يبرز قطاع الآثار كواحد من أهم روافد الاستثمار السياحي التي تعول عليها السلطات الجديدة في ظل الحديث عن ضرورة تحقيق الاستثمار الأفضل للموارد الاقتصادية في ليبيا.

وإذ تزداد حوادث سرقة الآثار وتهريبها للخارج لا يتردد رئيس مصلحة الآثار الليبية صالح العقاب في تحميل المؤسسة الدينية جزءاً من المسؤولية، إذ يؤكد وجود فتاوى دينية تقول أن الموروث الحضاري هو من أيام الجاهلية، وبالتالي تجيز الكسب من بيع الآثار

 يبرز قطاع الآثار كواحد من أهم روافد الاستثمار السياحي التي تعول عليها السلطات الجديدة في ظل الحديث عن ضرورة تحقيق الاستثمار الأفضل للموارد الاقتصادية في ليبيا.

وإذ تزداد حوادث سرقة الآثار وتهريبها للخارج لا يتردد رئيس مصلحة الآثار الليبية صالح العقاب في تحميل المؤسسة الدينية جزءاً من المسؤولية، إذ يؤكد وجود فتاوى دينية تقول أن الموروث الحضاري هو من أيام الجاهلية، وبالتالي تجيز الكسب من بيع الآثار

[ibimage==6416==Small_Image==none==self==null]

صالح العقاب

.

حول هذا الموضوع ومواضيع أخرى تحدث العقاب إلى “مراسلون” وكان معه الحوار التالي:

 تعرضت المواقع والمدن الأثرية خلال ثورة فبراير وما بعدها للتعدي، وهناك أكثر من خمسة عشر موقعاً تعرضت للاعتداء، هل يمكن أن تحدثنا عن أشكال ومواقع هذه التعديات؟

 التعديات بدأت قبل ثورة 17 شباط/ فبراير. أذكر إحدى هذه التعديات حدثت على لوحة فسيفساء “الفصول الأربعة” في مدينة شحات، عندما حاول أحد العابثين أن يقتلع أجزاء من زخارفها، وتمكن بالفعل من اقتلاع أجزاء من زاويتها يوم 15 فبراير 2011.

وعندما اندلعت الثورة في المنطقة الشرقية يوم 16 فبراير، اتصل بي مراقب الآثار هناك وكان قلقاً على الآثار الموجودة في بعض المخازن غير المؤمنة، لكن ما حدث كان العكس تماماً، فقد تنادى المواطنون في كل المدن والمناطق التي توجد فيها مواقع أثرية للحفاظ عليها من الاعتداء والسرقة حتى المناطق الصغيرة.

فمثلاً هناك منطقة صغيرة اسمها ”قصر ليبيا” (شرق ليبيا) بها كنيسة قديمة تحوي قطع فسيفساء أرضية رائعة، عددها خمسة وخمسون، وهي سهلة الحمل ومعروضة بالمتحف الذي يحتوي أيضاً على العديد من التحف الأثرية، فقام بعض المواطنين بحمايتها بعد الاتصال بشيوخ وأعيان تلك المنطقة. وحدث ذلك أيضاً في بقية المدن، ففي بنغازي قام العديد من الأشخاص بنقل الكثير من المقتنيات الأثرية إلى بيوتهم لتأمينها ومن هؤلاء أساتذة في الجامعة ومنهم الدكتور خالد الهدار.

حدثت اعتداءات أخرى منها في مدينة ”سوسة” (على الساحل الشرقي) حيث سرقت أربعة كؤوس فخارية، والمعلومات التي وصلت إلينا تقول بأن من قام بالفعل هو شخص معروف لكن لم يحن الوقت بعد للتحقق من الموضوع.

في بني وليد، تعرض المتحف للنهب والتخريب والتدمير نتيجة لاستخدامه من قبل الكتائب، أما في طرابلس ولبدة وصبراتة فقد قامت مصلحة الآثار بتأمينها كلها وكان لدينا وقت كاف لكي نقوم بحفظها وحمايتها ولم يتم فقدان شئ منها.  

متحف ليبيا الذي تتخذه المصلحة مركزاً للإدارة في طرابلس، قام ثوار المنطقة بحمايته بعد أن كان مقراً للكتائب الذين اتخذوه مركزاً للتحكم، لتأكدهم من أن قوات حلف الناتو لن تقوم بقصفه لأنه مسجل لدى اليونسكو.

بعد ثورة 17 فبراير وانهيار مؤسسات الدولة الأمنية، بدأت عمليات النبش والحفر للبحث عن الكنوز والتحف الأثرية التي يمكن يمكن تهريبها وبيعها بطرق غير شرعية في الخارج، ونحن نقوم بالمتابعة قدر جهودنا وإمكانياتنا.

