“جئنا لرفع الإهانة عن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة باني الدولة الحديثة”، بهذه الكلمات أعلن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر عن افتتاح “متحف بورقيبة بالمنستير” في الذكرى الثالثة عشر على وفاته. وإن كانت مراسم الافتتاح لم تخلُ من عدة نقائص ليس أقلها أن أقساماً من المتحف لا تزال قيد الإنشاء.

دكتاتور أم زعيم؟

“جئنا لرفع الإهانة عن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة باني الدولة الحديثة”، بهذه الكلمات أعلن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر عن افتتاح “متحف بورقيبة بالمنستير” في الذكرى الثالثة عشر على وفاته. وإن كانت مراسم الافتتاح لم تخلُ من عدة نقائص ليس أقلها أن أقساماً من المتحف لا تزال قيد الإنشاء.

دكتاتور أم زعيم؟

عدنان منصر حرص في كلمة ألقاها بالمناسبة على تفادي الوقوع في فخ خطاب سياسي يمجد الرئيس التونسي الراحل أو ينتقده، واكتفى بأن ألقى كلمة دبلوماسية كانت غائبة عن خطابات سابقة لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي نفسه في أكثر من مناسبة لدى تطرقه لموضوع “الحبيب بورقيبة”.

ولم يخفِ رئيس الجمهورية التونسية الرابع في فترة الاستقلال، انتقاداته لسياسة الحبيب بورقيبة، لا سيما منها المتعلقة بهوية الدولة وبالصراع “اليوسفي البورقيبي” في ستينيات القرن الماضي.

كما لم يخفِ المرزوقي اعتبار سلفه الأول “دكتاتوراً”. وقد برز ذلك من خلال حرص المرزوقي على التأكيد على أنه (المرزوقي) أول “رئيس منتخب ديمقراطي في تاريخ تونس”، وأنه أيضاً “أول رئيس تونسي يستمع لمعارضيه ولا يسجنهم”.

وفي هذا العام لم يتخلف الرئيس التونسي منصف المرزوقي عن زيارة ضريح الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وأشرف بمسقط رأس الزعيم بولاية المنستير(135 كلم جنوب شرق تونس)، على موكب تلا خلاله الفاتحة على روح الزعيم بورقيبة، وقال فيه: “لا أنكر فضل الزعيم الخالد على تونس، على الرغم من اختلافي مع بعض مواقفه”.

إقرار المرزوقي المنتمي للعائلة السياسية اليوسفية المعروفة بمعارضتها لسياسة الحبيب بورقيبة بأن الأخير “هو زعيم تونسي”، وجد صدى له لدى شريحة من التونسيين الذين عادوا للحديث عن الإرث البورقيبي وعن شخصية الزعيم  باعتباره أول رئيس للجمهورية التونسية منذ إعلان النظام الجمهوري في عام 1957 .

الموقف من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة قسّم التونسيين إلى قسمين. قسم “يشيطن” بورقيبة ويعتبره “عدواً للإسلام”، ودكتاتوراً “حوّل وجهة تونس إلى الغرب”، وهذا رأي تتقاسمه أحزاب ذات مرجعية إسلامية أو قومية. وقسم يعتبر بورقيبة باني تونس الحديثة ومحرر المرأة.

ومن القائلين بالرأي الأول مصطفى القلعي، سياسي ذو مرجعية قومية وناشط نقابي، حيث اعتبر في تصريح لـ”مراسلون” أن عودة الحدّيث عن الفكر البورقيبي في تونس ما بعد الثورة “يتم تاريخيّ”، وأن “الشعب يتوهّم” في شخص الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة باعتباره “رمزاً له”.

فكر تغريبي

ووصف  القلعي  إحياء الفكر البورقيبي “دليل على خواء الحاضر”. وانتقد القلعي عودة “هيمنة الحبيب بورقيبة” على الساحة السياسية التونسية إثر ثورة 14 كانون ثان/يناير 2011. بعد أن غاب عنها منذ انقلاب 1987 تاريخ إصدار الرئيس التونسي السابق زين العادين بن على أمراً بوضع الحبيب بورقيبة في الإقامة الجبرية بمسقط رأسه بالمنستير.

