عند دخولك الغسرو في مركز المدينة القديمة عبر بابه الوحيد من جهة الشمال الشرقي، تشدك الحجرات الصغيرة المرصوصة بجانب بعضها على امتداد طوله وعرضه. تتفاوت أبعاد هذه الحجرات المربعة التي يصل عددها إلى 300، بين متر واحد، ومتر و 70 سنتيمتراً تقريباً طولاً وعرضاً.

للحجرات فتحات صغيرة للتهوية، وبداخلها قد تجد مقتنيات قديمة كالجرار والأدوات المنزلية المصنوعة من الطين، والتي يعتقد السكان أنها كانت تستعمل لتخزين الزيت ونقله، وأن كل عائلة كانت تخصص لها غرفة لتخزين مؤونتها، وتشترك العائلات الأقل ثراءً كل اثنتين في غرفة.

عند دخولك الغسرو في مركز المدينة القديمة عبر بابه الوحيد من جهة الشمال الشرقي، تشدك الحجرات الصغيرة المرصوصة بجانب بعضها على امتداد طوله وعرضه. تتفاوت أبعاد هذه الحجرات المربعة التي يصل عددها إلى 300، بين متر واحد، ومتر و 70 سنتيمتراً تقريباً طولاً وعرضاً.

للحجرات فتحات صغيرة للتهوية، وبداخلها قد تجد مقتنيات قديمة كالجرار والأدوات المنزلية المصنوعة من الطين، والتي يعتقد السكان أنها كانت تستعمل لتخزين الزيت ونقله، وأن كل عائلة كانت تخصص لها غرفة لتخزين مؤونتها، وتشترك العائلات الأقل ثراءً كل اثنتين في غرفة.

[ibimage==6196==Small_Image==none==self==null]

تعرض المبنى لعمليات ترميم متتالية

ولا توجد بالغسرو سلالم لصعود الحجرات العالية، وإنما جذوع أشجار وقطع خشبية مزروعة في الجدران يستعملها الناس في الصعود والنزول إلى تلك الغرف.

قصر أم بنك

تتضارب الروايات حول تسمية هذا البناء الذي يعد أهم معلم أثري في المدينة، فهناك من يرى أن كلمة “غسرو” هي تحريف لكلمة “قصر” العربية كالأستاذ سعيد أبو عزيز المهتم بتاريخ المنطقة، والذي يقول أن “شكل البناء الخارجي و مكانه فوق الجبل في مقدمة المدينة القديمة بنالوت تؤكد أنه قصر”.

فيما يرى مخالفو هذا الرأي أن القصر لا يستخدم عادة لتخزين الحبوب والزيت كما هو الحال فعلياَ بالنسبة لـ “غسرو نالوت” المستخدم للتخزين وليس للسكن.

ولذلك يرجح سليمان يحمد رئيس جمعية “أفكان” للتراث والثقافة بالمدينة أن كلمة غسرو اشتقت من “إيغسار”، التي تعني الالتصاق الشديد باللغة الأمازيغية، “والتسمية عائدة لوجود عدد كبير من الغرف المتلاصقة والضيقة المخصصة لتخزين الحبوب والزيتون والزيت ونحوها مما كانت تقوم عليه حياة الناس قديماً” يقول يحمد. 

كما أن الكلمة – بحسب يحمد – تعني لدى أهل المنطقة ما يشبه البنك، وهو ما يتطابق مع وضعية الحجرات داخل هذا البناء “الذي يعد بنكاً اقتصادياً، ومخزناً للحبوب والزيوت والتمر وكل ما يقتات به الناس”، إلا أنه لا يجزم بقطعية هذا التحليل للتسمية.

فيما يجمع الدكتور محمد سالم المقيد الورفلي في كتابه “الآثار الإسلامية في جبل نفوسة” بين القولين معتبراً أن ”كلمة القصر في العربية تعني المنزل الكبير الفخم، أما استعمالها الدارج في الجبل فيقصد به قصر التخزين، أو القرية بكاملها”.

نشأة غامضة

الغموض والتضارب يلف تاريخ نشأة الغسرو أيضاً، ففي حين ينقل الورفلي في كتابه عن موندادوري – وهو مؤرخ إيطالي كتب عن ليبيا في ثلاثينيات القرن الماضي –، قوله أن هذا المكان “ارتبط بكثير من الأساطير”، و “ويرجع بناءه إلى الحقبة البيزنطية”.

