رغم اختيار محافظة الإسكندرية عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2008، وعاصمة للثقافة العربية عام 2010، إلا أن قصور ثقافتها الحكومية العشرة تعاني الإهمال الشديد. ويبدو أن وزارة الثقافة المسؤولة أسقطت قصور الثقافة التي تلعب دور المراكز الثقافية من حساباتها، فقد أنهار بعضها، وتدهور حال المتبقي منها، لتطيح معها بأحلام جيل من الأطفال والشباب، الذين كانوا يرون فيها المتنفس الوحيد لقتل أوقات فراغهم.

بيروقراطية قاتلة

رغم اختيار محافظة الإسكندرية عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2008، وعاصمة للثقافة العربية عام 2010، إلا أن قصور ثقافتها الحكومية العشرة تعاني الإهمال الشديد. ويبدو أن وزارة الثقافة المسؤولة أسقطت قصور الثقافة التي تلعب دور المراكز الثقافية من حساباتها، فقد أنهار بعضها، وتدهور حال المتبقي منها، لتطيح معها بأحلام جيل من الأطفال والشباب، الذين كانوا يرون فيها المتنفس الوحيد لقتل أوقات فراغهم.

بيروقراطية قاتلة

[ibimage==6787==Small_Image==none==self==null]

رمضان عبد الحفيظ

رمضان عبدالحفيظ، مخرج مسرحي شاب، 45 عاما، فوجئ بالروتين الحكومي “القاتل” خلال تعامله مع هيئة قصور الثقافة، للحصول على مبلغ 5 آلاف جنيه، قيمة مساهمة الهيئة في إتمام عرضه المسرحي الراقص على أحد مسارحها بالإسكندرية.

يقول عبد الحفيظ، “في عام 2009 قررت مع فرقتي المكونة من 14 ممثل وراقص عرض مسرحية “فتاة للزواج”، وبعد التقدم بالطلب لهيئة قصور الثقافة والحصول على موافقة وتخصيص ميزانية قدرها 5 آلاف جنيه، فوجئنا بروتين قاتل، رغم أن المبلغ المخصص كان قليلا، إلا أننا عندما بدأنا في اتخاذ خطوات صرف الميزانية واجهتنا عدة معوقات منها مشكلات إجرائية، تتطلب الحصول على 22 توقيع على كل مستند، وهو ما تطلب التردد على الهيئة أكثر من 5 أشهر. وعندما أتممنا التوقيعات، فوجئنا باختفاء الملف، وعند الاستقصاء تبين أن الموظف المختص المنتمي للتيار السلفي، قام بإخفائه حتى يتم تأجيل العرض للعام التالي، أو إلغاءه”.

الموظف المختص غير متاح لسؤاله حول أسباب تأخر ملف العرض، لكن عبد الحفيظ مقتنع أن السبب هو اعتبار الموظف أن الفن حرام. وأيا كانت خلفيات الموظف، فقد نجح عبد الحفيظ أخيرا في العثور على الملف وصرف المبلغ المالي قبل نهاية العام المالي بيوم واحد.

ويقول عبدالحفيظ، “عقب ذلك بدأنا في عمل البروفات، وعند موعد العرض فوجئنا بعدم وجود مسرح تابع لهيئة قصور الثقافة يصلح للعرض، فقررنا عرض المسرحية على مسرح الجزويت على نفقتنا الخاصة”.

الحال لم يتغير بعد الثورة

رواية عبدالحفيظ التي حدثت قبل اندلاع ثورة 25 يناير، لم تختلف في مضمونها عن رواية أميرة مجاهد، مسؤولة البرنامج الثقافي بقصر التذوق بسيدي جابر، في فترة ما بعد الثورة.

[ibimage==6793==Small_Image==none==self==null]

قصر التذوق بسيدي جابر

فتقول أميرة إن قصور الثقافة في الإسكندرية تتعرض لإهمال متعمد، تسبب في إغلاق قصور ثقافة الشاطبي، والأنفوشي، ومصطفى كامل، وبيت ثقافة بولكلي، في حين تعاني باقي القصور من إهمال شديد.

قصر ثقافة التذوق الفني هو أحد قصور الثقافة الستة الباقية. لكن تم تحديد نشاطه لأسباب روتينية بحتة، وفقا لـ أميرة. فقد صدر قرار من إدارة الحماية المدنية بإغلاق قصر التذوق في شهر يناير الماضي، بسبب تعطل خط إطفاء الحريق، رغم أن عملية إصلاح خط الإطفاء لم تكلف سوى 40 ألف جنيه، اي حوالي 5700 دولار. وهو الأمر الذي تكرر عند حدوث شرخ في زجاج الباب الرئيسي للقصر، منذ أكثر من شهر، ورغم أن تكلفة استبدال الزجاج لم تتجاوز 600 جنيه، إلا أن القصر ينتظر لجنة معاينة من الإدارة المركزية بالقاهرة حتى يتم استبدال الزجاج، الذي يمثل خطورة على الرواد.