ويشترك طارق العمرواي، الكاتب والمحلّل السياسي، مع مصطفى القلعي في رفضه لإحياء الفكر البورقيبي في تونس. وقال إنّ “الحديث عن البورقيبية هو وقت ضائع”، معتبراً أنّ  النظام البورقيبي “لم يكن حاملاً لبرنامج حداثي مؤسس، بل كان يحمل أفكاراً عامة تقلّد الغرب وترضى بإملاءاته”.

هذه الصورة المنقولة عن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة التي يقترن فيها اسمه مع ما يعتبره قسم من معارضيه “تغريب تونس وسلخها عن امتدادها العربي الإسلامي”، تجد امتداداً لها في الخطابات الجماهيرية لرئيس حركة النهضة الحاكمة في تونس راشد الغنوشي.

حيث أكد الغنوشي في أكثر من مناسبة أن الحبيب بورقيبة، هو “المخلوع الأول” ( يطلق على بن علي اسم الرئيس المخلوع)، حارب الإسلام وفشل في أن ينتزع تونس من جذورها.

ولم تتوقف “عدائية” الغنوشي للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، فقد وصف الزعيم بورقيبة بمناسبة ذكرى الجلاء السنة الماضية، بـ”النرجسي والطاغية”. وقوبل هذا الموقف بغضب أنصار بورقيبة لا سيما في مسقط رأسه المنستير، التي أُحرق فيها مكتب حركة النهضة في شهر شباط/فبراير المنصرم.

باني تونس الحديثة

لكن حلفاء حركة النهضة في الائتلاف الحاكم ينظرون إلى بورقيبة بصورة مغايرة، فعمر الشتوي القيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وعضو المجلس التأسيسي، أعرب في تصريح لـ”مراسلون” عن “احترامه لبورقيبة”، وقال إنه “لا يمكن لأحد أن ينكر دور بورقيبة في بناء تونس الحديثة”. لكن الشتوي وكذلك محمد الهرقام، عضو المجلس التأسيسي عن حزب التكتل الديمقراطي، يقسّمان تجربة بورقيبة إلى ثلاث مراحل: وهي “النضال وبناء الدولة والشيخوخة”.

ومقابل الآراء القائلة باستحالة إحياء الإرث البورقيبي، فإنّ العديد من التونسيين يرون عكس ذلك، على اعتبار أنّ “الرجل نجح في بناء دولة حداثية ومتقدّمة في حقبة زمنية صعبة”. وفي هذا السياق قال خليفة شاطر أستاذ التاريخ المعاصر إنه يمكن “بعث الفكر البورقيبي من جديد شريطة الحفاظ على المكاسب التي تحققت، وإثراء هذا الفكر السياسي بالحلقة المفقودة في هذا الفكر، وهي الديمقراطية”.  

واعتبر الشاطر أنّ “بورقيبة أعطى الأولوية لبناء دولة حديثة على حساب الديمقراطية”. وهذا الرأي يشاطره فيه سمير الطيب القيادي بحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي الذي عارض في ثمانينيات القرن الماضي نظام الحبيب بورقيبة. ويشهد الطيب اليوم للرجل بأنه “زعيم سياسي أخطأ وأصاب”.

وتكمن  أخطاء بورقيبة من وجهة نظر الطيب، وهو عضو المجلس الوطني التأسيسي، في عدم إرسائه لآليات الديمقراطية واستفراده بالحكم.

لكن حفيدة  الزعيم الراحل، مريم  بورقيبة، تخالف رأي الطيب وتعتبر أن جدها مثّل رمزاً للوحدة الوطنية ورمزاً لسيادة الشعب والجمهورية”. وأضافت مريم أن بورقيبة هو “رمز للمساواة بين الفئات والجهات وبين المرأة والرجل”. ودعت إلى عدم الإساءة أو استغلال صورة وتاريخ جدها.

دعوة مريم بورقيبة إلى عدم استغلال اسم جدها الراحل تقابلها قناعة من عدة أطراف سياسية بأحقيتها في استثمار الفكر البورقيبي وإحياء سياسة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ومن أهمها سياسته في التعليم  والصحة وتحرير المرأة.

رغم تناقض تقييم السياسيين لتجربة بورقيبة الذي أطاح به في 7 تشرين ثان/نوفمبر 1987 الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي بانقلاب أبيض. وأعلن نفسه رئيساً جديداً للجمهورية. فإن الرجل لا يزال يحظى بشعبية لدى التونسيين يزور عدد منهم ضريحه بروضة آل بورقيبة بالمنستير في كل مناسبة يقترن بها اسمه.