وثائق نادرة لن تجدها إلا في منزله المطل على شارع جمال عبد الناصر بمنطقة سيدي بشر بمحافظة الإسكندرية. في الدور العاشر يقطن مكرم سلامة، أشهر جامع وثائق وأرشيفيات في مصر.

وثائق نادرة لن تجدها إلا في منزله المطل على شارع جمال عبد الناصر بمنطقة سيدي بشر بمحافظة الإسكندرية. في الدور العاشر يقطن مكرم سلامة، أشهر جامع وثائق وأرشيفيات في مصر. إذا أسعدك حظك ودخلت منزل الرجل ستفاجئ بكم الوثائق التي تطالعك، والتي تقترب من المليون وثيقة، ما بين ملصقات الأفلام، والصور الفوتوغرافية، ومكاتبات بخط يد الفنانين والفنانات، وتكاليف إنتاج الأفلام، إضافة إلى وثائق تاريخية نادرة لا يمكن تقديرها بثمن، توضح تاريخ مصر، عرضت عليها دولاً عربية شراءها مقابل 5 ملايين دولار، على حد قوله، إلا أنه رفض العرض، وقرر إهداءها لمكتبة الإسكندرية لحفظها في مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، باعتبارها تاريخ لا يقدر بثمن.

مكرم سلامة الذي ولد في عام 1949 بمحافظة قنا، بدأ جمع ثروته التاريخية وقت أن كان تلميذا في المرحلة الثانوية، من خلال جمع الجرائد والمجلات والأفلام القديمة، وتراث السينما، وملصقات الأفلام، والصور الفوتوغرافية لمراحل الفيلم “الشوتات”. وتحولت هواية جمع الوثائق لديه لعشق لم يستطع الفكاك منه، فحول منزله إلى مكتبة كبيرة تحوي كل تاريخي استطاع الحصول عليه، فكان أشد ما يؤلمه هو عدم القدرة على شراء وثيقة نادرة.

مدخرات عمري

يحكي مكرم سلامة، قصة جمع “مدخرات عمره” فيقول: “بدأت في جمع هذه الثروة التاريخية في أوائل الثمانينيات، وهي الفترة التي تعرضت خلالها السينما لأزمة، تسببت في إغلاق غالبية دور السينما، وشركات التوزيع والإنتاج السينمائي، وهو ما دفع شركات كثيرة لعرض محتوياتها للبيع، وكنت أنتهز هذه الفرص، وسافرت إلى جميع المحافظات لشراء هذا الكنز الذي لم يكن أحد يقدره، وأنفقت لأجله جميع مدخراتي، وتمكنت من شراء محتويات شركات أنور وجدي، و بديع صبحي، وتوجو مزراحي، حتى استطعت جمع أكثر من 100 ألف أفيش خاصة بأكثر من 2000 فيلم، تؤرخ للسينما المصرية منذ بدايتها في عام 1928، وتضم أعمال نجيب الريحاني، وأم كلثوم، ومحمد فوزي، ومديحة يسري، وأنور وجدي، وإسماعيل ياسين، ويوسف شاهين، وسامية جمال، وسراج منير، وعزيزة أمير، وشكري سرحان، وفريد الأطرش، إضافة إلى أعمال نادرة لم تعرض في التلفزيون مثل فيلم انتصار الشباب، الفيلم الوحيد الذي وقفت فيه الفنانة أسمهان أمام شقيقها فريد الأطرش وهو من إنتاج عام 1945، وفيلم مغامرات عنتر بن شداد الأصلي الذي قام ببطولته سراج منير وكوكا، وأخرجه صلاح أبو سيف”.

ذاكرة مصر المعاصرة

ورغم عشقه للتراث إلا أن احتفاظه بالأرشيفيات في منزله عرّض بعض الوثائق الهامة للتلف، ما جعله يخشى على بعض الوثائق الهامة التي تروي تاريخ مصر، ولا يمكن تقديرها بثمن، لذا أهدى سلامة مكتبة الإسكندرية أكثر من 10 ألاف وثيقة وفيلم وثائقي، تحكي تاريخ أسرة محمد علي باشا، وترصد أملاكه، إضافة إلى صور أكثر من 200 ضابط من أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو عام 1952، و55 فيلما نادرا مقاس 35 ملم تتناول تاريخ مصر الحديث والمعاصر في العديد من المجالات.

ويضيف “سلامة” أنه عثر على أكثر من 10 ألاف وثيقة نادرة ضمن طن ورق قام بشرائه من أحد جامعي الروبابيكا بالقاهرة، حيث ضمت الأوراق وثائق خاصة بخريطة الترع والمصارف في مصر خلال الفترة من 1870 حتى 1912، ووثائق خاصة بـ”الدائرة السنية” و “الدائرة الخديوية الإسماعيلية”، والتي تحوي حسابات الأملاك وأرباحها، كما ضمت الأوراق تراخيص دور العرض السينمائي في الفترة من 1897 حتى 1900، وهي المستندات التي تم إهدائها لمكتبة الإسكندرية لأرشفتها وعرضها للجمهور في مشروع ذاكرة مصر المعاصرة.

محمد نجيب مع بائع قمامة

وقبل 10 أعوام استطاع سلامة أن يشتري أرشيفًا فوتغرافيًا يرصد حياة الرئيس الراحل محمد نجيب، وحصل عليه نظير 10 جنيهات من بائع قمامة، لم يستطع تقدير قيمة الصور، رغم أن الأرشيف كان يحتوي على أكثر من 250 صورة للرئيس الراحل مع أولاده الثلاثة، واستعراضات الجيش، وأثناء إلقاءه حديثا في الإذاعة المصرية، وصورا له مع وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت  دالاس والسفير كافري في أحد قصور الرئاسة المصرية.

ويضيف سلامة أن الوثائق التي جمعها تضم صورا نادرة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر عقب تاميم قناة السويس، و3 آلاف صورة نادرة للملك فؤاد وزفاف الملك فاروق والملكة فريدة، و500 فيلم وثائقي قديم بنظام 16 ملم لافتتاح مؤتمر القمة العربي الثالث في القاهرة في يناير عام 1964 بحضور الراحلين الرئيس عبد الناصر وأمير الكويت عبد الله الصباح والملك السعودي سعود بن عبد العزيز.

نظرة مستقبلية

أرشيف “سلامة” هو كل ثروته، التي يعتبرها كنزه الذي سيورثه لزوجته ونجله، كما يقول. ومن أجل متحفه الذي أنشأه في بيته اكتفى بحجرتين، واحدة له وزوجته والأخرى لنجله، الذي ساعده في أرشفة محتويات متحفه الضغير، في حين تشغل الوثائق التي إطلع على غالبيتها “بالقراءة والمشاهدة” باقي أرجاء المنزل.

لكن لإنا لوثائق تحتاج إلى عناية فائقة، وحرصا عليها من التعرض للتلف، فإنه يقوم بين الحين والآخر بإهداء بعض الوثائق لمكتبة الإسكندرية، وهي الوثائق التي تحتاج إلى ترميم، وعناية خاصة.

في النهاية يقول سلامة إن أرشيفه هو “حياته ومدخرات عمره التي لا يستطيع الاستغناء عنها”.