لم يتردد حسين العباسي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل في التعبير بوضوح عن رفضه الالتحاق بالمبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي للحوار الوطني. وفد هام زار العباسي في مكتبه بالمقر التاريخي للاتحاد بالعاصمة تونس، وسعى دون جدوى، إلى جلبه إلى قصر الضيافة بقرطاج حيث انطلقت الجولة الأولى من الحوار بين الأحزاب.
لم يتردد حسين العباسي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل في التعبير بوضوح عن رفضه الالتحاق بالمبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي للحوار الوطني. وفد هام زار العباسي في مكتبه بالمقر التاريخي للاتحاد بالعاصمة تونس، وسعى دون جدوى، إلى جلبه إلى قصر الضيافة بقرطاج حيث انطلقت الجولة الأولى من الحوار بين الأحزاب.
الوفد الحزبي الزائر تكون من الصحبي عتيق، العضو القيادي في حركة النهضة ورئيس كتلتها البرلمانية بالمجلس الوطني التأسيسي، والمولدي الرياحي، القيادي بحزب التكتل ورئيس كتلته البرلمانية كممثلين عن السلطة الحاكمة، إضافة إلى النائب ميّة الجريبي، الأمينة العامة للحزب الجمهوري والنائب مهدي بن غربية، الناطق الرسمي باسم التحالف الديمقراطي، ورضا بلحاج، القيادي بحركة نداء تونس التي يتزعمها الباجي قائد السبسي، الوزير الأول الأسبق والعدو اللدود للنهضويين.
وكان زبير الشهودي مدير مكتب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة قد تحدث عن مساع جارية لترتيب لقاء لهذا الأخير مع الزعيم العمالي خلال الأيام القادمة، مع الإشارة إلى أن حركة نداء تونس انسحبت من مبادرة المرزوقي للحوار، وربطت عودتها بحضور الاتحاد العام التونسي للشغل والأطراف السياسية المتخلفة وفي مقدمتها الجبهة الشعبية المعارضة.
المراقبون في تونس لم يفاجئهم رفض الاتحاد الدعوة الموجهة إليه رغم كونه المدافع الأكبر عن الحوار الوطني وأول الداعين إليه. وكانت حركة النهضة هي الطرف الأساسي الذي قاطع الجولة الأولى من الحوار الوطني التي نظمها الاتحاد في 16 تشرين أول/ أكتوبر 2012 احتجاجا على مشاركة حركة نداء تونس التي تتهمها بإعادة بناء منظومة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل.
الاتحاد أوضح أنه لا يمكنه المشاركة في مبادرة تقاطعها أطراف سياسية هامة، مع التأكيد في نفس الوقت على حيادية الطرف النقابي وحرصه على التفاعل الإيجابي مع كل المبادرات الهادفة إلى التقريب بين مختلف وجهات النظر والتعجيل بالمصالحة الوطنية.
كما جدد العباسي دعوة كافة الأطراف للمشاركة في الجولة الثانية للحوار الوطني الذي أطلقه الاتحاد في أقرب الآجال. وقد يتم تنظيم هذه الجولة الثانية يوم الأول من شهر أيار/ مايو المقبل بالتزامن مع الاحتفال بعيد الشغل أو العيد العالمي للعمال بحضور كافة الاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني.
ما الذي تغير إذن بين تشرين أول/ أكتوبر 2012 ونيسان/أفريل 2013 وجعل الاتحاد يغيّر موقفه، رغم تغيّر موقف النهضة التي قبلت أخيرا بالجلوس على نفس الطاولة مع نداء تونس، بل وشكلت معه وفدا مشتركا لمقابلة قيادة الاتحاد ومحاولة إثنائها عن قرارها؟ ما الذي جعل النهضة المتشددة في تمنّعها تتحول إلى راكض خلف الاتحاد للجلوس معه على نفس طاولة الحوار التي سبق لها أن قاطعت دعوته إليها؟
في الأشهر السبعة الفاصلة بين 16 أكتوبر و22 أفريل حصلت تغيرات خطيرة قلبت شروط المعادلة وغيرت بالتالي مواقع ومواقف الأطراف الفاعلة فيها. البداية كانت في 4 كانون اول/ ديسمبر عندما قامت ميليشيات ما يسمى بروابط حماية الثورة وعناصر من حركة النهضة بمهاجمة مقر الاتحاد والاعتداء على النقابيين.
