مظاهر الصراع السياسي والإيديولوجي داخل حرم الجامعة التونسية اتخذت أشكالاً عديدة من خلال انتخابات المجالس العلمية، بحيث مثلت مختلف الكليات خلال الأسابيع الماضية مسرحاً لحملات انتخابية شارك فيها مرشحون عن الاتحاد العام لطلبة تونس (المقرب من اليسار) والاتحاد العام التونسي للطلبة (المحسوب على الإسلاميين) ومستقلون عن قائمات “صوت الطالب التونسي”.

انتخابات بلا هوادة

مظاهر الصراع السياسي والإيديولوجي داخل حرم الجامعة التونسية اتخذت أشكالاً عديدة من خلال انتخابات المجالس العلمية، بحيث مثلت مختلف الكليات خلال الأسابيع الماضية مسرحاً لحملات انتخابية شارك فيها مرشحون عن الاتحاد العام لطلبة تونس (المقرب من اليسار) والاتحاد العام التونسي للطلبة (المحسوب على الإسلاميين) ومستقلون عن قائمات “صوت الطالب التونسي”.

انتخابات بلا هوادة

التنافس خلال الانتخابات كان شرساً من أجل الحصول على ثقة الطلاب لتمثيلهم في المجالس العلمية التي تضم في عضويتها أيضاً ممثلين عن الأساتذة الجامعيين وعن إدارة الكليات. وفي محاولة لكسب أصوات الطلاب انطلقت الحملات الانتخابية للمرشحين، كل منهم على طريقته. وقد أسفرت نتائج انتخابات المجالس العلمية لهذه السنة عن فوز الفصيل اليساري بالجامعة (الاتحاد العام لطلبة تونس) وسط تشكيك غريمه التاريخي والإيديولوجي (الإسلاميين) في نزاهة سير العمليّة الانتخابية وسط اتهامات بممارسة ضغوطات على الطلبة وعدم حياديّة الإدارة.

تنافست المنظمات النقابية داخل الجامعة على 465 مقعداً على مستوى 12 جامعة في تونس. وتفوق اتحاد طلبة تونس بنسبة 36 في المائة على الاتحاد التونسي للطلبة الذي حصد 28 في المائة من الأصوات، بينما حصلت القوائم المستقلة الأخرى على نسبة 34 في المائة.

وتستمد الانتخابات الطلابية أهميتها على اعتبار أن الجامعة التونسية تمثل أحد أهم المركز التي تحاول الأحزاب والتيارات السياسية الموجودة بالبلاد التموقع بها وبسط نفوذها داخل أسوارها، فهذه المراكز تعد الأكثر تأثيراً في تونس من حيث التعبئة الجماهيرية، وبذا فهي تمثل ورقة سياسية ووسيلة ضغط وقت الحاجة، إضافة إلى رمزيتها الثقافية والتاريخية ودورها الطلائعي في المجتمع التونسي.

وبعد غياب دام أكثر من عقدين من الزمن سجلت الفترة التي تلت سقوط النظام السابق، عودة الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي يمثل التيار الإسلامي بالجامعة التونسية، للنشاط؛ فقد تم حينها حله بأمر قضائي خلال الحملة التي شنها نظام زين العابدين بن علي على الإسلاميين في أواخر التسعينيات.

عودة الفصيل الإسلامي للجامعة صاحبه إعلان حركة النهضة الإسلامي (الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد بالمجلس التأسيسي) عن تأسيس “شباب حركة النهضة بالجامعة”. الأمر الذي يعد مؤشراً على عودة التجاذبات والصراع الفكري والإيديولوجي داخل الجامعة التونسية، كما كان الحال خلال حقبة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بين التيار الإسلامي والشق اليساري بالجامعة الذي يمثله الاتحاد العام لطلبة تونس.

الإسلاميون يشكّكون

الناطق الرسمي باسم تنسيقية الاتحاد العام التونسي راشد الكحلاني للطلبة أكد لـ”مراسلون” أن الانتخابات داخل الجامعة لم تكن نزيهة. وقال إنها اتسمت بعدم حيادية الإدارة وتدخّل الأساتذة للتأثير على الطلبة لدفعهم على التصويت للقائمات المنافسة لهم. إضافة إلى عزوف الطلبة عن المشاركة في المحطة الانتخابية الجامعيّة.

