بعد تلقيه دروساً في اللغة الأمازيغية، أصبح الطفل أمسناو الأعور ذو الـ 8 سنوات يعلمها لوالديه في المنزل، فهم حرموا من الكتابة والقراءة بلغتهم الأم إثر عقود من الحظر الذي مارسه نظام القذافي على هذه الهوية ولغتها.

اللغة الأمازيغية من أقدم اللغات وهي اللغة الأصلية لسكان شمال أفريقيا قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع للميلاد بقرون، ولا زال يتحدثها الأمازيغ في كل من ليبيا والجزائر والمغرب وتونس.

بعد تلقيه دروساً في اللغة الأمازيغية، أصبح الطفل أمسناو الأعور ذو الـ 8 سنوات يعلمها لوالديه في المنزل، فهم حرموا من الكتابة والقراءة بلغتهم الأم إثر عقود من الحظر الذي مارسه نظام القذافي على هذه الهوية ولغتها.

اللغة الأمازيغية من أقدم اللغات وهي اللغة الأصلية لسكان شمال أفريقيا قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع للميلاد بقرون، ولا زال يتحدثها الأمازيغ في كل من ليبيا والجزائر والمغرب وتونس.

إلا أن أمازيغ ليبيا بشكل خاص مارس عليهم نظام القذافي قمعاً شديداً ليمحو هويتهم الامازيغية بدءاً بمنعهم من تحدث لغتهم الأم، ومحاولات طمس ثقافتها، ومحاربة كل من يحاول كسر هذا الحظر، وقد سفكت في ذلك دماء وامتلأت السجون بالنشطاء الأمازيغ.

كما وصل الأمر حد منعهم من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية، ما جعل معظمهم يحمل اسمين، أحدهما عربي مسجل في بطاقة الهوية والآخر أمازيغي يعرف به في منطقته وبين أهله.

خطوات في الطريق

وبعد زوال النظام السابق كان من الطبيعي جداً أن يسعى الأمازيغ لممارسة حقهم في العيش بلغتهم وإعادة إحياء الثقافة الأمازيغية، وكان ذلك بأن أطلق عدد من السكان مبادرات فردية لتدريس اللغة الأمازيغية (حرف التيفيناغ) كخطوة في فسحات النور.

تقول فوزية العزابي “أزول (السلام عليكم بالعربية)، في خِضم الثورة بدأ ابني بندق بتدريس اللغة الأمازيغية للأطفال في إحدى الجمعيات الخيرية، ما حدا بالأهالي لمطالبة مسؤولي مدينة زوارة (أقصى الغرب الليبي) بتدريسها”.

وتردف العزابي “بإشراف المجلس المحلي ومؤسسات المجتمع المدني تم استقدام أساتذة لغة أمازيغية من دولة المغرب، ليحاضروا في 65 من الأهالي لمدة أسبوعين”.

استقبال بالفرح

رياض قطوسة (35 عاماً) كان من بين الذين حضروا دورات في تعليم الأمازيغية ويدرسها الآن، يقول لمراسلون “بالطبع لم أتوانى عن التسجيل على الفور في مثل هذه الدورات وأُقبل عليها بعد طول انتظار”، ويضيف رياض أن “الدرس الأول استقبل بالتكبير والدموع والترحم على أرواح الشهداء، فيما كانت الدروس منوعة بين قواعد اللغة وأسس النطق والكتابة”.

ويؤكد قطوسة أن هذه الدورات “تميزت بتجاوب المنتسبين بشكل كبير، لدرجة اذهلت المدربين الذين قال أحدهم: أنا كنت اتوقع بأنني سأعرفكم وأعلمكم الأمازيغية ولكن يبدو أنني من سيتعرف عليها أكثر من خلالكم فأنتم لديكم منها رصيد لم اتوقع أن أجده”.

السلطات لاتتجاوب

كل المبادرات التي تمت لحد الآن في مجال تعليم الأمازيغية كانت فردية تدعمها فقط المجالس المحلية وبعض مؤسسات المجتمع المدني بالمدن التي تتم فيها، بينما لم تقم السلطات بأي خطوة إيجابية تجاه دعم هذا الحق.

وفي هذا السياق يشكو عضو المجلس المحلي لمدينة زوارة رياض صاكي من عدم تجاوب السلطات الليبية مع حقوقهم، فيما يوضح “شكلنا لجنة لمتابعة تعليم الأمازيغية، وقامت بمخاطبة وزارة التعليم لعدة مرات بهذا الخصوص، لكن لم يصلنا جواب مقنع سواء بالقبول أو الرفض، وكذلك الأمر بالنسبة لرئاسة الوزارة”.

وهو ما حدا بالمجالس المحلية لمناطق (زوارة، نالوت، كاباو، جادو، القلعة، الرحيبات، يفرن) الواقعة جميعها في الغرب الليبي، في النصف الأول من سبتمبر 2012، لإصدار قرار موحد يقضي بتعليم اللغة الأمازيغية في مدارس تلك المناطق .

حق وليس منة

صاكي الذي اعتبر تعليم الأمازيغية في المدارس حقاً وليس منة من الدولة استطرد “عقدت المجالس اجتماعاً موسعاً في مدينة نالوت، حضره كل أعضاء المؤتمر الوطني عن المناطق الناطقة بالأمازيغية، وتم خلاله إقرار تعليم اللغة الأمازيغية للسنوات الابتدائية الثلاث الأولى كمرحلة أولية”.