  خلال ثورة فبراير فُقد ما يعرف بالكنز القوريني الذي أودعته مصلحة أثار شحات منذ الستينيات بالمصرف التجاري ببنغازي، وتحدثت صحف الوفد والشعب المصريتان عن ضبط مسروقات عبر معبر السلوم يعتقد أنها تخصذلك الكنز. حدثنا عن ماهية هذا الكنز ومحتوياته وكيف تتعاملون في المصلحة مع هذه القضية؟

كنز بنغازي المفقود لم يكن موجوداً ولا محفوظاً لدى مصلحة الآثار، وهذه كانت المشكلة الأولى، كان هناك مشروع لتسجيله لدى المصلحة في أيار/ مايو 2011، والثورة بدأت في فبراير 2011، والمشكلة الثانية أن الكنز محفوظ في المصرف منذ 1961 ولم يوثق بالصور وإنما بالتسميات فقط، ونحن الآن نتابع الموضوع عن طريق الانتربول.

الكنز يحتوي على ما يقارب 9000 قطعة أثرية بين عملات وتماثيل ومنحوتات صغيرة، سُرق منها ما يقارب 8000 قطعة، وهناك احتمال أن  تكون قد سربت أجزاء منه إلى مصر، ولدينا تنسيق مع الحكومة المصرية في ذلك، وأحد خبرائنا سوف يسافر إلى مصر في الأيام القليلة الماضية لمتابعة هذا الموضوع ومحاولة التوصل إلى معلومات عنه.

 هل تواكب مصلحة الآثار بهيكليتها التي يرى مختصون أنها بحاجة إلى تطوير جغرافياً، الآثار على امتداد الدولة الليبية؟

نحن ممثلون في حدود الدولة الليبية بمكاتب ومراقبات للآثار، لكن هذه الهيكلية تحتاج إلى المزيد من التطوير والدراسة حتى نتمكن من مراقبة ومتابعة المحافظة على جميع المواقع الأثرية التي نمتلكها لأن المهمة صعبة وآليات التطور والبناء أصبحت أسرع.

  هل تم استرجاع أي من الآثار المسروقة من ليبيا؟

 لا أستطيع أن أحصر الآثار المسروقة، لأن سرقة الآثار في ليبيا بدأت منذ سنة 1600 عندما سرق تمثال من لبدة وأرسل إلى فرنسا ولا يزال موجوداً إلى يومنا هذا في متحف اللوفر، والآثار المسروقة من ليبيا والمسجلة لدى مصلحة الآثار والمبلغ عنها للانتربول تصل إلى 147 قطعة.

تم استرجاع الكثير من الآثار المسروقة، منها ما تم إرجاعه طواعية سواء من جهات أجنبية أو وطنية.

في المدة الماضية قام مواطن من مدينة شحات بتسليم تمثال صغير، وفي مدينة طبرق قام مواطنون بتسليم تماثيل غاية في الروعة إلى المصلحة وكذلك في مدينة الجغبوب وطرابلس.

  ماذا حدث في موضوع تمثال الحسناوات الثلاث المسروق؟

تمت سرقة التمثال سنة 1990 من مدينة شحات، وتم استرجاع رأس منه والباقي لا يزال مسروقاً.

 هل تعتقد أن المنهج الدراسي يعرف الطالب الليبي بتاريخ ليبيا وآثارها؟

للأسف سياسة النظام السابق كرست وجهة النظر الخاصة بأن الآثار لا علاقة لها بالليبين وأنها بقايا المستعمرين، الأمر الذي خلق نوعاً من العداء بين المواطن وآثار ليبيا، هذا الموروث الحضاري هو جزء من تاريخنا وثقافتنا وهويتنا التاريخية لأن الآثار في شرق ليبيا هي نفسها في غربها ووسطها وجنوبها مما يدل دلالة واضحة أن كل الليبين ينتمون لحضارة واحدة.

بدأنا برامج توعوية في المدارس الابتدائية في شحات وسوسة ونجحت التجربة ونتمنى تعميمها.

عرف العالم ولمدة 42 عاماً ليبيا بالقذافي، حيث كانت صوره في كل مكان في ليبيا وسفاراتها في الخارج، هل سنرى صوراً تمثل ليبيا وحضاراتها في المستقبل؟

هذا ما أتمناه لأن لدينا الكثير، ليبيا غنية بمورثها الحضاري والثقافي، وثورتها كانت مميزة وأبهرت العالم، وأرجو من المؤسسات الدينية ومن سماحة المفتي أن يشير إلى أن الآثار هي جزء من المصادر العامة التي يجب المحافظة عليها لتكون مصدر دخل بديل لأجيالنا القادمة عند نضوب النفط أو تعرضه للتهديد، ولكي نستفيد من هذا الموروث في خلق اقتصاد متنامي.

نسمع من الحين إلى الآخر فتاوى دينية تقول أن الموروث الحضاري من الجاهلية وتجيز الكسب من بيع الآثار، كقضية الركاز مثلاً التي يفتي بها البعض وتقول أن من يجد شيئاًمدفوناً في الأرض فله الحق أن يأخذه على أن يدفع نصف ثمنه زكاة.

ننتظر فتاوى من دار الإفتاء تحذر من هذه الأعمال، لأن الآثار هي ملك لكل الليبين ونعول عليها أن تكون اقتصاداً بديلاً في المستقبل.