ويضيف الكحلاني: “إن نتائج الانتخابات لم تكن على مستوى تطلّعات المنظمة وأنصارها، ولكنها مرضية بالنظر للظروف التي اتسمت بها العملية الانتخابية، من عدم حيادية الإدارة وتدخل الأساتذة للضغط على الطلبة وحملهم على التصويت لقائمات منافسة لنا”.

ويتابع لـ”مراسلون”: “لقد ركز الاتحاد العام التونسي للطلبة هذه السنة على المطالب والمشاكل التي تواجه الطالب من سكن ومنحة، وقد بذلنا مجهوداً كبيراً، لكن وجدنا أنفسنا في مواجهة عدم حيادية الإدارة والسماح للقائمات المنافسة بالقيام بحملات انتخابية خلال عملية الاقتراع. والأساتذة فرضوا على طلابهم التصويت لخصومنا، لدرجة أنهم هددوهم بالرسوب”.

في المقابل يرى وسام الصغير، عضو مكتب تنفيذي بالحزب الجمهوري وكاتب عام مكتب فيدرالي بالاتحاد العام لطلبة تونس، من خلال تصريحه لـ”مراسلون” أن نتائج الانتخابات كانت بمثابة رسالة من الشباب التونسي الواعي للحكومة وحركة النهضة الإسلامية خاصة، مفادها أنه “لا يمكنكم التلاعب بعقولنا”.

ويقول الصغير: “تزامنت نتائج انتخابات المجالس العلميّة مع الإعلان على حكومة علي العريّض، ومثّلت رسالة قوية مفادها أن تطلعات الرأي العام الشبابي المثقف في وادٍ، وأطروحة الحكومة التي تقودها حركة النهضة في وادٍ، باعتبار أن المنهزم في الانتخابات هو الذراع الطلابي للحركة الإسلامية”.

وفي الوقت ذاته يستنكر الصغير تشكيك الإسلاميين بالجامعة في نزاهة الانتخابات، ويعتبر أنه “عذر أقبح من ذنب”، وأنه كان من الأجدر بالاتحاد العام لطلبة تونس أن يبحثوا عن سبب فشلهم في الانتخابات عوضاً عن تحميل المسؤولية لغيرهم، مشدّداً على أنهم يعتمدون نفس أسلوب حزبهم من إلقاء اللوم على غيرهم في حال فشلهم.

تسييس الجامعة

وفي خضم الصراعات داخل حرم الجامعة ومحاولة السيطرة عليها وحشد أكبر عدد ممكن من الطلبة والترويج لإيديولوجيات مختلفة، تتصاعد الأصوات بتحييد المؤسسات الجامعيّة عن الصراع السياسي، وسط نفي الفصيل الإسلامي خدمة أجندة حزبية أو ممارسة السياسة تحت غطاء العمل النقابي، مقابل اعتبار اليساريين لهذا الأمر عاديا والتشبّث بحقّهم في تبنّي أفكار وإيديولوجيات.

وفي هذا الإطار نفى راشد الكحلاني تسييس المنظمة التي يتزعمها، وشدّد على أن “الاتحاد العام التونسي للطلبة عاد إلى الجامعة بعد الثورة من خلال طلبة مستقلّين، فحتى طلبة حركة النهضة بالجامعة كانوا متأخرين بالالتحاق بالمنظمة، ولكن بحكم التاريخ ومساهمة شباب الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حالياً) في المنظّمة جعل البعض يوجه لنا الاتهامات بخدمة أجندة الحركة داخل الجامعة”.

عضو مجلس الشورى بحركة النهضة وأحد نوابها في المجلس التأسيسي وليد البناني قال لـ”لمراسلون”: “كانت الجامعة وستكون دائماً في الطليعة، وهي تعبّر عن المجتمع التونسي. كما أن ظروف البلاد لم تعد نفسها خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات، ففي الوقت الحالي هناك هامش أكبر من الحرية، إضافة إلى العديد من القضايا التي يتم تناولها كالعمل ومسألة الحريات، بالإضافة إلى أنه لم يعد هناك وجود لهيكل البوليس السياسي وطلبة حزب الرئيس السابق”.