ولتنفيذ هذا القرار قامت المجالس المحلية لتلك المدن بإقامة دورات تدريبية لعدد من المدرسين الذين سيتولون هذه المهمة، كان آخرها تخريج دفعة من 35 معلماً في مدينة زوارة و 78 معلماً في مدينة الرحيبات، تلقوا تدريباً على المنهج الذي تم وضعه بهدف تلقينه للتلاميذ الصغار.

الحقوق تنتزع

هكذدا تقول نهى العاصي وهي إحدى المعلمات اللائي تلقين تلك الدورات في مدينة زوارة وتلوم السلطة على عدم التفاتها للغة الأمازيغية، قائلةً “الدولة الجديدة لم تلتفت يوماً إلى حلمنا وحقنا في تعلم وتعليم الأمازيغية، لذلك اعتمدنا على أنفسنا في انتزاعها فالحقوق تنتزع ولا تُمنح”.

العاصي أوضحت أنها بعد أن تلقت هي و زملائها من معلمي مدينة زوارة الدورة بدؤوا بالتدريس في المدارس بدءاً من الحروف كتابة ونطقاً إضافة لبعض الأناشيد، واستطردت بعينين تلمعان فرحاً “يوم استقبال كتب المناهج لم يكن مجرد يوم عابر، بل كان يوماً اختلطت فيه دموع الحزن والفرح الحزن على من فارقونا ،والفرح بما أتانا “.

تضحيات أجيال

هذا الفرح الذي يعيشه اليوم من يخوضون التجربة، كان ثمنه باهضاً دفعه جيل كامل من الأمازيغ الذين حرموا من لغتهم والذين ظلوا يناضلون لإحيائها من جديد .

قبل ثلاثة عقود اختُطف عمران أبو السعود من مدينة زوارة (أقصى الغرب الليبي) مسقط رأسه، ليقبع 7 سنوات خلف قضبان سجن أبي سليم بطرابلس بتهمة النضال لأجل القضية.

ولأن فترة الأربع عقود من حكم القذافي كانت طويلة وكفيلة بالإضرار باللغة وإضعافها، أبو السعود كان أحد النشطاء الذين أسسوا “نادي الجزيرة الثقافي” في مدينة زوارة عام 1964، والذي قاموا من خلاله بعدة نشاطات تدعم حقهم في التحدث بالأمازيغية.

يستذكر أبو السعود في حديثه لمراسلون تلك التجربة قائلاً “بالرغم من كل الضغوطات التي كان يمارسها نظام القذافي كنا ندرج اللغة الأمازيغية ضمن الأنشطة الثقافية لنادي الجزيرة، كما نشرنا ملصقات ومنشورات بحروف التيفيناغ (الأمازيغية)، في زمن كانت فيه المطالبة بالحق خيانة والضحية هو الجاني”.

يضيف الرجل الستيني وقد اغرورقت عيناه بالدموع “في حين كان رجال الأمن يقومون بمسح تلك الشعارات، كان بعض معلمي المدرسة الجنوبية بزوارة يمنحونني حصصهم لأدرس للتلاميذ اللغة الأمازيغية دون علم المسئولين وتوج نضالنا بقوافل الشهداء والجرحى فمن زوارة فقط قدمنا 54 شهيد لأجل الوطن والقضية” .

هُجروا لأجلها

هذا حال عثمان بن ساسي منذ سنة 1979، وهو من أمازيغ ليبيا الذين يتمركزون غالباً في جبل نفوسة ومدينة زوارة كما في صحراء الجنوب، فقد اضطر بن ساسي للهجرة خارج البلاد بعد أن أصبح مطلوباً للنظام الذي قام بمحاولة تصفية رفيقه الأديب سعيد سيفاو المحروق، ما جعله أول لاجئ سياسي ليبي لأجل الأمازيغية.

يروي بن ساسي قصته لمراسلون قائلاً “سنة 1975 كنت موظفاً في مصرف أصدر مديره قراراً بمنع التحدث بالأمازيغية داخله، و استفزني هذا القرار الجائر، فاللغة وسيلة للتعبير وإن حُرم شعب من لغته فقد حُرم من حريته”.

ويستطرد “قمت مع رفاقي بتأسيس مجموعة سرية مركزها طرابلس تهتم بالنشاط الثقافي بشكل عام، وبالأمازيغية بشكل خاص وحققت هذه المجموعة نجاحاً كبيراً في معظم المناطق الليبية، ما أثار غضب النظام حينها و بدأ بمحاربتنا فهجرت لأجل الامازيغية ولم أهجرها”.

ليواصل في المهجر نضاله لأجل قضيته ويشارك في تأسيس منظمات دولية تنادي بحقوق الأمازيغ، وقد “توج هذا النضال اليوم عندما نرى الأمازيغية تدرس في المدارس، سواء اتفقنا أو اختلفنا على كيفية تدريسها، إذ يكفينا أن التيفيناغ أصبحت تسطره أقلام أطفالنا في النور” بحسب قوله.

يقول الأديب الأمازيغي الليبي سعيد المحروق في كتابه (صوت منتصف الليل): “أن يموت إنسان فذلك لا يعني شيئاً، أما أن يموت تراث شعب بلغته وأساطيره فذلك هو الموت الفصيح”، قد يكون هذا الموت ابتعد شبحه كثيراً عن الأمازيغية مع عودة تدريسها للأطفال الذين سيعيشونها في المستقبل.

وهو ما يؤكده الطفل أمسناو بابتسامته المليئة بالأمل وهو يقول “أنا سعيد لأني أتعلم الأمازيغية، وعندما أكبر سأعلمها لكل الأطفال”.