كان الإتحاد العام لطلبة تونس إلي حدود نيسان/ أبريل الماضي يتخبط وسط سيل من الخلافات الداخلية. ويكاد يكون هذا الاتحاد المنظمة الوحيدة التي تأخر انجاز مؤتمرها بعد سقوط حكم بن علي، إذ كان للتجاذبات السياسية داخله الدور الأكبر في ذلك التأخير.
مؤتمران ورئيسان
كان الإتحاد العام لطلبة تونس إلي حدود نيسان/ أبريل الماضي يتخبط وسط سيل من الخلافات الداخلية. ويكاد يكون هذا الاتحاد المنظمة الوحيدة التي تأخر انجاز مؤتمرها بعد سقوط حكم بن علي، إذ كان للتجاذبات السياسية داخله الدور الأكبر في ذلك التأخير.
مؤتمران ورئيسان
بلغ الصراع داخل الإتحاد العام لطلبة تونس حد عقد مؤتمرين، في نهاية شهر أيار/ مايو الماضي. المؤتمر الاول انجزته مجموعة تشكيلات طلابية يسارية وقومية، أبرزها فصيل النقابين الراديكاليين. وقد أفرز هذا المؤتمر الذي اختار شعار “رد الاعتبار للحركة الطلابية”، أمينة عامة على رأسه وهي أماني ساسي.
وأنجز في نفس الفترة فصيل طلابي آخر تكون من اتحاد الشباب الشيوعي (الفصيل الشبابي لحزب العمال، اليساري) “مؤتمر البناء” الذي أسفر عن مكتب ثان برئاسة وائل نوار.
في المقابل يعتبر جزء من المكتب التنفيذي القديم أن المؤتمرين غير قانونيين، ويتمسك بشرعية قيادة المنظمة في انتظار عقد مؤتمر توحيدي.
الخلاف في ظاهره تقني يتعلق بتوقيت وشكل المؤتمر، لكنه في الواقع كان يخفي خلافات سياسية عميقة، لعل أهمها استقلالية المنظمة عن الأحزاب السياسية وعلاقتها بالسلطة.
شاكر العواضي عضو المكتب القديم والذي يشارك في مبادرة للتوحيد يعتبر أن المؤتمرين شكليا مخالفان لقوانين المنظمة وموضوعيا معمقان للأزمة ويخدمان مصالح خصوم الإتحاد.
ويوضح أسباب الأزمة لـ “مراسلون” قائلا “إن تدخل أطراف سياسية لا مصلحة لها في وحدة الصف الطلابي بالإضافة لصراع الجبهات السياسية خارج الجامعة قد أوصل الأوضاع لما هي عليه”.
اتهامات متبادلة
وتقول أماني ساسي من جهتها إن مجموعتها أنجزت مؤتمرا خارج المحاصصة الحزبية شارك فيه الطلاب عبر انتخابات قاعدية.
وتضيف لـ “مراسلون”، “الإتحاد منظمة لا يمكن تطويعها لحسابات انتخابية. نحن ندعم كل مبادرات الوحدة خارج إرادة التوظيف السياسي”.
وحول الاتهامات الموجهة لمجموعتها بالتنسيق مع حركة النهضة تجيب أماني “على كل من يتهمنا بالتنسيق مع النهضة متابعة مواقفنا. فقد كنا أول من تصدى لمحاولة طلبة النهضة وضع اليد على الجامعة في أكثر من مناسبة”.
وتؤكد “ان برنامجنا واضح، وهو رد الاعتبار للطلبة وتحقيق مكاسب اجتماعية للطلاب والتصدي لكل محاولات اختراق منظمتنا”.
وحول المسألة ذاتها يقول وائل نوار أمين عام الاتحاد الذي أفرزته انتخابات المؤتمر الثاني، وهو أحد أبرز وجوه إتحاد الشباب الفصيل الطلابي لحزب العمال “من حقنا كحزب التواجد داخل الإتحاد. وفزاعة التسييس هي فزاعة كان يستعملها بن علي”.
ويضيف “لست في قيادة إتحاد الشباب الشيوعي وسأتفرغ بشكل كامل للأمانة العامة لاتحاد الطلبة. أنا أمين عام كل الطلبة وسأبقى على نفس المسافة من جميع الطلبة”.
يضيف وائل نوار “برنامجنا هو إعادة هيكلة المنظمة وعقد مؤتمر في غضون عام، سيكون هناك ملتقى صيفي لتدارس إمكانيات رأب الصدع داخل الإتحاد”.
