تتصاعد الصرخات في العاصمة احتجاجا على سرقة آثار منطقة دهشور السياحية (جنوبي القاهرة)، دون رد أو مواجهة أو تعقيب من الجهات الرسمية. 

حال “تلة بله” الاثرية الواقعة على بعد أربعة كيلومتر من مدينة دكرنس بمحافظة الدقهلية شمال الدلتا يبدو أقرب إلى الجثة التي ينهشها الجميع، قناعة شعبية بفساد الدولة فيما يخص الآثار، ومن ثم تجرؤ على اقتسام الثروة الأثرية، وإهمال وتعدي من قبل مؤسسات الدولة نفسها، وغياب كامل للأمن، وجدال محتدم حول أحقية الدولة والأفراد في ثروات التاريخ.

مدينة منديس وميناؤها المنتهك

تتصاعد الصرخات في العاصمة احتجاجا على سرقة آثار منطقة دهشور السياحية (جنوبي القاهرة)، دون رد أو مواجهة أو تعقيب من الجهات الرسمية. 

حال “تلة بله” الاثرية الواقعة على بعد أربعة كيلومتر من مدينة دكرنس بمحافظة الدقهلية شمال الدلتا يبدو أقرب إلى الجثة التي ينهشها الجميع، قناعة شعبية بفساد الدولة فيما يخص الآثار، ومن ثم تجرؤ على اقتسام الثروة الأثرية، وإهمال وتعدي من قبل مؤسسات الدولة نفسها، وغياب كامل للأمن، وجدال محتدم حول أحقية الدولة والأفراد في ثروات التاريخ.

مدينة منديس وميناؤها المنتهك

22 فدان هي ما تبقى من مساحة التل الاثري الذي يرتفع عن أرض القرية المجاورة له بثمانية أمتار، وذلك بعد أن اقتطعت الدولة نفسها منه نحو 55 فدانا لبناء مؤسساتها على المدينة الأثرية الكاملة أسفله، مدرستين وملعب كرة ومحطة شبكات صرف صحي.

“هنا كانت مدينة منديس الفرعونية التي تسمي بها فرع مندثر من نيل مصر” هكذا يبدأ سالم البغدادي مدير عام آثار الدقهلية شرح أهمية الموقع وتاريخه، مضيفا: ”كانت منديس ميناء نهري في عصور الاسرات من 21 إلى 30 الفرعونية، حيث بدأت الكشوف الاثرية بالمنطقة منذ عام 1828، وكان آخرها بعثة جامعة تيرنو الكندية التي بدأت عملها عام 2001 وانهته بعد خمس سنوات”.

معاينة الموقع علي الواقع تكشف حجم الخراب الحادث به الان، أحجار أثرية متناثرة، بيوت تعدت علي التلة، أطفال يلعبون الكرة بين حفر التنقيب، وآثار حفر غير احترافي بكل المساحات، دون سور يحرم الاقتراب، أو تواجد إداري لوزارة الاثار.

تل بلة بين ثورتين

يكمل البغدادي شرح أهمية الموقع تاريخيا بالقول: ”كشفت آخر البعثات عن مدينة فرعونية كاملة، مناطق للسكن، وجبانتين للموتى، جرى إهمالها جميعا، وتعرضت للتخريب العنيف خلال العصر الروماني واليوناني، وبقي منها حاضرا أربع مقابر كاملة بالجبانة الجنوبية، احتوت على حلي وفخار وتماثيل من البرونز والحجر وقطع من الحديد وإشارات لحملات انتقام أو حروب أهلية وثورات شعبية، حيث تحضر آثار مخازن للسلاح القديم”.

ويضيف أن البعثات الأثرية رصدت حالات مرض بالجذام بين رفات المومياوات الموجودة، كذلك عظام آدمية محروقة، فيما ضمت الجبانة الغربية مقابر عائلة مالكة، تضمنت تابوتا من الديوريت، مومياء ذات قناع وجه من التركواز، ومشغولات جنائزية.

كيف تصدي الاهالي للفراغ الأمني ثم ورثوه

نحن اذن أمام متحف مصغر لتراكمات أكثر من عصر فرعوني، ويكمل الخبير الاثري قائلا: ”احتوي الموقع ايضا بقايا معبد، يحمل اسم شاشناق الاول وكتل جرانيت محفور عليها اسم الاله بتاح الفرعوني”.

