معظم هؤلاء الأطباء السوريين قدموا للمدينة الواقعة على الحدود مع مصر كلاجئين من الحرب الدائرة في بلادهم، قبل أن يعملوا بعقود عمل مع مركز طبرق الطبي –أكبر مستشفيات المدينة– والذي لا يتبع وزارة الصحة، أو متعاونين مع بعض العيادات الخاصة.

معظم هؤلاء الأطباء السوريين قدموا للمدينة الواقعة على الحدود مع مصر كلاجئين من الحرب الدائرة في بلادهم، قبل أن يعملوا بعقود عمل مع مركز طبرق الطبي –أكبر مستشفيات المدينة– والذي لا يتبع وزارة الصحة، أو متعاونين مع بعض العيادات الخاصة.

يتعرض الأطباء السوريون المتعاقدون مع المركز اليوم لهجوم حاد من زملاء المهنة، الذين يشككون في آلية التعاقد مع هؤلاء الأطباء الذين لم تشكل لجان لتقييمهم وتحديد مستوى كفاءاتهم، كما يشتكون مما اعتبروه تمييزاً ضد الأطباء الليبيين في الرواتب، فضلاً عن شكوى الصيادلة الدائمة من كتابة السوريين للوصفات الطبية باللغة العربية وعدم استخدامهم الأسماء العلمية للأدوية.

وصفات مخالفة

الدكتور حسين الرويعي عضو نقابة الصيادلة بطبرق ومسؤول بمخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة، وهو من أقدم وأشهر الصيادلة في المدينة، يقول لـ “مراسلون”، “هم لا يتقيدون بالشروط العلمية الصحيحة لكتابة الوصفات الطبية مثل كتابة العمر والجنس والوزن والتاريخ والتوقيع والختم الرسمي، بل أن الوصفات تأتي للصيدليات مكتوبة باللغة العربية، وأحيانا تكتب بقلم رصاص وهذا مخالف للعرف الصيدلي والطبي”.

كما يشتكي الصيدلاني خليفة غريبيل لـ “مراسلون” من مشاكل في صرف أدوية المرضى بناء على وصفات طبية مكتوبة باللغة العربية.

ويضيف “بعض الأطباء السوريين لا يكتبون أية تفاصيل، فمثلاً نجد عبارة “خافض حرارة” وهذه جملة مبهمة بالنسبة لي كصيدلي، حيث يجب كتابة اسم الدواء باللغة الإنجليزية وبالاسم العلمي لا التجاري وتحديد جنس وعمر المريض”.

ويضيف “كما يجب كتابة أية ملاحظات دونت أثناء التشخيص وهو ما لايتقيد أغلبهم به، فمثلاً كثيراً ما كانت تصلني وصفات لأدوية محظورة لا تصرف إلا بعد علاجات أولية مثل Tramadol-Obreval-Valium”.

عمل من دون ترخيص

حسين الرويعي يذهب أبعد من ذلك حين يشكك قائلاً “في مثل هذه الظروف التي تمر بها سوريا يسهل جداً على الكثيرين تزوير الشهادات، خاصة أن كثيرا من الإدارات في طبرق تعاقدت مع بعض الأطباء من باب الثقة دون التأكد من الوثائق أو مراسلة الجامعة التي منحت الشهادة كما هو متعارف عليه”.

الرويعي يعتبر استجلاب هؤلاء الأطباء خطأ فادحاً لأنهم دخلوا كلاجئين عبر المنافذ البرية للبلاد وليس بتأشيرة عمل رسمية يمكن معها تحميل سفارة بلادهم مسؤولية أية أخطاء يقترفونها.

ويؤكد أن بعضهم عمل لفترة طويلة دون عقد عمل رسمي في عيادات خاصة وحكومية ولم يوقع عقوداً سوى في الأشهر الثلاثة الأخيرة، و”بأضعاف الرواتب التي تعطى للأطباء الليبيين دون النظر لمسألة الكفاءة والخبرة”، حسب قوله.

رفض التعميم

الدكتور إيهاب جمعة الشاعري، طبيب أخصائي بأمراض المسالك البولية يرفض التعميم، ويرى أن من بين الأطباء السوريين أكفاء سدوا ثغرات في بعض الأقسام، كما أن بينهم من كان عبئا على الأقسام التي عمل بها وارتكب أخطاء فادحة.

ويستطرد “لقد تعاملت مع أحدهم وكان لا يجيد اللغة الإنجليزية، ولكنه كان ذو كفاءة عالية وخبرة كبيرة”.

وحيث لايعترض على توظيف أطباء سوريين من حيث المبدأ ولا يعتبر أن موضوع اللغة يشكل عائقاً، يتفق إيهاب مع الرويعي على ضرورة تنظيم عملية استجلاب العمالة وتوقيع العقود.

مرتبات كبيرة

من جانبه يتهم الطبيب المقيم بقسم الجراحة العامة بمركز طبرق الطبي منير يونس بكار الأطباء السوريين المتعاقد معهم في المركز بعدم الكفاءة، وبمعاملتهم “غير الإنسانية” للمرضى على حد تعبيره.