الأحزاب على الخط
أزمة الاتحاد ألقت بظلالها على مكونات المشهد السياسي، الذي لم يكن وضعه أقل تعقيدا. وانقسمت الأحزاب بين مساند لأحد المؤتمرين أو داعم لمبادرة المكتب التنفيذي القديم الداعية للوحدة والتي كان قد أطلقها ستة من أعضائه.
وكان المحامي عبد الناصر العويني أحد قيادات الجبهة الشعبية حاضرا في افتتاح مؤتمر “رد الاعتبار” في حين أن الموقف الرسمي للجبهة كان يقضي بالاعتراف فقط بالمؤتمر الثاني أو ما سمي بـ”مؤتمر البناء”.
يطرح هذا الحضور أكثر من تساؤل عن حقيقة الوضع السياسي داخل الجبهة الشعبية.
في الضفة الأخرى للمشهد، لم يكن الوضع داخل “الاتحاد من أجل تونس” أكثر تماسكا. هذا الاتحاد الذي يعتبر القوة الأكثر تأثيرا في صفوف المعارضة، والتي تضم أحزابا ليبرالية ووسطية وهي نداء تونس، المسار الديمقراطي، الحزب الجمهوري، الحزب الاشتراكي، وحزب العمل الوطني الديمقراطي.
وقد شهدت مواقف مكونات هذا الاتحاد هي الأخرى تذبذبا وتشتتا. ففي حين اختار طلبة المسار المشاركة في أشغال “مؤتمر البناء”، انسحب طلبة الحزب الاشتراكي والجمهوري وأعلنوا مساندتهم لموقف المكتب التنفيذي القديم.
وفي الآن ذاته عبرت حركة نداء تونس عن انشغالها بالوضع الداخلي للمنظمة ودعمها لكل جهود الوحدة.
القيادات هي المسؤولة
وحول هذه الخلافات قال سهيل النابلي، أحد مؤسسي جمعية قدماء الإتحاد، في تصريح لـ “مراسلون”، “بعد أن منيت قوي اليسار والديمقراطيون عموما بهزيمة انتخابية في تشرين أول/ أكتوبر 2011 وبعد فسحة أمل منحتها الجبهات السياسية المتشكلة، أعتبر هاذين المؤتمرين انتكاسة”.
مضيفا “إن الصراع داخل المنظمة الطلابية هو صراع خارج التاريخ، ولا قيمة لرهاناته أمام التهديدات لمكتسبات المجتمع”.
يضيف النابلي “من المفزع أن تفشل الجبهة الشعبية التي تطرح على نفسها مهمة توحيد الحركة الديمقراطية في حسم ملف توحيد إتحاد الطلبة، وأعتبر أن هذه صدمة يتحمل مسؤوليتها القيادات السياسية للجبهة الشعبية وسائر القوى الديمقراطية”.
وكان نظام بن علي شن في السابق حربا شرسة لإخماد صوت الحركة الطلابية تواصلت إلى آخر أيامه. وكان أبرز ضحاياها نشطاء الإتحاد العام لطلبة تونس والإتحاد العام التونسي للطلبة المنظمة ذات التوجه الإسلامي التي منحت الترخيص القانوني في 1988، قبل أن يسحب منها في بداية التسعينات مع انطلاق المواجهة بين النظام القائم آنذاك وحركة النهضة.
وحافظ الإتحاد العام لطلبة تونس على الحد الأدنى من إشعاعه خلال أكثر فترات الانغلاق السياسي. وهو ما لم يكن ليمر دون أن يلقي بظلاله علي الوضع الداخلي للإتحاد الذي وجد نفسه مرغما يلعب دور الحاضنة السياسية للأحزاب المحظورة آنذاك.
وفي انتظار تفعيل مبادرات الأحزاب وشقّي المنظمة الساعية للتوحيد يبقي الوضع معلقا وتبدو السنة الجامعية القادمة سنة مليئة بالرهانات.
ويرى مراقبون أن وزارة التعليم العالي التي يشرف عليها القيادي بحركة النهضة المنصف بن سالم، ستتعامل مع هذا الوضع الطلابي بإقصاء الفريقين المتصارعين من أي عملية تفاوضية بتعلة حسم خلافاتهما أولا.
ومن المنتظر أن تتمتع منظمة “الإتحاد العام التونسي للطلبة”، بحكم قربها من حزب النهضة الحاكم ، بتسهيلات ستجعلها منافسا شرسا للإتحاد العام لطلبة تونس الذي يبدو حسم خلافته الداخلية مؤجلا.