تتواصل الأزمة السياسية في تونس بنسق متصاعد رغم تعدد المبادرات الداعية للحوار الوطني، وآخرها تلك التي أطلقها رئيس الجمهورية المؤقت وعدل في تفاصيلها أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهوري، أحد احزاب المعارضة، على أمل أن ينجح الحوار هذه المرة في قيادة تونس إلى بر الامان.

حول قراءته لمسودة الدستور الجديد وعلاقته مع حزب النهضة ومبادرة الحوار مع السلطة وموضوعات أخرى راهنة، التقت “مراسلون” أحمد نجيب الشابي، وهنا نص الحوار:

“مراسلون”: ما سر مراوحة علاقتكم مع النهضة بين التواصل والقطيعة؟

تتواصل الأزمة السياسية في تونس بنسق متصاعد رغم تعدد المبادرات الداعية للحوار الوطني، وآخرها تلك التي أطلقها رئيس الجمهورية المؤقت وعدل في تفاصيلها أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهوري، أحد احزاب المعارضة، على أمل أن ينجح الحوار هذه المرة في قيادة تونس إلى بر الامان.

حول قراءته لمسودة الدستور الجديد وعلاقته مع حزب النهضة ومبادرة الحوار مع السلطة وموضوعات أخرى راهنة، التقت “مراسلون” أحمد نجيب الشابي، وهنا نص الحوار:

“مراسلون”: ما سر مراوحة علاقتكم مع النهضة بين التواصل والقطيعة؟

الشابي: كنت في العهد السابق لا أتردد في التواصل مع حركة النهضة والاتصال بقياداتها بالداخل والخارج ولا أخشى التهديدات بسبب ذلك، ولما سقط النظام وجاءت الثورة واختلف التوجه بيننا وبين حركة النهضة انقطع كل اتصال بيننا وبين الحركة إلى مدة عامين من الزمن إلى حين اقتراب موعد 23 تشرين أول/ أكتوبر الماضي حين بادر الحزب الجمهوري بطرح مشروع المائدة المستديرة على كل الأحزاب ومنها حركة النهضة قصد تجنيب البلاد أزمة.

ماهي التوافقات التي توصلتم اليها في أولى جلسات مبادرة رئاسة الجمهورية الداعية للحوار الوطني؟

وقع الاتفاق على جدول اعمال يتضمن توضيح الرؤية للمرحلة القادمة. البلد يحتاج الى توضيح الرؤية، اي الى تحديد نهاية هذه المرحلة الانتقالية، واجراء انتخابات جديدة، فالمجلس التأسيسي جاء بهدف اساسي هو صياغة الدستور ولكن ايضا التمهيد للانتخابات.

والمسألة الثانية التي طرحت في جدول الاعمال هي الانتهاء من صياغة الدستور الذي من دونه لا يمكننا اجراء انتخابات جديدة.

اما النقطة الثالثة في جدول الاعمال والتي يفترضها اجراء الانتخابات هو سن القانون الانتخابي.

لكن ما يجب ان يتوفر ايضا لتكون هذه الانتخابات حرة، هو مناخ من الامن يحمي الحريات. والمطلوب هو ان نعود الى حالة امنية في مستوى الاجواء التي كانت تسود قبل انتخابات 23 تشرين أول/ اكتوبر 2011 على الاقل.

حديثك عن الاوضاع الامنية يحملنا الى دعواتكم السابقة الى حل رابطات حماية الثورة ومعالجة العنف “السلفي”  فهل تطرقتم الى هذا في حواركم؟

لم ندخل بعد في صلب الموضوع، ولكن اتفقنا ان هذه النقاط الاربع هي شرط لإنهاء المرحلة الانتقالية. وقد اتفقنا على ان هذه المرحلة يجب ان تنتهي قبل نهاية 2013 اي ان تقع الانتخابات في الثلاثية الاخيرة من هذه السنة. كما اننا لم نتطرق الى مضمون النقاط واقتصر نقاش الجلسات الاولى على تحديد تاريخ الانتخابات وتداولنا عديد من المقترحات دون ان نتفق في ظل مصادفتنا لإشكال يتمثل في “هل سنجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل منفصل ام بشكل متزامن في التاريخ؟”.

اما بقية النقاط الثلاث الأخرى على غرار القضايا العالقة في الدستور والنظام السياسي الذي سنعتمده بالإضافة الى الاجراءات الامنية الضرورية، ومنها قضية روابط حماية الثورة والمجموعات الجهادية والسلاح الحربي الذي يجوب البلاد ويتواجد بكميات اكبر، هي من القضايا التي سنتطرق اليها في بقية اشواط الحوار الوطني الذي نعتبر انطلاقته مكسب كبيرا نامل ان يتوسع ليشمل بقية الاحزاب التي لديها احترازات شكلية.

