على خلاف كل التنظيمات السياسية القائمة على الفكر الايديولوجي، لم يكن للمرأة التونسية حضور بارز داخل الأحزاب الاسلامية منذ ظهورها في ستينات القرن الماضي.

لكن بصعود هذه الأحزاب إلى سدة الحكم وبعد ثورات الربيع العربي أصبح للعنصر النسائي حضور عددي لافت للنظر في مؤسسات الأحزاب وفي مجالسها التشريعية على غرار المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في تونس.

على خلاف كل التنظيمات السياسية القائمة على الفكر الايديولوجي، لم يكن للمرأة التونسية حضور بارز داخل الأحزاب الاسلامية منذ ظهورها في ستينات القرن الماضي.

لكن بصعود هذه الأحزاب إلى سدة الحكم وبعد ثورات الربيع العربي أصبح للعنصر النسائي حضور عددي لافت للنظر في مؤسسات الأحزاب وفي مجالسها التشريعية على غرار المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) في تونس.

بروز نساء حزب حركة النهضة ذات المرجعية الاسلامية تحت قبة البرلمان أو في هياكل الحركة لا يستند إلى تاريخ نضالي، بقدر ما يعد نتاجا لمبدأ التناصف بين المرأة والرجل، الذي اعتمد في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول/أكتوبر2011.

وهو المبدأ الذي تمسكت به وجوه نسائية وجمعيات تحسب على التيارات العلمانية التقدمية، على غرار مية الجريبي الأمنية العامة للحزب الجمهوري، وبشرى بالحاج حميدة عضو منظمة النساء الديمقراطيات، واليسارية راضية النصراوي، وهن اللواتي دافعن عن القضايا النسائية بشراسة إبّان حكم زين العابدين بن علي، في الوقت الذي كانت فيه جل نساء حركة النهضة المتربعات على عرش السلطة التشريعية اليوم بمن فيهن النائبة الأولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي السيدة محرزية العبيدي في قطيعة مع قضايا نساء تونس بحكم تواجدهن في المهجر.

تمثيل صوري أم قناعات شخصية؟

بغض النظر عن الحضور الكمي ّ للنساء المنتميات للحزب الاسلامي في المجلس الوطني التأسيسي وداخل مجلس شورى حركة النهضة، فإن تأثيرهن على مستوى القرار يكاد يكون معدوما، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقرارات التي ستحدد حقوق المرأة ومكتسباتها في الدستور القادم.

وهو الأمر نفسه عندما اتخذت نساء الحركات الاسلامية موقفا يتعارض مع الحركات النسورية، في التعاطي مع الفصل 28 من مسودة الدستور الذي يعتبر أن المرأة مكملة للرجل.

إذ لم تر “نساء النهضة” أن هناك اي مشكلة في عبارة “المرأة مكملة للرجل”على عكس عدد من مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي عارضت العبارة بشدة، ورأت في التعبير انتقاصا من مكانة المرأة ومدخلا قانونيا للنكوص في مكتسباتها المضمنة في مجلة الأحوال الشخصية منذ سنة 1956 .

ويرى مراقبون للشأن السياسي في تونس أن هذه المواقف السلبية لا تنم عن قناعات نساء الأحزاب الإسلامية الشخصية، خاصة وأن معظمهن قد قدمن من العواصم الأوروبية وعايشن النساء في أعتى الدول الديمقراطية، بقدر ما هو انصياع للقرارات التي يمليها صقور الحركة، في إطار مخطط كامل لتغيير نمط المجتمع التونسي المبني على الأفكار التقدمية التي رسخها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

التصويت على الفصل 28 من مسودة الدستور الذي سيجعل المرأة كائنا مكملا للرجل لم يكن الموقف السلبي الوحيد الذي سجل على نساء الحركة الإسلامية، بل كان مجرد حلقة أولى في سلسلة مواقف وقفت فيها  المرأة ضد نفسها.

ففي الوقت الذي خرجت فيه النساء التونسيات للتظاهر في آذار/مارس من العام الحالي وهن يرفعن شعارات تدعو الى دعم المرأة واصدار قوانين تساندها، والى إزالة كل التحفّظات على اتّفاقية “مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء (سيداو)” باعتبارها مدخلا ضروريّا للمساواة التي لا تستقيم  ديمقراطيّة من دونها، اختارت نساء النهضة الوقوف إلى جانب زعيمهنّ الغنوشي في قصر المؤتمرات في العاصمة، لترفعن شعارات من قبيل: “(سيداو) إن عصيتم فاستتروا”، وتعلن أن المرأة التونسيّة مسلمة لا شرقية ولا غربيّة. وكالعادة صدحت حناجرهن بأنّ الشعب “مسلم ولن يستسلم”، رغم أنهنّ من الحقوقيات على غرار فريدة العبيدي، أو من نساء الأعمال على غرار سعاد عبد الرحيم.

والحقيقة أن رفض سيدات النهضة لاتّفاقيّة “سيداو” رفضا مطلقا وبلا تنسيب على الأقلّ لا ينم عن قناعة شخصية أو دراية واسعة بفحوى الاتفاقية، بقدر ما ينم حجم نفوذ السلطة الذكورية داخل الحركة.

وقد صور زعماء النهضة اتفاقيّة “سيداو” بأنها اتّفاقيّة، القصد منها “تشريع  الشذوذ الجنسيّ والانحطاط الاخلاقي والزواج المثلي وتخريب البيت المسلم”.

لكن علّة الصدمة من مشهد النساء الواقفات ضدّ النساء أنْ “تحتفل” طائفة منهنّ باليوم العالمي للمرأة يوم 8 آذار/ مارس من خلال برنامج نكوصيّ عنوانه الرئيسيّ، الرفض الآليّ لعصارة اتّفاقيّة كونيّة تناهض كافّة أشكال التمييز ضدّ المرأة.

وبلغت هذه السلبية مداها لما امتنعت نائبات الحركة الاسلامية داخل المجلس التأسيسي عن سحب الثقة من وزيرة المرأة التي تهاونت في قضية اغتصاب طفلة الثلاث سنوات في إحدى رياض الأطفال بالعاصمة.

وساد الصمت مرة أخرى في صفوف نساء النهضة على تشريع الحبيب اللوز (احد شيوخ  حركة النهضة) لختان النساء. وأن يقع تغييبهن في كل مجالس الشورى التي تحدد مصير الشأن السياسي في البلاد .

كان واضحا من خلال أداء نساء الحزب الاسلامي الحاكم داخل الغرفة التشريعية أو داخل هياكل الحزب، أنهن على علاقة قلقة بحزمة من الحقوق الكونيّة سواء كان ذلك عن وعي أو بتوجيه من العنصر الرجالي المهيمن.

وقد أقمن حججهن في النقاشات من خلال التمترس وراء “الخصوصيّة الدينيّة والثقافيّة”، أو لذن بالصمت والانصياع للتصويت حسب إملاءات رجال الحركة شيوخها، مما جعل من حضورهن ورقة في يد أولي الأمر لتمرير القرارات التي تتخذ في السدة العلوية للحكم.