“بعد عقود من الدكتاتورية والفساد، من البديهي أن يرغب الليبيون في استبعاد المتورطين في انتهاكات الماضي من صفوف القادة الجدد، لكن ينبغي أن يستند الحظر المفروض على المناصب العامة والعليا إلى مخالفات يمكن إثباتها، وليس مجرد ارتباط عام بالنظام السابق”، تقول منظمة هيومن رايتش ووتش.

“بعد عقود من الدكتاتورية والفساد، من البديهي أن يرغب الليبيون في استبعاد المتورطين في انتهاكات الماضي من صفوف القادة الجدد، لكن ينبغي أن يستند الحظر المفروض على المناصب العامة والعليا إلى مخالفات يمكن إثباتها، وليس مجرد ارتباط عام بالنظام السابق”، تقول منظمة هيومن رايتش ووتش.

لطالما كان مطلب العزل السياسي متفقاً عليه في الشارع الليبي ونادراً ما تجد من يخالفك الرأي حوله، إلا أن الأسلوب التي تم به فرض التصويت على القانون من قبل بعض الكتائب المسلحة التي حاصرت الوزارات، وصفت النعوش الفارغة أمام قاعة المؤتمر الوطني العام لتهديد أعضائه في حال صوتوا بـ”لا”، ظل محل خلاف وجدل كبيرين.

ونتيجة لما تم من ضغط مباشر وغير مباشر على المؤتمر، فقد صدر قانون العزل السياسي فعلاً بتاريخ 5 أيار/ مايو 2013، في جلسة صاخبة بثت على الهواء وأثارت الجدل.

فجر قنبلة

بعد مضي أسبوعين على جلسة إقرار القانون فجر تحالف القوى الوطنية – صاحب أكبر عدد مقاعد في المؤتمر –قنبلة، بكشفه عن حدوث تزوير في مواد قانون العزل السياسي بعد التصويت عليه.

وبين التحالف أن النسخة التي تم تعميمها على الجهات التنفيذية والقضائية تختلف عن النسخة التي جرى التصويت عليها يوم 5 مايو، والتي تلاها السيد جمعة عتيقة نائب رئيس المؤتمر والرئيس الحالي المؤقت.

وكشف عضو المؤتمر الوطني العام عن تحالف القوى الوطنية توفيق الشهيبي خلال مؤتمر صحفي رفقة عدد من أعضاء التحالف عن أكثر من 14 تغييراً، من استبدال لكلمات وجمل أو إضافة أو إلغاء أخلت في بعض المواقع بمعنى المادة، أو أقصت فئات بانطباق القانون عليها أو ثبتت أخرى بعدم انطباقه.

أيادٍ خفية

يقول ابراهيم الغرياني عضو المؤتمر الوطني العام عن تحالف القوى الوطنية لـ “مراسلون” إن “الجرم الحقيقي” ليس في تغيير المعاني أو بقائها كما هي عليه، بل إنه “يكمن في وجود أيادٍ خفية سرقت الشرعية وغيرت وأضافت واستبدلت مواد وفقرات القانون في الخفاء، ودون علم أعضاء المؤتمر الوطني أصحاب الشرعية العليا في الدولة الليبية”.

كما صرح الغرياني أن الآلية التي تم بها التصويت لم تكن وفق الاتفاق المعقود بين الكتل والأحزاب والأعضاء فقرة فقرة أو مادة مادة، بل كانت عشوائية، وطالب المؤتمر الوطني العام بالتحقيق في قضية التزوير.

الغرياني عدد مواضع التغيير في القانون والتي بدأت من ديباجة القانون التي أضيفت لها جملة “لدواعي المصلحة العامة” والتي لم تكن موجودة في النسخة المصوت عليها.

إضافة وتلاعب

كما عرج على نقاط أكثر خطورة مثل الفقرة الرابعة من الفئة الأولى من المادة الأولى التي تنص على عزل “رؤساء وأمناء الأجهزة أو الهيئات أو المؤسسات التابعة لما يسمى مؤتمر الشعب العام أو اللجنة الشعبية العامة أو مجلس الوزراء أو مجلس قيادة الثورة”، حيث تم إضافة كلمتي رؤساء “المصالح والمجالس”، ليتم ضم هاتين الفئتين إلى المستهدفين بالعزل بعد التوقيع على القانون.