وماذا عن الجبهة الشعبية التي تتمسك بمبادرة الحوار التي نظمها اتحاد الشغل؟

بالنسبة للجبهة الشعبية نحن نرغب في ان تكون معنا في الحوار الوطني ولازلنا لا نعلم موقفها النهائي. نحن نسعى الى ان تتوسع قاعدة الحوار لتحقيق قدر اكبر من التوافقات السياسية في مرحلة اولى. سنقوم في مرحلة ثانية برفع ما توصلنا إليه الى الاتحاد العام التونسي للشغل ليطرحه للحوار على بقية الاحزاب غير الممثلة في المجلس التأسيسي والمنظمات الوطنية ضمن الشوط الثاني من مبادرته للحوار التي انطلقت منذ أيلول/ سبتمبر  2012. اما المرحلة الثالثة والاخيرة فهي رفع ورقة التوافقات مرفقة بالتوصيات التي انتهت اليها مبادرة اتحاد الشغل الى المجلس الوطني التأسيسي لتتحول الى قرارات ملزمة للجميع.

هذه المراحل تستوجب الكثير من الوقت فهل الاوضاع تسمح بهذا؟

كل هذا يجب ان يتم بسرعة لان الوقت ضدّنا.

التفاصيل التي تقدمها تشير الى وجود تعديلات على مبادرة الحوار التي اطلقتها رئاسة الجمهورية وهي تثبت صحة الاخبار حول اطلاقك لمبادرة حوار جديدة؟

ان النقاط التي ذكرتها تحظى بتوافق الجميع، شخصيا لعبت دورا مهما قد يكون محوريا في نجاح هذه المبادرة لكن المسألة ليست في ان تنسب المبادرة لفلان او علان فهي مبادرة للحوار الوطني تهم الجميع واشكر رئيس الجمهورية الذي سهل انطلاقها.

تشير في حديثك الى خلافات بشان امهات القضايا في الدستور، فهل تقصد بذلك عدم التنصيص بوضوح على مدنية الدولة؟

إن مدنية الدولة لا تمثل خلافا بل على العكس هي محل اجماع كل مكونات المجلس. إن الامر ليس في افتعال معارك لفظية فالمهم هو التعبير عن المبدأ بوضوح وهذا متوفر في مسودة الدستور. انا شاركت في صياغة الدستور واعتقد انه في جوهره يؤمن الحريات والفصل بين السلطات، وهذا مؤمن بشكل واضح وجلي ومتقدم وهو يمثل اضافة تونسية في صياغة الدساتير. وشخصيا اعتقد ان هذا الدستور مرضٍ وان كانت هناك بعض التفاصيل محل خلاف. كما ان مسودة الدستور ستقدم لرجال القانون لإعطائه صبغة قانونية.

اذن ماهي الاشكاليات في الدستور؟

المشكل بخصوص صلاحيات رئيس الجمهورية فحركة النهضة تريد قدر المستطاع الاقتراب من النظام البرلماني وبقية الكتل تريد نظاما رئاسيا معدلا. رئيس غير متغول السلطات لكنه ليس صوريا. النقاش اليوم بخصوص هذه النقطة وماعداها فان الدستور قابل للتحسين ولكنه في وضعه الحالي مرضي.

الحديث عن ان الدستور مرضٍ يتناقض مع تخوفات بعض حلفائكم من عودة مسألة التنصيص على الشريعة في الدستور بشكل مبطن؟

هذا لا وجود له ، لقد حسم الفصل الاول من الدستور الامر بقوله ان هذا البلد نظامه جمهوري ولغته العربية ودينه الاسلام، وهذا لا علاقة له بالشريعة الا ان كان هناك حساسية تجاه الاسلام. كما انه لا مرجعية دينية نص عليها الدستور لصياغة القوانين.

لكن الفصل 148 حدّد مجال تأويل الفصل الاول وحصره في ما لا يتعارض مع “الاسلام”؟

هذه قراءة لا اشاطرها، وقد استمعت اليها من قبل بعض الحقوقيين والمثقفين في وسائل الاعلام. لان الدستور في فلسفته ونصه هو دستور عصري يقر بالدولة المدنية القائمة على الفصل الكامل بين السلطات، بل انه امن استقلال السلطة القضائية والتشريعية عن السلطة التنفيذية، كما قام بحد صلاحيات السلطة التنفيذية وقسمها الى مؤسستين، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وحدّد لكليهما صلاحيات اضافة الى اقرار مبدا الرقابة المتبادلة وجعل في وجه كل سلطة، سلطة تراقبها. دون ان نغفل على ان مضامين المواثيق الدولية مضمنة في الدستور، وما زاد عن ذلك هي تفاصيل ثقافية وتجاذبات ايديولوجية يمكن تحسينها ولكنها لا تعتبر عائقا امام اعطاء تونس دستور عصري .

