عاصفة من الجدل وحالة من الذهول أثارها قرار وكيل النائب العام بمركز مطاي التابع لمحافظة المنيا جنوب مصر بتوقيع عقوبة بالجلد للمرة الأولى في مصر على متهم ضبط مخمورا، والذي جاء عشية يوم واحد من مظاهرات دعا إليها الحزب الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين وكان مطلبها الرئيسي تطهير القضاء يوم الجمعة الماضي 19 ابريل/نيسان.

“حكم عليّ بالجلد لأني جاملت صديق”

عاصفة من الجدل وحالة من الذهول أثارها قرار وكيل النائب العام بمركز مطاي التابع لمحافظة المنيا جنوب مصر بتوقيع عقوبة بالجلد للمرة الأولى في مصر على متهم ضبط مخمورا، والذي جاء عشية يوم واحد من مظاهرات دعا إليها الحزب الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين وكان مطلبها الرئيسي تطهير القضاء يوم الجمعة الماضي 19 ابريل/نيسان.

“حكم عليّ بالجلد لأني جاملت صديق”

المتهم الذي حُكم عليه بالجلد للمرة الأولى في مصر، هو محمد عيد حسن، ويعمل مفتشا بنقابة المهن الموسيقية بالمنيا في مركز مغاغة منذ عام 2006. حسن لا يتجاوز راتبه 8 دولار شهريا، وكل أمنياته تتلخص في التثبيت بالوظيفة والحصول على اجر ثابت، ومن أجل ذلك وقف 9 أشهر أمام ديوان مظالم الرئيس مرسي إلا ان احد لم يستجب له.

يروي حسن ما حدث في الليلة التي قُبض عليه فيها “كنت عائدا من حفل زفاف صديق بمدينة سمالوط وقدم لي وقتها زجاجة بيرة، واعتدنا في هذه المناسبات أنه لا يليق ان ارفض مثل هذه الأشياء لأنها تعد عيبا، رغم كونها عادة غير مقبولة، وعند قرية قلوصنا بين مطاي وسمالوط تم القبض علي وتم تحرير محضر رقم 1445 لسنة 2013 في ذات الليلة، وتم عرضي علي النيابة العامة أمام السيد حسين عنان. وعلي غير المألوف استمر التحقيق معي أمام وكيل النيابة لمدة 3 ساعات تقريبا وعقب نهايته أخرجني وكيل النيابة خارج غرفة التحقيق”.

ويتابع حسن “أثناء تواجدي خارج غرفة التحقيق وقعت مشادة كلامية بين مدير النيابة ووكيل النيابة الذي كان يقوم بالتحقيق معي انتهت إلى أن مدير النيابة طلب إحضار المحضر برمته إليه لإصدار القرار بنفسه. وفي أثناء ذلك علمت بقرار الجلد ووقتها خرج وكيل النيابة من غرفته ومعه أربعة من رجال الشرطة واصطحبوني إلى مركز الشرطة”.

وعقب توجه حسن إلى مركز الشرطة وعرض القرار الجلد علي الضباط انتابهم حالة من الذهول، وطالبهم وكيل النيابة بتنفيذ القرار إلا أنهم رفضوا ذلك مما دفعه إلى التوجه إلى مأمور القسم لتنفيذ القرار، مما أحدث جدالا بين الجانبين، حسب ما قال حسن.

عقب ذلك بساعات أخرج الحرس حسن من الحجز وأبلغوه بأن القرار تم إلغائه من قبل مدير النيابة وتعديله وتم إخلاء سبيله.

القرار مفاجأة صادمة

إلى هنا تنتهي رواية حسن عن قضيته التي فجرت أزمة قانونية ومجتمعية. فالقرار رقم 1446 لسنة 2013 الذي أصدره المستشار حسين عنان وكيل النائب العام بمركز مطاي والقاضي بجلد المتهم 80 جلدة بعد أن تم القبض عليه في حالة سكر، هذا القرار يخالف المعايير القانونية المستقرة، فهو لا يستند لنص قانوني وإنما لنص قرآني، وهو الآية رقم 90 و91 من سورة المائدة. إلى ذلك يلزم قرار وكيل النيابة مأمور القسم تنفيذ الحكم استنادا ألى نص الآية 44 و45 و47 من سور المائدة. وهو ما لم يفعله المأمور لعدم اشتمال قانون العقوبات على عقوبة الجلد.

قرار الجلد أثار صدمة قانونية وأصدر النائب العام قرارا فوريا بإلغائه، وإحالة وكيل النيابة المذكور لجهة التفتيش القضائي. حيث صرح المستشار محمود الحفناوي المتحدث باسم النيابة العامة فصرح بأن القرار قد أُلغي وتقرر إحالة وكيل النيابة لجهة التفتيش القضائي بسبب قراره الخاطئ، مشيرا إلي أن القانون المصري لا ينص على مثل هذه القرارات، مضيفا ان وكيل النيابة العامة ارتأى تطبيق الشريعة الإسلامية لكن تطبيق القانون هو الواجب، منوها عن ان القضية ستحال لمحكمة الجنح استمرارا للتحقيق فيها بإتباع الإجراءات القانونية السليمة. وأضاف المتحدث باسم النيابة: “الدستور ينص على أنه لا عقوبة إلا بنص ولدينا في قانون العقوبات المعمول به كل النصوص التي تتيح العقوبة لأي جرم.”

