“مراسلون” التقت عياض بن عاشور، الأستاذ الجامعي المختص في القانون الدستوري ورئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي سابقا، التي مهدت لانتخابات 23 اكتوبر 2011، وسألته عن أبرز الانتقادات الموجهة إلى مسودة الدستور. وموقفه من الانتخابات القادمة ومسائل أخرى ترد في الحوار التالي:

مراسلون: كيف تقيّم مسودة الدستور؟

“مراسلون” التقت عياض بن عاشور، الأستاذ الجامعي المختص في القانون الدستوري ورئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي سابقا، التي مهدت لانتخابات 23 اكتوبر 2011، وسألته عن أبرز الانتقادات الموجهة إلى مسودة الدستور. وموقفه من الانتخابات القادمة ومسائل أخرى ترد في الحوار التالي:

مراسلون: كيف تقيّم مسودة الدستور؟

عياض بن عاشور: يمكن ان نعتبر مسودة الدستور الحالية مقبولة وذلك مقارنة بالمسوّدة الأولى والثانية. هذه المسودة قد تتفق حولها مختلف الأحزاب السياسية ولكن هذا لا يعني انها “الأفضل” لأني أرى ان الدستور قابل لمزيد التحسين، وبالأخص فيما يتعلق ببعض المسائل كمدنية الدولة وحرية الضمير.

فقد تجاهل الدستور الحالي “حرّية الضمير”، وهذه الحرية هامة جدا في النظم الديمقراطية لأنها تمّكن الإنسان من ان يكون او لا يكون له دين. أو بإمكانه ان يغيّر دينه لاعتناق دين آخر أو فلسفة أخرى لادينية.

وشخصيا أعتبر مسألة التنصيص على حرية الضمير مهمّة للغاية، وبالأخص في ظلّ وجود حزب ديني قد يكون له حلفاء متطرفين.

تحدثت عن نقائص في مسوّدة الدستور. وضح  لنا أبرزها.

حسب النّص الحالي توجد بعض الإشكالات التقنية واللفظية، فمثلا يستعملون لفظة حالة “الطوارئ” عندما يتكلّمون عن حالة الاستثناء، فهناك حالة الطوارئ التي نعيشها حاليا وتسمح بتضييق الحريات العمومية وتمنح نفوذا أوسع للدولة، أما حالة الاستثناء الدستورية فالمقصود بها حالة حرب اهلية وهي أخطر بكثير من حالة الطوارئ. و في مسودة الدستور يستعملون  لفظة حالة “الطوارئ” عندما يتحدثون عن حالة الاستثناء.

هناك إخلالات أخرى تتعلق بطبيعة النظام السياسي في تونس والتوازن بين السلطات، أي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من ناحية، ومن ناحية أخرى بين السلطة التشريعية والتنفيذية.

كذلك توجد إخلالات متعلقة بالقضاء وبالخصوص في موضوع المحكمة الدستورية .

نحن نريد ان يكون الدستور جيّدا من جميع النواحي لا فقط من حيث القيم بل من حيث استعمال التقنيات الضرورية وحتى الألفاظ.

هل استغرقت كتابة الدستور الكثير من الوقت؟

المجلس تأخر كثيرا في كتابة الدستور وأغرق نفسه في هوامش وفي أمور لا تدخل في صميم وظيفته، ولهذا ضيّع الكثير الوقت.  فالمجلس خيب أمال الشعب لأنه لم يحترم “قواعد اللعبة” وتحوّل الى برلمان غير مراقب.

لقد حدّدنا مدة عمل المجلس بسنة واحدة واعتبرنا في ذلك الوقت أن سنة تعتبر مدة كافية وربما أكثر من كافية. وكان بالإمكان ان ينهي المجلس مهمته في  ظرف 3 أو4 اشهر وفي أقصى الحالات 6 أشهر لو اقتصر دوره على كتابة  الدستور، لأن وضع البلاد كان مضطربا والظروف الأمنية غير مستقرة.

وصفت المجلس بالبرلمان لماذا؟

عندما انتخب الشعب هذا المجلس انتخبه لكتابة الدستور ولم ينتخب “برلمانا”، اليوم لدينا برلمان غير مقيّد، ليس له مدة ولا مراقبة من المحكمة الدستورية ولا يمكن حله من السلطة التنفيذية، ولا يمكن لأي أحد  إذا صادق هذا البرلمان على قانون ان يطعن بالقانون لدى المحكمة الدستورية.

هل من الممكن إجراء الانتخابات في 2013؟

نحن أمام دستور فيه نقائص، دستور يضّم  إخلالات تقنية وقانونية غير مقبولة، ولا بد من إعادة النظر في موضوع  المحكمة الدستورية وهذا الأمر أعتبره خطرا.

وكمثال في إيطاليا استغرق انتخاب المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية عشرة سنوات، وبالتالي نحن أمام أحكام انتقالية لاوجود لها حاليا في مسودة الدستور ولا بد من التنصيص عليها وهذه المسألة تستغرق الكثير من الوقت.

ولنفترض أننا أكملنا كتابة الدستور، وانتخبنا الهيئة العليا المستقلة  للانتخابات والتي لم يقع الى الآن انتخاب أعضائها. هذه الهيئة لا بد لها ان تتشكل وان تفتح مكاتب ويلزمها إدارة وأعوان ويلزمها ان تبرمج وتقنّن منهجية عملها، وتنشأ مكاتب للاقتراع ويكون لديها قانون انتخابي، وهو ما يستغرق على الأقل بين 6 و8 أشهر.