وتحدثت تقارير عديدة عن محاولة للانقلاب على القيادة الشرعية المنتخبة للاتحاد العام التونسي للشغل والاستيلاء على مقره. وجاءت هذه الهجمة المنسقة على الاتحاد بعد حملة تشويه شرسة شنتها على قيادته وسائل إعلام وصفحات في شبكات التواصل الاجتماعي تابعة لحركة النهضة.
ثم كان اغتيال الزعيم اليساري البارز شكري بلعيد في 6 شباط/ فيفري وهو ما مثل صعودا بممارسات العنف إلى ذروتها القصوى. ومرة أخرى تشير أصابع الاتهام في حلقات عديدة إلى إمكانية ضلوع حركة النهضة في هذه الجريمة.
وفي حالتي الاعتداء على الاتحاد واغتيال شكري بلعيد هناك إحساس عام بعدم جدية التحقيق المجرى. بل أن الإصرار الحكومي وأساسا من حركة النهضة على التستر على ميليشيات ما يسمى روابط حماية الثورة المعتدية على الاتحاد ورفض اتخاذ موقف حاسم تجاهها، هو الذي أفشل عمل لجنة التحقيق المشتركة المشكلة للغرض من الطرفين وزاد في تعميق الهوة بينهما.
يضاف إلى ذلك الاستياء العميق لدى قادة الجبهة الشعبية من تصريحات الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي في ألمانيا وقطر حيث تهجم على معارضيه ولم يتصرف كرئيس لكل التونسيين حسبما يقتضيه منطق الدولة وقواعد البروتوكول.
لذلك فإن إصرار الاتحاد العام التونسي للشغل على رفض سياسة الأمر الواقع وعدم الالتحاق بمبادرة الحوار بين الأحزاب رغم اتفاقه الكامل مع أهداف هذه المبادرة.
وكان الاتحاد أصر على استكمال مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها وعقد جولتها الثانية دون تأخير، وهو ما يؤكد بأن المنظمة النقابية العريقة والواعية بحجم وأهمية دورها الوطني وهي التي كانت شريكة في معركة التحرر من الاحتلال وبناء الدولة الوطنية، ترفض الانجرار إلى خدمة أجندات سياسية تحصر خلاص البلاد في تحديد مواعيد الاستحقاقات القادمة.
والاستحقاقات الوطنية الأساسية بالنسبة للاتحاد العام التونسي للشغل هي حماية البلاد من منزلقات العنف قبل أي شيء والتصدي لنزعات التسلط والهيمنة. لذلك يربط قادة الاتحاد في كل تدخلاتهم بين المحاسبة والمصالحة وبناء الدولة المدنية، ويصرون على كشف قتلة بلعيد ومن يقف خلفهم ومعاقبة الذين انتهكوا حرمة الاتحاد.
خلاف ذلك لن يكون سوى وفاق مغشوش قد يمثل مسكنات ظرفية، لكن مصيرها أن تقود البلاد إلى منزلقات الفوضى والمواجهات وعودة الاستبداد. خاصة مع تزايد مشاكل المجلس الوطني التأسيسي الذي يمثل السلطة الأصلية، وتورط عدد من أعضائه في قضايا هزت من صورة هذا المجلس لدى الرأي العام وزادت من عدد المطالبين بحلّـه.
مبادرة المرزوقي فشلت حتى قبل أن تنطلق، فهل سينجح الاتحاد في تقليم أظافر النهضة، وتجميع القوى السياسية والمجتمعية حول قرارات مصيرية من شأنها أن تمكن من الرّسوّ بسفينة البلاد على بر الأمان؟