من ناحيته قال المستشار أحمد سيد ذكي المحامي بالاستئناف العالي إنه فوجئ بصدور هذا القرار. وأكد أن هذا القرار مخالف للقانون والدستور وأن النيابة ليست جهة إصدار أحكام وإنما القضاء هو الجهة الوحيد المنوطة بذلك.

عقوبة أم تعذيب؟

القرار أثار جدلا حول الحريات الشخصية. محمد الحمبولي رئيس مركز الحريات والحصانات بالمنيا قال إن قانون العقوبات المصري واضح وهذه القضية جنحة سكر وعقوبتها القضائية ٦ أشهر، لافتا إلى أن وكيل النيابة ليس له الحق في الحكم من الأساس والحكم فقط من حق القاضي. ولفت “الحمبولي” إلى أن التظاهرات ضد القضاء التي سبقت القضية قد تكون دفعت وكيل النيابة إلى هذا القرار.

واعتبر نجيب جبرائيل المحامى ورئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أن قرار وكيل نيابة مطاى يتضمن جريمتين الأولى هي إنكار العدالة وعدم تطبيق قانون العقوبات خاصة أن وكيل النيابة لا يملك إنزال العقوبة بالمتهم وإنما دوره هو إحالته إلى المحكمة المختصة، والجريمة الثانية هي التحريض على ارتكاب جناية تعذيب خاصة أن القرار الصادر بجلد المواطن يخاطب مأمور مركز شرطة مطاى لتنفيذ عقوبة جلد هذا المواطن بالفعل.

“النيابة العامة ليست جهة لإصدار الأحكام”

كما جدد القرار النقاش المجتمعي الدائر حول ما بات يعرف “بأخونة الدولة”، أي أسلمة مفاصل الدولة واسناد مسؤوليتها إلى أشخاص ينتمون لجماعة الإخوان.محمد أمين مفكر سياسي وقيادي بالحزب الناصري قال “إن استشهاد وكيل النيابة بالآيات القرآنية بديلا عن ما بين يديه من القانون المعمول به في مصر لا يعني أكثر من بث الإرهاب لدى كل من يريد نقد هذا القرار.” وأضاف أن استشهاده بآيات سورة المائدة وخاصة الآية 47 “ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون.” يضع مأمور مركز الشرطة تحت سيف الحرابة وبذلك يحكم على القائمون بعدم التنفيذ أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم. وتعجب المفكر الناصري من مضاعفة الحكومة الحالية للضرائب على الخمور بما يعني إباحة التجارة فيها.

أما عصام خيري الناطق باسم الجماعة الإسلامية بالمنيا وصف قرار وكيل نيابة مطاى بأنه “حرص على تطبيق الشريعة، وهو شعور محمود ومحبذ، لكن وكيل النيابة لا يملك إصدار مثل هذا القرار لأنه قرار قضائي. كما أن القرار يتطلب تنفيذه شروطا محددة بخصوص طريقة ومكان التنفيذ قد لا تكون متوافرة في الوقت الحاضر. وأن هناك من الموانع المادية ما يصعب تنفيذ القرار”. مشددا في الوقت نفسه على ضرورة تنقية قانون العقوبات من كل ما يخالف الشريعة الإسلامية.

محمد الميرغني رئيس نادي قضاة أسيوط قال إن وكيل النيابة الذي أصدر القرار خريج حديث 2010، وهو متدين ويميل لأحد التيارات الإسلامية ولكنه خالف صريح القانون وتجاهل نصوص قانون العقوبات، مشيرا إلى أن القانون المصري مستمد من الشريعة الإسلامية حتى في أقل شيء وهو المعاملة. وقال إن الجزاء الذي وقع علي وكيل النيابة جعل الجميع يخاف من الإقدام على ما أقدم عليه، نافيا أن تكون هذه بداية لأخونة القضاء ومعترضا على مصطلح أسلمة القضاء قائلا “كلنا مسلمين”.

“القرار غير مسئول وينم عن سطحية”

احمد شبيب رئيس المركز العربي لحقوق الإنسان بالمنيا قال إن صدور مثل هذا القرار يؤكد على ضعف أعضاء النيابة العامة علميا وقانونيا، إذ ان وكيل نيابة مطاي( مصدر القرار) خلط ما بين سلطة النيابة العامة في التحقيق وسلطة المحكمة في توقيع وإنزال العقاب. كما أكد أن هذه الواقعة “تعد الأولى من نوعها في مصر حيث أن قانون العقوبات والإجراءات الجنائية والتعليمات الخاصة بالنيابة العامة لا تعرف مثل هذه القرارات الغير مسئولة، ولا توصف إلا بكونها قرارات هوائية تحدث توتر وتثير قلاقل داخل الأوساط القانونية وكذا بين المواطنين لصدورها من غير مختص بإنزال العقاب ولكونها لا توافق القانون المصري في أي نص من نصوصه”.

كما أكد شبيب أن المركز العربي اتخذ الإجراءات القانونية ضد هذا القرار، وذلك بتحرير محضرا رسميا ضد وكيل نيابة مطاي وضد المحامي العام لنيابات شمال المنيا وذلك لتوضيح أسباب صدور مثل ذلك القرار. وأكد شبيب على “ضرورة تطهير القضاء ولكن من مثل هؤلاء الأعضاء الذين لا يفرقون بين سلطة التحقيق وسلطة المحاكمة وهؤلاء الذين لم يتعلموا نصوص القانون المصري وهؤلاء الذين يثيروا القلاقل والتوتر لدى المواطنين”.