ما موقفكم من روابط حماية الثورة؟

أرى بأن روابط حماية الثورة ليست ظاهرة جديدة تتطلب منا امتحانها في الممارسة فهي موجودة منذ مدة وتميزت باعتدائها على حقوق وحريات الآخرين وهذا يطرح تلقائيا وقانونيا حلها والمطلوب الحزم إزاءها وليس مزيد التسيب.

بعد 14 كانون الثاني/ جانفي 2011 دافعت عن مسار انتقالي يبدأ بإجراء انتخابات رئاسية، ثم انتخاب برلمان يتولى تعديل دستور 1959 (الدستور القديم)، على غرار السيناريو المصري، فهل انت اليوم مقتنع بان هذا الخيار كان الاسلم لتونس؟

اغلب الناس يقرون بذلك، ويعتبرون ان التمشي الذي اتبعناه لم يكن سليما، واليوم هناك استياء من اداء المجلس الوطني التأسيسي ومن تجاوزه للمدة الزمنية التي من اجلها انتخب ولا صاغ الدستور.

شخصيا اعتبر ان الاداء  في الجملة هو افضل ما كان يمكن، ووفق ما اعلمه عن اشغال المجلس انه ان تمكنا من انهاء النقاش حول الدستور وتحديد تاريخ الانتخابات نكون قد قدمنا نموذجا ناجحا للانتقال الديمقراطي. فتونس رغم كل شيء تعيش تجربة انتقال سلمية ومدنية ومسؤوليتنا كسياسيين هو ان نكمل المشوار.

بدأت بعض التكتلات السياسية تتحدث عن مرشحيها للانتخابات الرئاسية القادمة، فماذا عنكم؟

الترشحات  لرئاسة الجمهورية لازلت سابقة لأوانها، باعتبار ان صياغة الدستور لم تنته كما ان تاريخ الانتخابات لم يحدد بعد.

كيف تقيمون أداءكم بعد الثورة، وبماذا تردون على الانتقادات الموجهة لكم؟

اشعر بالاعتزاز بمشاركتي في حكومة الغنوشي التي كانت الحكومة الأولى للانتقال الديمقراطي وهي التي اتخذت كل الإجراءات التي مهدت للانتقال الديمقراطي واجراء الانتخابات. كما ان دخولي لهذه الحكومة كان عامل ودافع للحزب الجمهوري الذي كان لا يفصله عن حركة النهضة في استطلاعات الرأي سواء نقطة واحدة. بل موقف المعارضة قد تعزز وكاد يصبح الأول على مستوى الساحة الوطنية.

لم أخطئ في الأساسيات، أخطأت في بعض الجزئيات التي بكل تأكيد لو أعيدت لي لأصلحتها، وهي تتعلق اساسا بسياسية التواصل.

ما موقفكم من حركة النهضة ومن فكرها المرجعي، هل تعتبرها خصم أم حليف؟

ليس لي أي عداوة مع أي طرف تونسي مهما كان، وانتم تعلمون علم اليقين بأن مشروع حركة النهضة في أسسه الفكرية ومراميه السياسية يختلف كليا عن المشروع التحرري والاجتماعي الذي أحمله. وما جمعني بحركة النهضة طوال فترة الاستبداد هو التزامي بالدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن بقطع النظر عن لونه الفكري والسياسي.

إن ما يجمعني بحركة النهضة هو هذا الوطن، والخلافات والمنافسة يجب أن تقف عند عتبة المواجهة حرصا على سلامة البلد واستقراره.

وبشكل عملي فإني والجمهوري نسعى إلى إقامة وفاق وطني، لا يستثني أحدا، يؤمن الانتقال الديمقراطي في هذه الفترة ويفتح أفقا للوفاق الوطني في مرحلة ما بعد الانتخابات، حتى تتفرغ البلاد لتحقيق مطالب أبنائها في الأمن والتشغيل والتنمية الجهوية ومقاومة غلاء المعيشة وتحقيق العدالة الانتقالية.

هذه الوقائع تدل بأن علاقة الجمهوري ورموزه بالنهضة علاقة مبدئية وشجاعة وشفافة ولا تخضع إلى أي حسابات سياسوية كما يرغب الخصوم في الإيحاء بذلك.