بعد مرور شهرين على تولى المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية أطلّ سامي الرمادي، رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية، ليوجه اتهاما هو الاول من نوعه ضد رئيس تونسي بـ” إهدار المال العام”. وذلك على خلفية ما اعتبره “سوء تصرف مالي رافق اول رحلات رئيس الجمهورية” الى خارج البلاد. وتتالت اتهامات الرمادي لرموز دولة ما بعد الثورة بالفساد وسوء التصرف.

التقى موقع “مراسلون” الدكتور سامي الرمادي، رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية، فكان الحوار التالي:

بعد مرور شهرين على تولى المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية أطلّ سامي الرمادي، رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية، ليوجه اتهاما هو الاول من نوعه ضد رئيس تونسي بـ” إهدار المال العام”. وذلك على خلفية ما اعتبره “سوء تصرف مالي رافق اول رحلات رئيس الجمهورية” الى خارج البلاد. وتتالت اتهامات الرمادي لرموز دولة ما بعد الثورة بالفساد وسوء التصرف.

التقى موقع “مراسلون” الدكتور سامي الرمادي، رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية، فكان الحوار التالي:

يلاحظ المتابع لصفحتك على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” انتقاداتك المتواصلة للرئاسات الثلاث، رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس التأسيسي، لماذا؟

أعتبر أن الرئاسات الثلاث مطالبة بأن تدرك اليوم أنها ملزمة بالإجابة على الاسئلة المتعلقة بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بملف سوء التصرف والفساد.

هل نفهم من خلال كلامك هذا وجود حالات فساد مالي في تونس ما بعد الثورة؟

طبعا، فقد رصدت جمعيتنا (الجمعية التونسية للشفافية المالية) وجود عدد من التجاوزات في هذا الشأن، وبعض الممارسات التي تتنافى مع مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص، منها مثلا إبرام عقود صفقات عمومية وتنفيذها دون الإعلان عن طلبات عروض، وهو ما يعد مخالفة صريحة للقانون التونسي الذي نصّ على أن يوكل تنفيذ مشاريع تمولها الدولة لصاحب أفضل عرض.

ولا تتوقف حالات تجاوز القانون عند هذا الحد بل تشمل أيضا عمليات انتداب الموظفين العموميين في  الوزارات والإدارات التونسية “دون إجراء مناظرة (مسابقة) وطنية” طبقا لما ينص عليه قانون الوظيفة العمومية. بل إن التعيينات والتسميات في الوظائف العليا والعمومية تخضع للولاءات. وما إعلان الحكومة المؤقتة عن انتدابها 12 الف موظف جديد وإلحاقهم تحت مسمى “عائلات الشهداء والجرحى”، إلا دليل على وجود تلاعب. فعدد شهداء الثورة التونسية هو 300 شهيد ومئات من الجرحى.

ما تقوله خطير ويعد اتهاما واضحا للحكومة، فهل لديك اية إثباتات على هذه التصريحات؟  

نحن لا نلقي التهم جزافا، وجمعيتنا تملك وثائق ومراسلات تثبت ذلك، من بينها مراسلة صادرة عن رئاسة الحكومة وموجهة إلى إدارة عمومية تأمر المسؤول فيها بتوظيف “فلان” وأفضل التحفظ على ذكر الاسم. وأنبه إلى أن استمرار اتباع هذه السياسة “الإرضائية” في انتداب موظفين بالمؤسسات العمومية سيغرق البلد في أزمة، وسيضاعف نفقات التصرف المثقلة بطبيعتها بأجور 581 الف موظف عمومي، أي أن نسبة أكثر من 5 %من تعداد السكان يشتغلون في الوظيفة العمومية وهو ما يعتبر مؤشر أزمة.

بعيدا عن الصفقات العمومية والتعينات في القطاع العام، أين تكمن مظاهر الفساد المالي وسوء التصرف برأيك؟

إنها تكمن كذلك في تجاوز أعضاء الحكومة أنفسهم القانون، وعدم احترامهم مثلا للفصل القانوني المتعلق بوجوب تصريح كبار موظفي الدولة عن ممتلكاتهم وممتلكات ازواجهم وابنائهم القاصرين. وحتى أعضاء الحكومة الذين صرحوا بممتلكاتهم “تغافلوا” عن التصريح بممتلكات أقاربهم، وهو ما يضع نقاء ذممهم المالية محل تساؤل.