مشكلة أخرى أرهقت ميزانية القصر وأثرت على النشاط هي قيام الهيئة بتعيين 30 موظف جديد بعد الثورة، جعلت الموظفين بالقصر يعتمدون على الجهود الذاتية ومساهمات الرواد في تنظيم الندوات، حتى لا يتم المساس برواتب الموظفين الجدد، حسبما قالت لأميرة.

قرارات على الورق

قصور الثقافة التي ظهرت في الستينات، لتوفير زاد ثقافي لكافة طبقات الشعب، تراجع دورها إذن بشكل كبير في الأعوام الماضية. حال قصر التذوق ليس سوى مثال على الحال الذي آلت إليه بقية قصور الثقافة في الاسكندرية. فلم يتم ترميم ثقافة مصطفى كامل، كما يقول أحمد مبارك، عضو مجلس محلي محافظة الإسكندرية المنحل في عام 2010، بالرغم من صدور قرار من المجلس المحلي بذلك. يخدم قصر ثقافة مصطفى كامل أكثر من 50 ألف شخص بمنطقة باكوس والظاهرية والرمل وشدس، وتعرض للخطر بعد ظهور تصدعات وشروخ خطيرة تهدد بانهياره في أي لحظة، الأمر الذى تسبب في إغلاق المبني واعتباره مخزن للكتب التي تم إهمالها. الأمر الذي تسبب في تحويل المنطقة المجاورة للقصر إلى موقف للسيارات.

[ibimage==6799==Small_Image==none==self==null]

قصر ثقافة مصطفى كامل

الوضع تكرر أيضًا كما يقول مبارك في عملية ترميم قصر ثقافة الأنفوشي، بمنطقة بحري، والذي توقفت عملية تطويره في أعقاب الثورة رغم أنه مقام على مساحة كبيرة، وأصبح منطقة مهجورة في وسط الإسكندرية، بعدما كان منارة للثقافة تخدم أهالي الاسكندرية بأكملها، وأصبح بحاجة ملحة لقرار حاسم لاستكمال انشاءاته.

إصلاحات الهيئة هي السبب

الجهة المسؤولة عن قصور الثقافة هي وزارة الثقافة، لذلك حملنا أسئلة من تحدثنا معهم وانتقاداتهم إلى محمد طرية، وكيل وزارة الثقافة بالإسكندرية، الذي أقر بوجود تراجع في نشاط بعض قصور الثقافة، مرجعا ذلك إلى عمليات الإصلاحات في عدد من قصور الثقافة بالمحافظة موضحًا أن الهيئة تقوم بتنفيذ عملية تطوير شاملة في قصر ثقافة الأنفوشي، لافتًا إلى أنه لا يعلم متى تنتهي عملية الترميم التي توقفت بعد الثورة، وأن ذلك مسؤولية اللجنة المركزية لهيئة قصور الثقافة التي تقوم بعمليات الإصلاح والتطوير.

[ibimage==6805==Small_Image==none==self==null]

قصر ثقافة الأنفوشي

وأضاف طرية، أن الهيئة أعدت خطة شاملة لتطوير قصر ثقافة مصطفي كامل (المتوقف)، والتي ينتظر اعتمادها خلال السنة المالية المقبلة للبدء في تنفيذها فور الاعتماد، خاصة أنه يحتاج لترميمات.

وانتقد ما وصفه بالادعاءات بوجود تراجع في أداء فرع ثقافة الإسكندرية، وقصور الثقافة التابعة له في أعقاب الثورة، مؤكدًا أن جميع القصور تعمل على أكمل وجه، قائلاً: “العمل جار بشكل يومي وبأفضل الأشكال وجميع القصور مفتوحة، وتعمل بكامل طاقتها”، نافيًا خفض الميزانية المخصصة للقصور بالإسكندرية.

ما العمل؟

يلخص رمضان عبد الحفيظ مشكلة قصور الثقافة في ثلاثة معوقات، أولها الروتين، حيث يتطلب الحصول على كم هائل من التوقيعات قبل القيام بأي عمل ثقافي، وثانيها الميزانية المخصصة لقصور الثقافة والتي لا ترقى لمستوى المحافظة وتاريخها الثقافي، فالميزانية المخصصة لفرق القصور 25 ألف جنيه (3500 دولار) في العام، يتم تقسيمها على كافة القصور، وهي ميزانية لا ترقى لتنفيذ أي عمل محترم. المعوق الثالث هو المشكلات الأخلاقية المرتبطة بالموظفين والإداريين والذين يعتبر بعضهم الفن حرام والثقافة “كفر” لذا فإنهم يعطلون أي تقدم للبلاد بسبب أفكارهم الرجعية “المتخلفة”، الأمر الذي يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة للقضاء على البيروقراطية التي تفشت في الهيئة، وتوفير ميزانية تليق بالثقافة في عاصمة الثقافة والمثقفين، حسبما يرى عبد الحفيظ.

وحتى تُحل أزمة قصور الثقافة وتزيد ميزانيتها سيضطر مبدعون مثل رمضان عبد الحفيظ إلى البحث عن أماكن أخرى لتحقيق مشاريعهم الفنية.