وكذلك الفقرة السادسة التي أضيف إليها مندوبو ليبيا لدى المنظمات الدولية والقناصل، والفقرة السابعة من ذات المادة التي أضيف إليها وكلاء عمداء الجامعات.

ولم يتوقف التزوير بحسب الغرياني على إضافة فئات إلى القانون، بل تم التلاعب ببعض العبارات مثل الفقرة الثالثة في الفئة الثانية التي تنص على عزل كل من “اتخذ موقفاً معادياً لثورة 17 فبراير بالفعل أو التحريض أو الدعم المادي”، حيث حذفت “الدعم المادي” واستبدلت بـ “الاتفاق أو المساندة” أي إقصاء فئة وتثبيت فئة أخرى.

نية مبيتة

تحالف القوى الوطنية كان قد وجه مذكرة لرئيس المؤتمر الوطني العام بالخصوص، قال فيها إن هذا التزوير “يعد عيباً جوهرياً في القانون”، وأوضح أنه إذا ما ثبت “التعمد” في التغيير بعد التصويت فإن الأمر “يرقى إلى جناية تزوير في محررات رسمية”، مضيفاً أن هذه التعديلات اتسمت بـ”الانتقائية” وانطوت على “نية مبيتة وقصد جنائي واضح”، بحسب المذكرة.

إلا أن المؤتمر الوطني العام كان قد اتخذ قراراً في نيسان/أبريل 2013 بتحصين قانون العزل السياسي قبل أن يصدر القانون، ويقضي القرار بتحريم الطعن في القانون لدى القضاء، ما اعتبره كثيرون خرقاٌ للإعلان الدستوري وحرماناً للمواطنين الليبيين من أحد أهم حقوقهم وهو حق التقاضي.

ويقول الناشط الحقوقي عمر الحباسي معلقاً على قانون العزل الذي تم إقراره أن “النص القانوني كان من المفترض أن يكون جامعاً مانعاً، وألا يحمل معانٍ أخرى، ولاينبغي أن يكون قابلاً للتأويل، وأن يقوم بصياغته خبراء في القانون متفرغون لهذا الشأن، لا أن يكتب من قبل اللجنة القانونية والتشريعية بالمؤتمر والذين هم أعضاء في المؤتمر وبعضهم له انتماءات سياسية ربما تؤثر في صياغة القوانين”.

ولد ميتاً

ويضيف الحباسي لـ “مراسلون” أن “التعديل الذي طرأ على الإعلان الدستوري والذي سمي بتحصين قانون العزل من الطعن عليه هو في حد ذاته معيب، لأن المادة 33 الفقرة الثالثة من الإعلان الدستوري التي ترسم مبدأ الدستورية الذي يفترض الاحتكام إليه والعمل به، ذكرت أنه لايجوز أن ينص في القوانين على تحصين أي قرار من رقابة القضاء، وهدا النص لم يخضع للتعديل، بالتالي فقرار التحصين ولد ميتاً”.

ويؤكد الحباسي أنه إذا ماتم الطعن أمام المحكمة العليا “وتعاملت المحكمة مع هذا الطعن بقانونية، ونظرت للأمر بزاوية قانونية دستورية سينتج عن ذلك الحكم بعدم دستورية تحصين العزل السياسي” بحسب قوله.

هذه “السابقة” كما يصفها أعضاء التحالف قابلها أعضاء المؤتمر بالصمت وعدم التعليق، إلا أنها تثير تساؤلات ستبقى برسم الإجابة عمن كان وراء هذا التزوير، وعن كون هكذا حوادث وقعت من قبل مع قرارات المؤتمر الوطني السابقة، وما الذي يمنع المؤتمر من اتخاذ إجراء يكشف الحقيقة كأن يكلف لجنة للتحقيق في الموضوع تضع المواطن الليبي في صورة ما يحدث مع من انتخبهم ممثلين عنه. أم أن هناك ما يفرض عليهم الصمت وعدم الاعتراض؟