حالة من الغضب سادت بين أوساط خطباء المساجد التابعة لهيئة الأوقاف بمحافظة الإسكندرية، إثر تعرضهم للضغط من أجل حث المواطنين على الانصياع إلى أوامر الحاكم والجماعة وهو ما رفضه أئمة عدد كبير من أئمة مساجد المحافظة.

استقالة أثناء الخطبة

حالة من الغضب سادت بين أوساط خطباء المساجد التابعة لهيئة الأوقاف بمحافظة الإسكندرية، إثر تعرضهم للضغط من أجل حث المواطنين على الانصياع إلى أوامر الحاكم والجماعة وهو ما رفضه أئمة عدد كبير من أئمة مساجد المحافظة.

استقالة أثناء الخطبة

قبل ثلاثة أسابيع شهدت محافظة الأسكندرية مشهدا غريبا يحدث لأول مرة، فمن فوق منبر مسجد سيدي جابر الشيخ بمحافظة الإسكندرية، أعلن الشيخ حسن عرفة، إمام مسجد”الشهداء” استقالته قبل ثلاثة أسابيع أثناء إلقائه خطبة الجمعة، مبررا ذلك أمام المصلين لرفضه تأييد الرئيس محمد مرسي وتوجيه المواطنين لتأييده والوقوف أمام التظاهرات.

التقى موقع “مراسلون” بالشيخ حسن عرفة إمام مسجد الشهداء، والذي قال في البداية “قبل شهرين فوجئت بتكليف من وزارة الأوقاف بأداء خطبة الجمعة بمسجد جابر الشيخ خلال وجود تظاهرات للإخوان المسلمين لتأييد الرئيس مرسى وأخري ضده، وحث المواطنين علي عدم الانصياع للثوار وتأييد الرئيس محمد مرسي بدعوى الدين وطاعة الحاكم”.

ويضيف عرفة، بأنه شعر بالاهانة بهذا التكليف، ليست فقط إهانة شخصية وإنما إهانة للدين الذي وجد أنه يُستغل لغرض معين وهو مبايعة جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب الحرية والعدالة، مؤكدا أنه فور ذلك تقدم باستقالته من وزارة الأوقاف.

ويؤكد عرفة، أن لا يصح أبدا أن يستغل الدين في السياسة بهذا الشكل لإن الدين أسمي بكثير من أن يستغل في الدعاية والانصياع لأوامر حاكم يرى الشعب أن ما يفعله هذا الحاكم يخدم مصالح جماعه معينة، مؤكدا انه ليس نادم علي هذا القرار الذي أخذه وانه سوف يعمل علي الدعوة من خلال المساجد الأهلية ومن خلال الندوات ومن خلال تحفيظ القرءان حتى لا يأتي اليوم الذي يشعر فيه بأنه تاجر بدين الله من أجل لقمة العيش.

اتهامات بخيانة الثورة

هذه الواقعة لم تختلف كثيرا عن واقعة الشيخ محمد علي، أمام وخطيب مسجد العامرية غرب المحافظة، والذي فوجئ يوم أدائه خطبة صلاة الجمعة منذ أسبوعين بأحد المنضمين من الأهالي لحزب الحرية والعدالة يقول له “انتم فلول وتابعين لنظام مبارك الفاسد”، وذلك بعد أن قال الشيخ في خطبته “إنه على المصريين أن يتوحدوا ضد أي جماعة أو حزب يحاول استغلالهم لتحقيق مصالح شخصية من خلال مناصرتهم وتأييدهم”.

ويمضي علي قائلا “ثم قال لي هذا الشخص بصوت مرتفع أمام المصلين، لابد وأن تقول للناس إن الرئيس محمد مرسي هو الأصلح في الفترة الحالية وان تدعوهم لإعطائه فرصة فترة 4 سنوات حتى يتسنى له أن يفعل شئ ويصلح حال البلد بعيدا عن الانسياق وراء الشباب الذين يدعون أنهم ثوار ويضحكون علي عقل المواطنين”. وفي ذلك اليوم حدثت مشادات كثيرة بين مناصري جماعة الإخوان وبين المعارضين من الأهالي، كما يروي علي.

علي قرر أن ينسحب من إلقاء خطبة الجمعة بهذا المسجد والذهاب لمسجد علي ابن أبي طالب بذات المنطقة لما رآه من توجيه واضح في المسجد الأول. واختتم حديثه بجملة “من يجبر الأئمة علي مناصرة الحاكم هم مفسدو هذا الزمان”.

ومن أجل معرفة رد حزب الحرية والعدالة على هذه الاتهامات أجرت “مراسلون” اتصالا هاتفيا بأمين حزب الحرية والعدالة بالإسكندرية، حسين إبراهيم، للتعليق علي الأمر، إلا انه رفض الرد علي أسئلتنا أو التعليق عليها.

