مرّت قرابة أربع سنوات على حادثة تفجير قنبلة أمام قيادة الفرقة المدفعية الأولى في مدينة ميلانو بإيطاليا في الثاني عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2009، والتي أسفرت عن إصابة خفيفة لأحد الحراس، فيما أصيب منفذ التفجير بجروح خطيرة في وجهه وذراعه اليمنى.

الشاب الليبي الذي نفذ العملية يدعى محمد الجامعي، وكان يعد العدة لعملية انتقامية من القذافي وبرلسكوني، خطط لها قبل الحادثة بأيام، بينما كانت إيطاليا تستعد للاحتفال بذكرى تسلمها منطقة برقة الليبية من قبل تركيا العثمانية وفق معاهدة لوزان 1912.

مرّت قرابة أربع سنوات على حادثة تفجير قنبلة أمام قيادة الفرقة المدفعية الأولى في مدينة ميلانو بإيطاليا في الثاني عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2009، والتي أسفرت عن إصابة خفيفة لأحد الحراس، فيما أصيب منفذ التفجير بجروح خطيرة في وجهه وذراعه اليمنى.

الشاب الليبي الذي نفذ العملية يدعى محمد الجامعي، وكان يعد العدة لعملية انتقامية من القذافي وبرلسكوني، خطط لها قبل الحادثة بأيام، بينما كانت إيطاليا تستعد للاحتفال بذكرى تسلمها منطقة برقة الليبية من قبل تركيا العثمانية وفق معاهدة لوزان 1912.

وبحسب الصحف الإيطالية التى تناقلت خبر التفجير آنذاك، فقد عثرت السلطات أثناء تفتيش منزل الجامعي على ملف في حاسوبه الشخصي يحتوي على معلومات بشأن تحركات رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني ومعمر القذافي أثناء زيارات الأخير لإيطاليا، بالإضافة لتحركات قادة آخرين في الحكومة الإيطالية.

أما بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز في ذلك الوقت نقلا عن مصادر أمنية، فإن محمد الجامعي (ورد اسمه “محمد غامي” في التقرير) صرخ خلال تنفيذه التفجير: “اخرجوا من أفغانستان”، حيث كانت ايطاليا تنشر 3250 جنديا ضمن القوات الدولية العاملة هناك.

طلباً للرزق

بملامح هادئة ونبرة حزينة تروي هنية البيجو والدة الشاب لـ “مراسلون” قصة ابنها المهاجر، الذي انتهت به الأقدار سجيناً في الغربة إلى أجل غير مسمى، فتقول “لقد دفع الإحباط واليأس اللذان كان يعاني منهما ابني إلى الهجرة خارج وطنه، وكان يرى في الضفة الأخرى ملاذاً وفراراً من واقع ظالم”.

وتضيف البيجو “سافر محمد إلى إيطاليا في عام 2000. كان حينها أباً لطفلين عجز عن تأمين قوتهما في ليبيا، إلا أن زوجته الأولى رفضت السفر معه فانفصل عنها وترك لي ولديه أقوم بتربيتهما منذ ذلك الحين”.

عمل محمد، وهو مواليد 1974، في إيطاليا بمهنة كهربائي آلات. “كان الكل يشهد له بحسن السيرة والسلوك والأخلاق، وبعد ذلك تعلم مهنة كهرباء المنازل، وكان مجتهداً، ويجيد اللغة الإنجليزية والإيطالية بطلاقة”، تقول الأم.

الانفصال الثاني

بعد ذلك تزوج محمد من امرأة إيطالية، وكان لديها طفلان. تقول البيجو “كان يعاملهما كابنيه، وأنجب منها طفلين آخرين (عمر وإسلام)، وأقنعها بدخول الإسلام هي وأولادها، وكان يربيهم تربية إسلامية، وكان يزورني كل عام، وقد كانت آخر زيارة له في عام 2008”.

في عام 2009 بحسب رواية والدته، عاد محمد مع زوجته وأولادهما الأربعة وعاشوا في ليبيا تسعة أشهر متتالية، لكنه ما لبث أن انفصل عن زوجته الثانية، وسافر مرة أخرى تاركاً عمر وإسلام لجدتهما، لتعود زوجته بعد ثمانية أشهر وتستلمهما من مطار طرابلس لأنهما مقيدان في جواز سفرها.

بعد ذلك تعرض محمد لجلطة في الدماغ والقلب، وكان على وشك الموت، “ولكن بقدرة الله أعيد للحياة بالصدمة الكهربائية، وترك العمل في الكهرباء بعد أن أمرت الحكومة الإيطالية بأخذ أطفاله الأربعة بحجة أنه غير قادر على تربيتهم حسب القانون الإيطالي، ورفض العلاج، وكان طول الوقت يفكر بأبنائه” تروي والدته.

تؤكد هنية البيجو أنه وبشهادة النائب العام الإيطالي أرماندو سباتار لم يكن محمد منضماً إلى أي تنظيم إرهابي، وأن ما قام به هو “محاولة فردية للتخلص من القذافي وسيلفيو برلسكوني”.

أسير حرب

الوالدة التي تعتقد أن الإحباط وسوء الظروف المعيشية هو ما دفع ابنها للإقدام على هكذا عمل، خاصة وأنه كان يُحمِّل رأس الدولتين التين “ظلمتاه” مسؤولية ما وقع له، تقدمت بعد انتصار الثورة بطلب إلى رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، تناشده فيه النظر في ظروفها.

فالأم التي تربي حفيدين لولد غائب ليس لديها أي معاش تتقاضاه من الدولة، وتعيش مع الطفلين ظروفاً مادية وعائلية صعبة.

