فيما كان الجميع في ليبيا منشغلاً بالتطورات السياسية المتلاحقة، ومعارك الكر والفر بين الساسة على خلفية مقترح قانون العزل السياسي، نزل خبر حالات التسمم الكحولي الجماعية في 9 مارس الماضي نتيجة تناولهم جرعات من الكحول المحلي الصنع، والمحتوية على نسبة كبيرة من الميثانول نزول الصاعقة، وأثار موجة من الافتراضات والتساؤلات .

افتراضات عن سبب التسمم والفاعل الحقيقي لهذه الجريمة النكراء، و تساؤلات عن دور وزارتي الصحة والداخلية في قضية الخمور التي كشفت المستور.

ليست الأولى

فيما كان الجميع في ليبيا منشغلاً بالتطورات السياسية المتلاحقة، ومعارك الكر والفر بين الساسة على خلفية مقترح قانون العزل السياسي، نزل خبر حالات التسمم الكحولي الجماعية في 9 مارس الماضي نتيجة تناولهم جرعات من الكحول المحلي الصنع، والمحتوية على نسبة كبيرة من الميثانول نزول الصاعقة، وأثار موجة من الافتراضات والتساؤلات .

افتراضات عن سبب التسمم والفاعل الحقيقي لهذه الجريمة النكراء، و تساؤلات عن دور وزارتي الصحة والداخلية في قضية الخمور التي كشفت المستور.

ليست الأولى

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها مرات أُخر أدت لوفاة العشرات في مستشفى طرابلس المركزي قبل أشهر، ومستشفيات الزاوية والزهراء وغيرها من المستشفيات نهاية العام الماضي، دون أن يكون للحكومة أي بيان يوضح ما جرى.

ورغم قيام قناة تلفزيونية ليبية عبر برنامج بث في ديسمبر 2012 بالتحذير من كارثة أكبر، إذا لم تتخذ الحكومة الخطوات المناسبة لمنع كارثة وشيكة بسبب انتشار الخمور المحلية المسممة، تكتم المسؤولون عن تلك المستشفيات عن الأخبار التي رأوا بأنها “تابو” لا يمكن إذاعتها في مجتمع مسلم محافظ، فلم ينتشر خبر هذه المأساة.

ولعل وصول حالات التسمم هذه المرة – بحسب ما أعلنه وزير الصحة أمام المؤتمر الوطني (البرلمان) – إلى 1066 حالة، توفي منها 101 حالة، فيما أصيب الباقون بالفشل الكلوي أو الموت السريري أو فقدان البصر، أخرج الموضوع من دائرة المسكوت عنه، وأثار موجة الافتراضات والتساؤلات تلك، وقامت بعدها معظم وسائل الإعلام بالحديث عنها بشكل غير علمي يوضح سبب الكارثة.

خلط علمي

تعامل وسائل الإعلام الليبية مع الحادثة بطريقة غير علمية، وخلط معظم المتحدثين بين مادتي الايثانول و الميثانول بسبب تشابههما في المظهر والرائحة، كان السبب في تعدد الافتراضات عن السبب وعن هوية الجاني في الشارع الليبي.

ففي حين تعتبر مادة الايثانول مركباً عضوياً يستعمل في المشروبات الكحولية بنسبة  45 % و هو غير سام، ويمتصه الجسم البشري بسـرعـة عن طريق الأمعاء، ويضخه بشكل متوازي إلى جميع الأعضاء والأنسجة عن طريق الدم، ويمر بشكل رئيسي إلى الكبد ويتحول في النهاية إلى ثاني أكسيد الكربون وماء.

فإن الميثانول مادة كيميائية تتلخص سميتها في تحولها من شكلها الأساسي (ميثانول) إلى الفورمالدهيد  ثم إلى حمض الفورميك، وهو الأكثر خطراً على الجسم البشري، حيث يدخل في مجموعة من التفاعلات تبدأ نتائجها في الظهور من ساعات إلى أيام قليلة، بوصول السُم إلى الدم ومنه إلى الأجزاء المختلفة من الجسم، مسبباً العمى ومشاكل أخرى للكلى ثم إلى الوفاة، وهو ما حصل هذه المرة.