بالتالي لا انتخابات رئاسية ولا تشريعية في سنة 2013 . أما إذا سارت الأمور على أحسن الظروف واستقر الوضع الأمني في البلاد فلن تكون الانتخابات ممكنة إلا في صائفة 2014.

كخبير في القانون هل هناك ثغرات لم يقع التفطن إليها؟

من النقاط المهمة التي لم يقع التفطن اليها هي ان الدستور لا يكون وحده. إذ لا يفيد ان نصادق على دستور وينشر في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) ليطبق آليا. لأن الدستور يلزمه احكاما انتقالية. فكيف نصادق على دستور دون احكام انتقالية؟  

كمثال على ذلك عندما تنتقل السلطة بين رئيس الجمهورية الحالي والرئيس القادم والذي سيقع انتخابه  لاحقا كيف سيكون هذا الانتقال؟ ثم كيف تنتقل السلطة من المجلس التأسيسي الحالي الى البرلمان الجديد؟.

عندما مررنا من المرحلة الانتقالية الأولى إلى المرحلة الثانية، ضبطنا هذا الانتقال ضمن الإعلان عن المسار الانتقالي ولكن الآن كل هذا غير موجود.

لماذا انتقدت مشروع تحصين الثورة؟

ما يحصل من اضطرابات في ليبيا كان نتيجة “التحصين”. ولذلك يجب ان نكون واقعيين فنحن لسنا في حاجة إلى هذا القانون، لأننا نريد ان تهدأ النفوس وهذا لا يعني ان نترك المرتشين يعودون وننصب الفاسدين من جديد. ولكن شأن المجرمين أمام القضاء.

وأستدل بمقولة للطفي زيتون المستشار السابق لرئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي والقيادي في حركة النهضة عندما صرّح “لا إقصاء بلا قضاء”.

فأنا أتبنى هذا الشعار في ملاحقة المسؤولين من النظام السابق وكل من لديه جرائم في الإفراط في السلطة أو في الفساد فلدينا هيكل قضائي يلاحقه.

لماذا انتقدت تعامل الحكومة مع الإعلام؟

للأسف وقعت محاولات كثيرة جدا لتدجين الإعلام وبالأخص في التلفزة والإذاعات، وهذه التجاوزات لا تليق بالدولة. الإعلام لا زالت تنقصه الكثير من الحرفية ولازال في حاجة  إلى التطوير، ولكن هذا الإعلام لا ندعمه بمراقبة الدولة و بالقمع، بل يجب إنجاز هيئة مستقلة تشرف على الجانب الأخلاقي للمهنة وتدعم الصحفيين وتكونهم لا ان تنزل عليهم الدولة أمورا غير مقبولة. في العالم أجمع لا وجود لديمقراطية بلا إعلام حرّ فرغم النقائص إلا أن الفوائد تظل أكبر بكثير.

كيف تقيم أداء حركة النهضة؟

لقد منحنا النهضة كنزا كبيرا، لأن الانتخابات التي حصلت في 23 تشرين أول/ أكتوبر 2011، كانت أسعد يوم في تاريخ التونسيين. وهي أوّل انتخابات حقيقية، و حصول النهضة على أغلبية نسبية كان بمثابة “الكنز”.

ولكن من لديه كنز يجب ان يفهم معنى الدولة والإدارة وهذا ما لم  تفهمه النهضة، لأن الحنكة غائبة وللأسف فرّطوا في هذا الكنز وبعثروه واستهلكوه الى درجة الاستنزاف.

واليوم لم يبق لديهم شيئا فمن لديه أغلبية كهذه يلزمه دائما استغلال تلك الأغلبية كقوة إقناع وليس كقوة قمع ومهاجمة الأعداء والحديث عن الأزلام وعن إعلام العار.

كحزب حاكم لا يجب ان أشتم عدوّي، ويجب ان أستعمل طرقا تترفع على مثل هذه الأساليب لأني أمثّل الدولة وليس الحزب.

وكدولة يجب ان أبتعد عن المحاصصة الحزبية في تكوين الوزارات وفي الإدارات والمؤسسات العمومية وفي تعيين الهيئة العليا للانتخابات، بل يجب ان أفرض القوة الاعتبارية ومحبة الناس.

هل تتوقع فوز النهضة في الانتخابات القادمة؟

حتى لو فازت النهضة في الانتخابات فلن تفوز بنفس النسبة السابقة. الفوز ممكن لأنهم قد يستعملون  بعض الوسائل كشراء الأصوات والتأثير على الناخبين، ونأمل ان يبتعدوا عن هذه الأساليب، لذلك نعوّل على أهمية المراقبة ودور هيئة العليا للانتخابات.

شخصيا هل وصلتك عروض من النهضة أو بعض الأحزاب للانضمام إليها؟

أغلب الأحزاب تريد ان أنتمي إليها. وصلتني عدة عروض من الجمهوري ونداء تونس والقائمة طويلة، فالكل يريدني معه ولو طرقت باب أي حزب فإن الأبواب ستكون مفتوحة، ولكني كمثقف وجامعي أرفض الروح الحزبية.