هل تقصد بهذا الكلام أنكم تشككون في نزاهة الذمم المالية لأعضاء الحكومة؟

بالطبع، وأكبر دليل على ذلك هو أنهم لم يقدموا تصريحا بممتلكاتهم لأنهم قدموا أنفسهم للتونسيين  كفقراء، في حين أنهم من الأثرياء ولهم شركات في الخارج. وإعلانهم عن حجم ثرواتهم الحقيقية، سيفقدهم صفة “الزوالي” (أي الفقير) لدى الشعب.

مآخذكم على الحكومة لا تتوقف عند امتناع أعضائها عن الاعلان عن ممتلكاتهم بل تتعداها الى ممارسات الحكومة وبرامجها، اليس كذلك؟

هذه الحكومة تنتظر اقتراب موعد الانتخابات لتطلق مشاريع تنموية في الجهات وتصرف المستحقات المالية للعائلات المعوزة لشراء ذمم الناخبين، وما استخدام الاموال العامة في الحملة الانتخابية، إلا شكل من أشكال الفساد المالي.

وأنا أستنكر الخلط الموجود حاليا بين عضوية الحكومة وعضوية المجلس التأسيسي، وأعتبره تداخلا بين السلطات ومواصلة لتضارب المصالح. هذا بالإضافة إلى استمرار بعض الوزراء في ممارسة أنشطة اقتصادية وتجارية مما يضعهم محل تساؤل، وما الصمت عن هذه الممارسات إلا فساد نتيجة الموالاة.

الاتهام بالمحاباة وجهتموه كذلك إلى المعهد الوطني للإحصاء، ما سبب ذلك؟

جل الاحصائيات الرسمية المعلنة في الفترة الأخيرة محل شكوك وخاصة تلك الصادرة عن المؤسسة العمومية، وهي المعهد الوطني للإحصاء، تخضع للولاءات وحجتنا في ذلك هي تناقض الإحصائيات والأرقام التي قدمتها تونس لصندوق النقد الدولي والإحصائيات التي سوقتها داخليا، خاصة في ما يتعلق بتوقعات نسبة النمو ونسبة البطالة والتضخم المالي. ومن المخجل أن يتم هذا التلاعب بالنسب والأرقام من قبل حكومة ما بعد الثورة.

انتقاداتكم لم تقتصر على الحكومة بل طالت كذلك رئاسة الجمهورية، فماهي مآخذكم على الرئيس المرزوقي، ولماذا اتهمتموه بإهدار المال العام؟

لقد تضاعفت نفقات مؤسسة الرئاسة عما كانت عليه في حكم بن علي. حيث تبلغ حاليا ميزانية رئاسة الجمهورية 71 مليون دينار (نحو 50 مليون دولار) أي بارتفاع يقدر بـ7% عما كانت عليه قبل الثورة، وذلك رغم أن دورها اليوم “صوري”. وهذه الزيادة ليست إلا استعداد لتمويل الحملة الانتخابية القادمة لرئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي بالمال العام، لذلك أنا اعتبر المرزوقي انتهازيا لانه يستغل عددا من الملفات الوطنية سياسيا ولفائدته.

أرجو منك أن توضح لنا أكثر هذه الفكرة؟

لقد استغل (الرئيس المرزوقي) مثلا قضية تسلم تونس الدفعة الاولى من الأموال المنهوبة التي قد يكون الرئيس السابق زين الدين بن علي وعائلته قد هربوها. حيث عمد في تصريحاته إلى تغييب الأطراف التي عملت بالفعل على استرجاع هذه الأموال وعلى رأسها، محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري، وحرص في المقابل على إظهار الدور القطري.