أسئلة مفتوحة

فهل هي مؤامرة لقتل شباب ليبيا؟ أم محاولة من بعض المتشددين لمعاقبة شاربي الخمر؟ أم جهل بعض تجار الكحول بالمادة السامة من أجل الكسب السريع؟ ومن أين تحصل التجار على الميثانول المختلط بالإيثانول؟

ظلت تلك الأسئلة من دون إجابات سواء من المسؤولين من وزارة الصحة أو وزارة الداخلية، واكتفى وزير الداخلية بالقول إن بعض الجناة تم القبض عليهم وسيتم عرضهم في الإعلام، الأمر الذي لم يحدث بعد ولم يحدد من المسؤول عن بيع الميثانول المختلط بالإيثانول إلى تجار الكحول المحلي “البوخة”؟.

كما لم يتم الكشف عن كثير من المعلومات إلا بعد إرسال منظمة أطباء بلا حدود خبراء سموم وطب طوارئ من النرويج واستونيا إلى طرابلس، لتقديم المساعدة التقنية إلى وزارة الصحة الليبية، وتدريب الطاقم الطبي في مركز طرابلس الطبي ومستشفى طرابلس المركزي والعمل مع الأطباء الليبيين لتحسين التشخيص والعلاج فيما لو حدثت حالات مشابهة في المستقبل.

الأكبر عالمياً

خبراء السموم وطب الطوارئ أفادوا بأن حالات التسمم الميثانولي كالتي حدثت في ليبيا ليست شائعة، لكنها تحدث من وقت لآخر في عدد من بلدان العالم، حيث يتم بيع الميثانول المختلط مع الايثانول والرخيص الثمن في السوق السوداء على أنه مشروبات كحولية.

وبيّن الخبراء أن أكبر حالة تسمم بالميثانول هي تلك التي سجلت في ليبيا سنة 2013، تليها نيكاراغوا سنة 2006 ب801 حالة تسمم و48 حالة وفاة، ثم الإكوادور سنة 2011 بأكثر من 770 حالة تسمم و51 حالة وفاة، كما حدثت حالات تسمم بالكحول الميثانول في إيران وتركيا والسعودية والسودان واندونيسيا وكينيا والهند والنرويج وتشيكيا والصين وبنغلاديش واستونيا وغيرها من دول العالم.

الغريب أنه رغم حدوث حالات سابقة لم تكن وزارة الصحة الليبية مستعدة للكارثة، حتى أنها لم تصدر بيانات من خلال وسائل الإعلام تنذر باحتمالية الإصابة بالتسمم الكحولي، فضلاً عن عدم تزويدها للمستشفيات بمواد التشخيص السريع “إس فورمات” الذي لابد من وجوده في حالات التسمم الميثانولي، ولا بعقار “فوميبيزول” الذي يكون مفيداً جداً عند وقوع الكوارث التي يكون فيها عدد الضحايا كبيراً، وهو دواء فعال جداً ويمكنه إنقاذ المريض إذا تم إحضاره للمستشفى في وقت مبكر.

ومما كان مستوراً وانكشف أيضاً أن أعداد أجهزة غسيل الكلى محدودة في كل مستشفى، ولا يوجد حتى قسم سموم وطب طوارئ في المستشفيات الليبية!!.

ضحايا متهمون

ولعل حالة التشفي من المصابين والتي شكلت القسم الأكبر من آراء المتعاطين مع هذه المسألة كانت سبباً في خشية المسؤولين حتى من التعاطف مع المصابين، فأغلب المتحدثين في وسائل الإعلام وضعوا اللوم الأول والأخير على الضحايا، الذين وصفوهم بالمنحرفين والمخالفين لشريعة الإسلام بشربهم الخمر، الذي أوصلهم إلى ما هم عليه وهذه وجهة نظر قاتلة لكل ما يحمله الإسلام من تسامح.

وفيما يبقى المواطن الليبي الذي شرب خمراً مسمماً أوصله إلى مستشفى لا يوجد فيه أبسط احتياجات التشخيص والإسعاف، هو صاحب الحق الأول في معاقبة من غشه ومن أهمل في علاجه، يستقوي عليه المسؤولون عن هذا الأمر ويحيلونه إلى ضحية متهم !!