها.

الشركة تردّ

وفي رده على معرض الاتهامات والأسئلة المثارة حول شركته قال عادل الدريدي مدير “يسر للتنمية” لـ”مراسلون” انه لا ينوي التغرير بالعملاء والدليل على ذلك ان جميع المنخرطين يتحصلّون على أموالهم في التواريخ المحددة.

[ibimage==7090==Small_Image==none==self==null]

عادل الدريدي

وأشار الدريدي إلى أن البنك المركزي اتهمه بتعاطي نشاط مصرفي، وهو أمر “مخالف للواقع” على حسب قوله. ولفت إلى أن ما يتعاطاه لايعد نشاطا مصرفيا، بل أنه يبيع “بطاقات تنمية” ويوظفها في تأسيس مشاريع.

مضيفا ان “شركة يسر للتنمية بدأت الاستعدادات لبعث مكاتب جهوية في عديد المناطق للحد من الاكتظاظ ولتقريب خدماتها من الزبائن الذين يزورونها من كل حدب وصوب”.

الدريدي أكد أيضا أنه لن يخرج من البلاد ولا القيام بعمليات احتيال، “فمن ينوي الهروب  خارج أرض الوطن أو التغرير بالزبائن لا يستثمر في بلده”، لافتا إلى أنه “لو ثبت وجود أي شبهة من حيث تبيض الأموال أو أموال فاسدة، لكانت أغلقت الشركة منذ مدة”.

وقال “لقد تجاوزنا حاليا الـ 50 ألف مشترك وننوي في المستقبل استقطاب الزبائن من ليبيا والجزائر”.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة “يسر للتنمية” تأسست منذ سنة 2010، وتجاوز عدد المنخرطين بها 50 ألف مشترك وصرح صاحبها عادل الدريدي أنه ينوي الوصول الى 150 ألف منخرط.

……………………………………………

تحديث: الاثنين 24 حزيران/ جوان 2013

تمكنت قوات الامن التونسي مساء السبت 22 حزيران/ جوان الجاري من القاء القبض على عادل الدريدي ووجدته مختبئا في سيارة من نوع “ستافيت” رفقة ثلاث نساء بالقرب من مدينة سوسة الساحلية (100 كلم جنوب العاصمة).

وقد وجهت له تهمة اسناد القروض والحصول على الاموال بطرق غير شرعية، حسب ما اعلن محمد علي العروي الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية.

وكان المتضررون عمدوا الى احراق بيت والدة المتهم بمنطقة الكبارية جنوب العاصمة بعد رواج أخبار حول فرار الدريدي خارج البلاد.

(المحرر)

تحديث: الجمعة 21 حزيران/ جوان 2013

علمت مراسلون  أن المئات من الأشخاص الذين أودعوا أموالهم في شركة توظيف الأموال “شركة يسر للتنمية”،  تجمعوا اليوم الجمعة  21 حزيران/ جوان، (اي بعد اربعة ايام من اصدار التقرير)، أمام مقر الشركة وسط العاصمة، وسط حالة من الهلع والذهول.

فقد تحولوا الى مقر الشركة لسحب أموالهم على إثر رواج أخبار مفادها أن صاحب الشركة عادل الدريدي قد فرّ الى بلد مجاور. وزادت حيرتهم بعد أن وجدوا ابواب مقر الشركة موصدة مع حديث البعض عن أنباء مؤكدة بخصوص سحب الدريدي مبلغا قدره 85 مليون دينار في الفترة الأخيرة.

لكن لم يتسن لمراسلون تأكيد أو نفي هذه الأخبار لأن هاتف الدريدي كان خارج الخدمة. 

(المحرر)