مساجد تابعة للإخوان

أما الشيخ حامد عبد الباري، أحد الدعاة بوزارة الأوقاف، فيؤكد أن هناك مساجد خاضعة لجماعة الإخوان المسلمين بالمحافظة، لكنها تابعة للأوقاف حسب القانون ومنها مساجد “الشهداء والتوبة والإحسان والكائنين بمنطقة العصافرة قبلي بدائرة المنتزه”، مؤكدا أن العديد من الأهالي انقطع تماما عن أداء صلاة الجمعة بهذه المساجد بسبب توجيه الخطباء لتأييد الرئيس محمد مرسي والانصياع وراء أوامر الجماعة.

ويواصل عبد الباري حديثه، مما جعل بعض الأهالي يرسلون شكاوي لوزارة الأوقاف ولكن دون جدوى لأنه “ببساطة تحولت البلد من حزب وطني ديمقراطي إلي حزب الحرية والعدالة الاخواني الذي يحكم”.

الأوقاف: لم نوجه الأئمة

لكن وزارة الأوقاف تنفي أي تدخل من جانبها في خطب الأئمة، حيث نفي الشيخ إبراهيم الحشاش، وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، توجيه خطباء المساجد والأئمة في خطبة الجمعة للمصلين وحثهم علي تأييد قرارات الرئيس محمد مرسي وإعطائه فرصة لإدارة البلاد خلال فترته الانتخابية، مؤكدا أن ذلك لم يحدث على الإطلاق إلا في حالات فردية وتعاملنا معها في قسم التحقيقات.

ويضيف الحشاش، أن دور الأئمة فقط يتمثل فيه التوعية بالأمور التي تمر بها البلاد والمشاركة في الانتخابات وليس التوجيه لانتخاب شخص بعينه، مؤكدا أنه تلقى بشأن هذا التوجيه شكوى من أهالي منطقة الجمرك ضد الشيخ إبراهيم خيري إمام مسجد عباد الرحمن ببحري والذي دعي علناً في خطبته لتأييد المواطنين للدستور لتطبيق شرع الله، مما أثار حفيظة المصلين الذين قاموا بطرده من المسجد.

ويوضح الحشاش، أنه حينما علما بتلك الواقعة تم وقف إمام المسجد عن العمل وتم نقله إلي مسجد أخر مع التنبيه عليه في عدم توجيه أي أحاديث سياسية للمصلين. ثم تطرق الحشاش إلى الشيخ احمد المحلاوي، الداعية الشهير للتيار الإسلامي في مسجد القائد ابراهيم، فقال “أولا المحلاوي ليس إمام مسجد القائد إبراهيم الشرعي ولكن لأنه قطب ديني كبير فسمحنا له بإلقاء خطبة الجمعة مرة واحدة في الشهر ولذلك فالأوقاف ليست مسئولة عما يصرح به المحلاوي لأنه لا ينتمي إليها”.

تباين في آراء المصلين

قضية تسييس الأئمة تلقى صدى لها عند المصلين. فإسلام عبد الظاهر، موظف بجامعه الإسكندرية، يقول إنه منذ ما حدث من مهاجمة واحتجاز الشيخ الجليل احمد المحلاوي من قبل مجموعة من البلطجية داخل مسجد القائد إبراهيم في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي وهو ممتنع عن الصلاة في هذا المسجد. ويتابع “المحلاوي قامة رفيعة من العلم والدين”، مؤكدا أن لا احد يرضيه في الخطبة ويقتنع به ويستمتع بكلماته سوى المحلاوي ذاته.

أما احمد فريد، عضو ائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية، أكد انه كان يعشق الصلاة في مسجد القائد إبراهيم الذي يعد هو عنوانا ورمزا لثورة الشباب إلا أنه امتنع عن أداء الصلاة فيه بسبب توجيه الشيخ احمد المحلاوي في خطاباته الدائمة بالدعوة لتأييد قرارات الرئيس محمد مرسي وإن طاعة الحاكم من طاعة الخالق، مؤكدا أن كل ذلك جعله ينفر من الاستماع للخطبة بهذا المسجد.

ويضيف فريد أنه أصبح الآن يصلي في مسجد المرسي أبي العباس الذي يري فيه أن خطبائه رجال دين علي حق ولم يقوموا بتوجيه الناس لتأييد جماعة أو حزب بعينه ولكنهم يخطبون من أجل الوعي الديني فقط، خاتما حديثه بجملة “نحن في احتياج للسماع عن الدين وليس عن الأحزاب المتدينة”.