يُرجعه المؤرخ البولوني المهتم باللغة والمباني وانتشار الإسلام في جبل نفوسة – غرب ليبيا – تاديوش ليفتسكي إلى القرن التاسع الميلادي، بحسب ما نقله الورفلي أيضاً.

ورغم وجود هذين المصدرين فإن أغلب المهتمين بالغسرو ممن اجتهدوا في البحث حول تاريخه، يرون أن ما يوجد من شواهد ومصادر لا تستطيع إثبات تاريخ معين لبناء هذا المعلم، خاصة أن من أرخ لجبل نفوسة من أبنائه ركزوا على المذاهب الدينية والزعماء والشيوخ و حياة الناس، ولم يهتموا لتاريخ نشأة الغسرو.

يقول سليمان بن يحمد “اعتماداً على المصادر التاريخية لا شك أن مدينة نالوت كانت موجودة منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، والمدن حينها في جبل نفوسة كانت لا تخلو من مبنى كغسرو لحفظ المؤن وإدارة الاقتصاد، وباعتباره الأكبر في المدينة يرجح أن يكون قد بُني منذ تلك الحقبة”.

ويستدرك يحمد قائلاً “لكن لا يوجد دليل مادي على ذلك مستند إلى دراسة لطبيعة المبنى، ونحن بصدد أخذ عينات وإرسالها إلى مراكز أوروبية متخصصة إذا وفقنا لذلك”.

توسيع تدريجي

يؤكد يحمد أن الغسرو قد خضع لعمليات تطوير على مر التاريخ، و ازداد عدد حجرات التخزين فيه بحسب الزيادة المضطردة في الكثافة السكانية للمدينة.

كما أن المبنى تم ترميمه مراراً – بحسب يحمد –، وذلك “بسبب تضرره حسب ما تقول الروايات من الحروب التي مرت بها المدينة في قرون ماضية، لكنه لم يتضرر جراء معارك  حرب التحرير الأخيرة”.

يوضح يحمد أن “آخر عملية ترميم خضع لها الغسرو كانت عام 2007 بجهود محلية، فيما تقوم جمعية أفكان حاليا بترميم بعض المنازل المحيطة به”.

بحسب كتاب الورفلي كان حول غسرو نالوت مايزيد عن مائتي منزل، ولازالت حتى اليوم تحيط به بقايا منازل قديمة ومساجد عتيقة، وهو يستحوذ على مكان فريد يعدّ مركز المدينة القديمة واًصل الحديثة في نالوت.

حضارة مهملة

وعلى اعتبار أن المؤرخين الأجانب كانوا يأتون إلى ليبيا للتنقيب عن الحضارات الوافدة إليها والتي استوطنت فيها كالإغريقية والرومانية وغيرها، لم يكن يهمهم كثيراً البحث والتنقيب في الآثار التي تدلل على حضارة السكان الأصليين، فجاءت المعلومات التي يقدمونها على هذه الشواهد دائماً على هامش أبحاثهم.

يقول علي محمد وهو مواطن من نالوت في حديث لمراسلون “أنا بالتأكيد فخور بهذا الإرث التاريخي، وأتمنى أن يتعرف الليبيون أولاً والأجانب أيضاً على مثل هذه المعالم المتناثرة في بلادنا لنشر ثقافة وحضارة الليبين القدامى”.

يدرك علي أهمية هذه المعالم على صعيد تنشيط السياحة في ليبيا، إلا أنه يقدر أن ليبيا “تفتقد للبنية التحتية للسياحة، لا فنادق بالقرب من المواقع السياحية ولا أماكن خاصة للمقتنيات الأثرية، فضلاً عن غياب الثقافة السياحية في المنطقة”.

ويؤكد أن “المهم على المدى القصير هو تعريف الناس بكنوز وثقافات المنطقة، والاهتمام بتاريخنا المحلي، والباقي يعتمد على خطط طويلة المدى ترعاها الدولة”.

غسرو نالوت ليس هو الوحيد الذي يحتاج رعاية الدولة الليبية، فمن قصور الجبال في نفوسة إلى روائع صبراتة، إلى أكبر مدينة رومانية خارج روما تلك القابعة في لبدة، إلى سحر شحات ونواحي برقة، وروعة قلاع سبها ومدن الجنوب مرورا بجبال أكاكوس وكنوز الصحراء التي يجهلها الليبيون فضلا عن غيرهم، فصول قصة تاريخ يحكيها الكتاب الليبي الذي لم يُقرأ بالكامل حتى هذا اليوم.