وبحسب روايتها فقد حرر لها عبد الجليل رسالة مفادها أن محمد “هو أحد الأسرى الليبيين في إيطاليا، وأن السلطات الليبية تعتبره أسير حرب” حسبما قالت هنية البيجو.

وأكدت أن المستشار مصطفى عبد الجليل وعدها في رسالته بحل المشكلة، لكن وعوده لم تتحقق، وبذلك تناشد كل “المنظمات الإنسانية والحقوقية ورجال الدولة بليبيا تأمين الاتصال الهاتفى مع ابنها للاطمئنان على صحته، خاصة أنه كفيف البصر، ومبتور اليد”، تقول الأم.

من جانبه قال رئيس المؤسسة الليبية العالمية لحقوق الإنسان أحمد الشامي، إن الجامعي “يُعتبر من ضمن السجناء السياسيين الليبيين في الخارج، ويشمله حق مطالبة الدولة الليبية به والدفاع عنه أسوة بباقي السجناء، مثل سجناء العراق وغوانتانمو وغيرهم”.

وأضاف الشامي الذي يعمل بمنصب أمين سر لجنة متابعة السجناء السياسيين الليبيين في الخارج أن “اللجنة ستعمل على مساعدة أهل السجين وذويه، في حال قامت العائلة بتزويدنا بملف كامل تفصيلي عن وضعه، حتى يتسنى لنا متابعته من خلال التنسيق مع السلطات الإيطالية”.

مختل عقلياً

يروي هشام – الأخ الأصغر لمحمد – خلال لقاء “مراسلون” بالعائلة “قبل الحادثة اتصل بنا محمد وقد كان منشغلاً على أطفاله، بعد أن أخذتهم السلطات الإيطالية بحجة عدم قدرته على رعايتهم، ولم يذكر لنا شيئاً عن الموضوع”.

ويكمل “بعد الحادثة بحوالي ست ساعات، اتصل بي شخص من جهاز الأمن الداخلي السابق، وطلب مني الحضور للتحقيق معي بخصوص الحادثة بعد أن أعلمتهم السلطات الإيطالية بها، واستمر التحقيق معي أربعة أشهر متواصلة”.

يقول هشام إنهم علموا بعد ذلك من المحامي الذي كلفته الحكومة الإيطالية للدفاع عن محمد، بأن الحكومة الليبية أرسلت مذكرة إلى النائب العام الإيطالي تفيد بأن محمد كان مريضاً ومختلاً عقلياً.

إلا أن المحامي بحسب هشام رفض أن يتبنى هذا القول خاصة وأن محمد اعترف بالجرم أمام المحكمة وهو في كامل قواه العقلية، بل تبنى وجهة نظر تقول بأن “موكله قام بالعملية من أجل بلاده، ولو أنه مريض لما استطاع صناعة قنبلة بهذه الدقة”.

وقد باءت كل محاولات “مراسلون” للتواصل مع المحامي أو مع السفارة الليبية في إيطاليا بالفشل، لاستيضاح الوضع الحالي لمحمد وإن كانت هناك متابعة لحالته.

اعتراف بالجرم

يؤكد هشام لـ “مراسلون” أن محمد اعترف بصناعة القنبلة وتفجيرها، وكذلك بتزوير بطاقة ميكانيكي يعمل في الصيانة في معسكر فيا بيروشيتي – المستهدف بالتفجير – حتى يتمكن من الدخول دون أن يوقفه أحد، وبعد تجاوزه البوابة بمسافة قليلة فجر صندوق الأدوات الذي كان يحمله في يده، ما أدى لفقدان بصره وبتر يده.

ويضيف هشام “اعتراف محمد بكل هذه الوقائع كان دافعاً للحكم عليه بالسجن لمدة أربع عشرة سنة، فيما حكم على جاره (محمد كمال) – مصري الجنسية – بأربع سنوات، وتأجل الحكم على جاره الليبي (إسرافيل)، والمتهمين بالتواطؤ معه”.

لدواعي إنسانية

يعتقد القاضي والمستشار القانوني سليمان ذوقة أن هناك حلين لمشكلة محمد “الأول والأكثر يسراً هو توقيع اتفاقية تبادل سجناء بين ليبيا وإيطاليا بحيث يتم إحضاره ليقضي بقية العقوبة في ليبيا، أما الثاني فعن طريق اتصالات الدولة الليبية مع السلطات الإيطالية أو بواسطة مكتب محاماة في إيطاليا؛ لبيان الظروف الصحية والتماس طلب تكملة العقوبة في ليبيا أو العفو عنه لدواعي إنسانية”.

فيما يعتبر الناشط الحقوقي‏ في ‏القضاء الليبي وحقوق الإنسان منير الطشاني أن قضية محمد هي “قضية رأي عام، ولابد من الضغط على الحكومة للمطالبة به، حتى وإن كان مسجونا وضده حكم، فهو إنسان من حقه الزيارة والرعاية الطبية، وهي تضمنها الاتفاقات الدولية”.

ويضيف الطشاني “لابد من تقديم شكوى كتابية من عائلة الجامعي مرفقة بكل المستندات للمجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ لغرض مساعدتها في رؤية ابنها، والاطمئنان عليه، ومن ثم يقوم المجلس بمتابعة الملف إلى جانب تكثيف الضغط الإعلامي، والاستعانة بمؤسسات المجتمع”.

حتى اليوم، وطيلة فترة سجنه لم يتسَن لعائلة الجامعي الاتصال بابنهم أو الاطمئنان عليه، فيما يبقى تاريخ الحادثة نقطة مفصلية في حياتهم، وحياة طفلين سيظلان ينتظران رؤية والدهما الذي لن يراهما مجدداً.