لكن الشاب محمد صبري الذي صحب “مراسلون” في جولة التل يشير إلى اسهام الدولة نفسها في التعدي علي التل، حيث دلنا على موقع مباني مديرية التربية والتعليم ومديرية الشباب والرياضة علي التل، جنبا إلي جنب مع نية مجلس مدينة دكرنس في إنشاء محطة صرف صحي في التلة، كل هذا رغم خضوعها لقانون الحرم الأثري.

ويحكي صبري كيف تصدى الاهالي انفسهم يوم 28 كانون ثان/يناير ثالث أيام الثورة لعصابة من لصوص الاثار بقيادة أمين شرطة ومسلحين، لافتا إلى أهمية التلة البيئية والتي أصبحت مستقرا لطيور مهاجرة موسميا مما يضعها في تصنيف المحمية الطبيعية.

الاهالي: الدولة تسرق الاثار

ليس كل اهالي القرية على شاكلة هذا الشاب المهموم، فكثير ممن قابلناهم لا تعنيهم الأهمية الأثرية للمنطقة، بل جل ما يهتمون به هو تحويلها لمنطقة خدمات وأغراض عامة، لافتين الانتباه إلى ما اسموه “تجارة آثار” كانت تشرف عليها جهات رسمية، حيث أعطت الدولة مساحات لبعض المتنفذين كي يقوموا بالتنقيب.

وتكشف أم نعيمة إحدى ساكني المنطقة عن أن مساحات من التلة اقتطعت لصالح رجال سلطة مبارك، “منهم اللواء محمد شبكة الذي استغل 3 افدنة في التنقيب ثم حاول إقامة مقلب قمامة على الارض فوقف له الأهالي”.

تواطؤ الشرطة ومكاسب تجار الذهب

تحميل مسؤولية بيع الآثار وتخصيص أراضي التل أعادتنا إلى منطقة آثار الدقهلية، التي تبادلت اتهام الاهالي بالسرقة علي لسان مديرها سالم البغدادي، وحملت الشرطة مسؤولية العبث بالاثار.

ويقول البغدادي ”المنطقة تعاني من انفلات امني، تكررت الاعتداءات على حراس المنطقة وتقييدهم بالحبال من قبل اللصوص، ورغم أن شرطة الاثار تحمل حق الضبطية القضائية إلا أن قوة الجماعات المسلحة أكبر منا”.

ويعرض البغدادي علي “مراسلون” مخاطباته الرسمية مع الوزارة والمسؤولين الامنيين بتاريخ 8 كانون ثان/ يناير من هذا العام برقم صادر 193، والتي تفيد بقيام الاهالي بسرقة الاثار بعد الحفر ثمانية امتار في العمق، مطالبا الشرطة ممثلة في مأمور مركز تمي الأمديد بتوفير حراسة علي المنطقة الاثرية.

ويضيف البغدادي أن الجهل دفع ببعض الأهالي للتعامل مع الآثار على أنها مجرد حجارة لا قيمة لها، وحكى كيف أصبح تجار الذهب بالمنصورة ضيوفا دائمين على القرية، حيث يعرضون المال علي الاهالي للتنقيب بأرضهم لإخراج التمائم والحلي والعقيق، بل والاتجار معهم في أحجار الديوريت والجرانيت التي تستخدم في نحت القطع الاثرية المقلدة.

آثار في مواسير الصرف الصحي

ماهي الجهة المسؤولة إذا عن أراضي التلة؟ يقول حمدي احمد كبير مفتشي الاثار إن أراضي التلة مملوكة منذ الاربعينيات لعائلة البياع، لكنها خاضعة الآن وفقا لقانون حماية الآثار لوزارة الاثار.

ويضيف “في كل فترة يتقدم احد الورثة بتقديم طلب لاستغلال مساحة منها، فتشكل لجنة لتحديد تكلفة استخراج ما بها من اثار وتسليمها للمالك، على ألا يتم التصرف فيها إلا في السطح وتبقي أعمال الحفر بها تحت وصاية وزارة الاثار وبإشرافها”.

لكن يبدو أن هذا الاجراء ما هو إلا حبر على ورق، فكما يقول سالم البغدادي: ”هناك غياب للتنسيق بين كل الجهات، وغالبا ما يؤدي هذا إلى المهزلة الحالية، فكثيرا ما يفاجئ رجال الاثار بوجود جهات حكومية تمد أعمال صرف صحي بمنطقة الاثر، لدرجة أننا نجد عقيقا وحلي في مواسير الصرف الصحي لاحقا”.