بكار اعترض أيضا على ما وصفه بالمبالغ الكبيرة الممنوحة لهم والتي تصل بحسبه إلى 5000 دولار أمريكي في الشهر، في حين أن رئيس قسم الجراحة في المركز الطبي بطبرق مع خبرة تفوق 22 سنة لا يتقاضى سوى 1700 دينار ليبي أي ما يعادل 1300 دولار.

وأضاف “أنا شخصياً أعمل حاليا متعاوناً مع مركز طبرق الطبي، وراتبي الذي لم أستلمه منذ أربعة أشهر لا يكاد يذكر أمام المبالغ التي تمنح للسوريين”.

واستغرب من توظيف الإدارات الطبية “لأطباء دخلوا البلاد دون جوازات سفر عن طريق منفذ مساعد وأحيانا عبر الصحراء ودون عرضهم على لجان مختصة”.

كفاءات كبيرة

من جانبه يدافع مدير مركز طبرق الطبي الدكتور سعيد حماد في تصريح لـ “مراسلون” عن تعاقد المركز مع الأطباء السوريين، ويصف الـ30 طبيباً سورياً الموجودين بالمركز بأن “منهم من لديه كفاءة وخبرة مميزة وقد قدموا إضافة للأقسام التي وظفوا بها، ونصبنا بعضهم كمدراء أقسام ممن لا يوجد لهم نظراء من الأطباء الليبيين في طبرق أو حتى على مستوى المنطقة الشرقية”.

حماد يضيف “نتعاقد معهم بما يتوافق مع لوائح وقوانين المركز الطبي، وهناك لجان مختصة تقوم بتقييمهم وتصنيفهم حسب الكفاءة والخبرة والتخصصات، فمعظمهم أعضاء بالزمالة العربية للأطباء ومقرها سوريا ومنهم من اختارته لجان مختصة بالأردن”.

أما عن تفاصيل التعاقد فيقول حماد “إلى غاية الآن لم نصرف رواتب لأي طبيب سوري، وكل ما يحصلون عليه مجرد سلف بسيطة لأننا لا نزال بصدد تنظيم العقود، ولذلك سمحنا لهم بالعمل في العيادات الخاصة خارج مواعيد الدوام الرسمي بالمركز”.

حسب الكفاءة

وبخصوص الشكوى من ارتفاع المبالغ الممنوحة لهم يقول حماد “ذلك ليس غريباً، فالرواتب تمنح حسب الكفاءة وهناك من الأطباء السوريين من يستحق أكثر، ومنهم من يتقاضى راتب أعلى من راتبي شخصيا وأنا المدير العام للمركز، هذه عقود خاصة وتخضع للوائح وقوانين تختلف عن العقود المحلية والحكومية وهذا أمر متعارف عليه”.

حماد أبدى حيرته من الشكوى من عدم إجادة الأطباء السوريين للغة الإنجليزية قائلاً”عندما تعاقدنا مع أطباء أُوكران وكوريين جاءتنا الشكوى بأنهم لا يجيدون العربية وعندما تعاقدنا مع السوريين اشتكوا من عدم اجادتهم الإنجليزية. أنا لا أرى عدم اتقان اللغة الانجليزية عائقا أمام التعاقد مع هؤلاء ولا يوجد قانون ينص على ذلك أساسا”.

وحول الأخطاء الطبية التي تشاع عن الأطباء السوريين أكد حماد “على كل من يعتقد ذلك قراءة التقييم الذي أعد للربع الأول من السنة الحالية لأداء مركز طبرق الطبي، وأنا شخصيا لم أتلقَ أي شكاوى رسمية عبر قسم الشكاوى والتقارير بالمركز بهذا الخصوص”.

رفع السقف

مدير مكتب الخدمات الصحية بطبرق الدكتور مفتاح ارحومة – وهو مركز حكومي تابع لوزارة الصحة – نفى لـ “مراسلون” تعاقد المكتب مع أي طبيب سوري، لأنهم حسب قوله “لا تتوفر فيهم المواصفات المطلوبة”، لافتا إلى “اختلاف المدرسة السورية التي تدرس الطب باللغة العربية، مما يسبب بعض المشاكل من حيث اختلاف المصطلحات الطبية ومسميات الأدوية”.

ارحومة أكد أن مكتبه لم يتلقَ أية شكاوى رسمية قائلاً “التشخيص والمعاينة الطبية لا يترتب عليها أخطاء كبيرة ولحسن الحظ أنه لم تحدث جراحات”.

يعتبر ارحومة أن السبب الرئيسي الذي يدفع الإدارات الطبية للتعاقد مع أطباء “أقل كفاءة من المطلوب” هو انخفاض سقف المرتبات المحدد في اللوائح المالية لوزارة الصحة. وطالب بتعديل اللائحة كي لا تضطر تلك الإدارات “للتعاقد مع أطباء ليسوا أكفاء لسد الثغرات بالأقسام الطبية التي تشهد فراغاً كبيراً”.