وأكد النائب في المجلس التأسيسي، الذي عايش الصراعات السياسية بين الطلبة الإسلاميين واليساريين بالجامعة خلال حقبة الثمانينات داخل الجامعة، أن “هناك تيارات متنوعة داخل الجامعة وهي جميعها معنية بالعدالة الانتقالية وحرية التعبير والعمل النقابي، ولكني أعتقد أن الاستقطابات الإيديولوجية ستنتفي خلال هذه المرحلة”.

السياسة حقنا

الأمين العام للاتحاد العام لطلبة تونس عز الدين زعتور اعتبر في تصريح خص به “مراسلون” أن التجاذبات السياسية داخل الجامعة أمر طبيعي، ويتمنّى لو تعود كما كانت خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، حيث يرى أن مستوى الطلاب تراجع بسبب الحصار الذي فرضه النظام السابق على الجامعة والبرامج التعليمية.

من جانبه يقول وسام الصغير: “كل مجموعة نقابية لديها هوية ثقافية، والاتحاد العام لطلبة تونس حركة طلابية تقدمية تعمل أصلاً على تأسيس الفكر التقدمي الديمقراطي الذي يؤسس لدولة مدنية. من المؤكد أن ندافع عن المصالح المادية والمعنوية والتربوية للطالب، ولكن من حقي أن أحمل أفكار وإيديولوجيات، فإذا لم أتبنَ فكراً معيناً داخل الحركة الطلابية، فمتى سأتبناه”.

ويواصل الناشط السياسي والنقابي حديثه قائلاً: “الاتحاد العام التونسي للطلبة يمثل فيه الناشطون السياسيون والحقوقيون قسماً كبيراً، وهذا ليس عيباً، بل على العكس؛ فهناك خيط رفيع بين العمل النقابي والعمل السياسي، وثمة عدة نقاط التقاء بينهما. ليس هناك تنصل داخل الاتحاد العام التونسي للطلبة من انتمائنا السياسي والفكري، لأنه ببلوغ مرحلة النضج السياسي تتطوّر قدرتنا على ممارسة العمل النقابي ومعالجة مطالب الطلاب”.

بيد أن الصغير يعترف أنه في حال تم تغليب العمل السياسي على العمل النقابي داخل الجامعة، فسيصبح الأمر مقلقاً، وستهتز ثقة الطالب بالمنظمات النقابية الطلابية داخل الجامعة التونسية. ومن هذا المنطلق “أدعو رفاقي أن يوفقوا بين السياسي والنقابي.”

لا يخدمون الطلبة

حاتم النصيري طالب بكلية الآداب بمنوبة يعتبر أن كل من المنظمتين، بتوجههما الإسلامي واليساري، تحاول خدمة أطراف سياسية خارج الجامعة، ولا تولي أي اهتمام لمشاكل الطالب التونسي، بل تعتبره مجرّد قوّة عدديّة تستعملها وقت الحاجة.

ويقول الطالب التونسي لـ”مراسلون”: “لم أشارك في الانتخابات، فكل منهما يلقي وابلاً من الوعود خلال الحملات الانتخابية من قبيل إيجاد حلول لمشكلة السكن الجامعي وزيادة مبلغ المنحة، ولكن إثر الإعلان عن النتائج يتنصّلون من وعودهم… في نهاية الأمر هم يخدمون مصالح الأحزاب لا غير”.

ويشار إلى أن الاتحاد العام لطلبة تونس تأسس في بداية عام 1952 تحت اسم الاتحاد العام للطلبة التونسيين، وانعقد المؤتمر التأسيسي في العاصمة الفرنسية باريس في تموز/يوليو 1953. فيما أنشئ الاتحاد العام التونسي للطلبة في نيسان/أبريل 1985، وتم الاعتراف الرسمي به عام 1988. لكنه مُنع من النشاط في أيار/مايو 1991، خلال المواجهة بين النظام التونسي وحركة  الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حالياً).