كما تجاوز القانون الذي ينص على أن يسلم محامي الأمم المتحدة “صك الأموال المهربة” الذي تسلمه من السلطات اللبنانية إلى وزير العدل التونسي المكلف بهذه المهمة وليس لرئاسة الجمهورية التي تدخلت على الخط ووظفت سياسيا عمل الآخرين وسارعت هي بتسلم الصك. وهذه تصرفات غير معقولة وغير مقبولة تنم عن شخصية انتهازية للرئيس المؤقت.

وتصرفات المرزوقي بخصوص ملف استرجاع الاموال المنهوبة أغضبت أيضا بعض المسؤولين السويسريين، خاصة حينما انتقد في تصريحاته نسق عمل السلطات السويسرية في استرجاع الأموال المنهوبة. في حين أنّ السلطات السويسرية، وبفضل تدّخل جمعيتنا، أبدت تجاوُبها مع ملف الأموال هذه على عكس بعض البلدان. لقد عملت أطراف عديدة منذ الثورة على استرجاع الأموال في الوقت الذي كان فيه المرزوقي مشغولا بحملته الانتخابية.

ما هي تقديراتكم لحجم الأموال المهربة والمودعة في بنوك في أوروبا؟

يبلغ حجم الحسابات البنكية الاسمية المودعة بالبنوك السويسرية نحو17 مليون دينار( أكثر من 10 مليون دولار)، يضاف إليها أكثر من 5 مليار دينار مودعة في بنوك مختلفة في اوروبا. في حين تؤكد التقارير الرسمية الصادرة عن لجان التحقيق أن حجم ثروة رموز النظام السابق المهربة إلى الخارج تقدّر بـحوالي 112 مليار دينار.

هذا بالنسبة إلى رئاستي الحكومة والجمهورية، فما سبب اتهامكم أيضا للمجلس التأسيسي بنهب المال العام والتوظيف السياسي؟

لقد انقلب المجلس التأسيسي إلى سلطة تحكم البلاد، في حين تم انتخابه من أجل صياغة الدستور، وهو ما يعتبر انقلابا وخديعة من قبل السياسيين. فقد تعهدت الأحزاب بأن تكون مدة عمل التأسيسي عاما واحدا، لكن أشغاله تواصلت إلى اليوم بحجة أنه سيد نفسه. كما أن مسودة الدستور الثالثة التي تم إعدادها كلفت التونسيين بـ 114 مليون دينار. هذا بالإضافة إلى تلاعب مكتب المجلس الوطني التأسيسي في الأموال العامة ورفعه لقيمة منح وامتيازات أعضائه رغم الوضع الاقتصادي الراهن والصعب.

ما السبيل لمقاومة الفساد حسب رأيكم؟

يشترط ذلك أن يكون القضاء مستقلا وليس خاضعا للسلطة التنفيذية كما هو الحال اليوم. أما الشرط الثاني، فهو توفر حرية الصحافة والتعبير التي هي اليوم مهددة. ويتمثل الشرط الثالث في وجوب الفصل بين السلطات فلا يمكن مقاومة الفساد في ظل تداخل السّلطات.

لذلك أرى أنه من الضروري إحداث هيئة لمكافحة الفساد، هذه الهيئة التي ترفض السلطة السياسية في تونس اليوم إحداثها وتعطّل تفعيل المرسوم 120 المتعلق بها رغم المصادقة عليه منذ حزيران/ جوان 2012.

وما هي ضمانات عدم اختراق هذه الهيئة أو وقوعها في الفساد هي أيضا؟

يجب أن تكون هذه الهيئة مستقلة ماليا وإداريا لتتمكن من أداء وظيفتها على أكمل وجه، لا أن تكون تحت إشراف وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد. وهنا لا يفوتني أن أوجه انتقادي لهيمنة السلطة السياسية على الهيئة العليا للرقابة المالية، وإفقادها لصلاحية التعهد الذاتي. وقد أدى ذلك إلى فضح تونس بين دول العالم بسبب قضية إهدار المال العام الموجهة ضد وزير الخارجية السابق، رفيق عبد السلام بوشلاكة، صهر راشد الغنوشي زعيم النهضة، والتي لم يقع الحسم فيها إلى اليوم نتيجة غياب الاستقلالية في عمل الهيئة.