الطبقة السياسية التونسية تعتبر المجموعات التي تسمى “رابطات حماية الثورة”، والتي تأسست في منتصف سنة 2012 بعد وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم، تهديداً للمسار الديمقراطي في تونس. وهو ما جعل البعض من قادة المعارضة يلوح بمقاطعة الانتخابات القادمة في حال عدم حل تلك الرابطات.

الطبقة السياسية التونسية تعتبر المجموعات التي تسمى “رابطات حماية الثورة”، والتي تأسست في منتصف سنة 2012 بعد وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم، تهديداً للمسار الديمقراطي في تونس. وهو ما جعل البعض من قادة المعارضة يلوح بمقاطعة الانتخابات القادمة في حال عدم حل تلك الرابطات.

مهدي بن غربية، عضو المجلس الوطني التأسيسي وأحد قادة التحالف الديمقراطي المعارض، هو أحد المطالبين بحل الرابطات، فمن وجهة نظره فإن “رابطات حماية الثورة هي ذراع لحزب سياسي هو حركة النهضة، ومن غير المعقول أن نجتمع معاً على نفس الطاولة في النقاشات السياسية، وعندما نخرج إلى الشارع نتعرض للاعتداء من طرف ميليشياتها”.

حل الرابطات احترام للقانون

وفي تصريح صحافي لبن غربية طالب بحل رابطات حماية الثورة وتطبيق القانون بصرامة، “فمع استمرارية هذه الرابطات لن نتمكن من إجراء الانتخابات، كما أن التحالف الديمقراطي لن يقبل بإجراء الانتخابات تحت تهديد الميليشيات، ولن يشارك فيها ما لم يتم حل رابطات حماية الثورة”.

وقد تزامن صدور تصريح بن غربية، الذي يعتبر الأول في التعرض مباشرة إلى إمكانية مقاطعة الانتخابات، مع تحول حسين العباسي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) إلى جنيف. فقد أبلغ العباسي منظمة العمل الدولية بالاعتداءات التي قامت بها لجان حماية الثورة وعناصر من حركة النهضة على الاتحاد بعد انتخابات 23 تشرين أول/أكتوبر 2011 وصولاً إلى اعتداء 4 كانون أول/ديسمبر الماضي.

الاتحاد يدين

المساندة التي عبّر عنها رايدر، الأمين العام لمنظمة العمل الدولية، للاتحاد العام التونسي للشغل تقوي موقف هذا الأخير في مواجهته المتوقعة مع الحكومة التونسية التي أبدت تردداً في الحسم في ملف عنف رابطات حماية الثورة. وقد تجلى هذا التردد على وجه الخصوص في رفض الطرف الحكومي التوقيع على تقرير مشترك مع الاتحاد حول أحداث 4 كانون أول/ديسمبر، برغم الاتفاق الكامل حول سير الأحداث وحول هوية المسؤولين عن الاعتداء. ذلك أن الحكومة رفضت إدانة رابطات حماية الثورة رغم ثبوت تورطها.

وفي السياق ذاته أوضح المولدي الجندوبي، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، بأن النقابة استنفذت كل المحاولات الضرورية من أجل الوصول إلى تقرير يقدم صورة واضحة وحقيقية للرأي العام الوطني عن حقيقة ما حصل والجهات المتورطة.

وأكد أن الاتحاد “يمتلك من الوثائق والحجج الكافية التي تدين الجهة أو الجهات المعتدية، وهذا ما يرفضه الطرف الحكومي المفاوض الذي يصر على رفض إدانة رابطات حماية الثورة”.

وفي ندوة صحفية عقدها الاتحاد يوم السبت 6 نيسان/أبريل بحضور قيادات من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين ومنظمة أرباب العمل الاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة، تم عرض شريط مصور يوثق تورط أعضاء رابطات حماية الثورة وعضو من المكتب الجهوي لحركة النهضة بتونس المدينة في اعتداء الرابع من كانون أول/ديسمبر بمناسبة احتفال الاتحاد بذكرى اغتيال المناضل الوطني والنقابي فرحات حشاد (عام 1952).

كما عرض التقرير الختامي للجنة التحقيق وثيقة إدانة هي “الأكثر بلاغة ودلالة على تورط رابطات حماية الثورة وحركة النهضة”، حسب أحمد صواب رئيس الدائرة التعقيبيّة بالمحكمة الإدارية. وهو نفس ما أكده شوقي الطبيب عميد المحامين الذي تحدث عن “أدلة دامغة”.

الداخلية تؤكد تورط الرابطات

مختار الطريفي، الرئيس الفخري للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعضو لجنة التحقيق المنبثقة عن اتفاق 12 كانون أول/ديسمبر 2012 بين الحكومة واتحاد الشغل، توقف عند تقريري وزارة الداخلية المقدمين للّجنة، وقال إن المحتوى يتحدث عن أسماء مثل هشام كنّـو وأيمن بن عمار وأسماء أخرى استعرضت عضلاتها وتباهت عبر شبكات التواصل الاجتماعي باعتداءاتها على مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل.

لكنه يقول أيضاً إن “الجزء الهام من الشريط المصور لوزارة الداخلية لم يصل اللجنة بدعوى أن المصور الأمني هرب عند اندلاع العنف، في حين أنه كان على سطح عمارة وفي مأمن من العنف”.

ومن بين الصور المعروضة التي علق عليها القاضي أحمد صواب، مشهد يطلب فيه ضابط الشرطة الرائد محمد علي العروي من قوات الأمن عدم المس بأعضاء رابطات حماية الثورة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الضابط تم تعيينه بعد التعديل الوزاري الأخير ناطقاً رسمياً باسم وزارة الداخلية.

في المقابل أكدت الرابطة الوطنية لحماية الثورة رفضها لعمل لجنة التحقيق في أحداث الاعتداء على الاتحاد العام التونسي للشغل واعتبرتها منحازة بسبب وجود ممثل عن الاتحاد فيها. وأكدت بأنها تستعد للإعلان عن تشكيل جبهة وطنية لتحصين الثورة، ومطالبتها بحل المكتب التنفيذي للاتحاد الذي تتهمه بقيادة الثورة المضادة.

ومن جهته نفى محمد الأسعد عبيد رئيس جبهة تصحيح مسار الاتحاد العام التونسي للشغل المتهم بدوره بالضلوع في اعتداء الرابع من كانون أول/ديسمبر أي دور لمجموعته في هذا الاعتداء، ملقياً باللائمة على نقابيي الاتحاد في المواجهة الحاصلة بين الطرفين.

وتعهد بمواصلة العمل على إسقاط القيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل التي اتهمها بالمساهمة في إرباك الوضع العام وتعطيل مصالح البلاد والعباد والانخراط في الثورة المضادة وتخريب البلاد، حسب قوله.

حسين العباسي أمين عام المنظمة الشغيلة أوضح في ختام الندوة الصحفية للاتحاد أن ما تم عرضه من وثائق وصور ومعطيات أكدتها تقارير وزارة الداخلية، يدين بوضوح رابطات حماية الثورة، وقال إن كل خطوة نحو الحوار مع الحكومة مرتبطة بالاعتراف بمسؤولية هذه الرابطات ومعاقبة الجناة. وأضاف أن الهيئة الإدارية للاتحاد هي التي ستحدد – باعتبارها أعلى سلطة – شكل التحرك القادم للمركزية النقابية.

إضراب عام

وفي ظل الظروف الراهنة يتوقع مراقبون أن تعلن الهيئة الإدارية للاتحاد الإضراب العام، في حال لم تتم الاستجابة إلى مطالب القيادة النقابية التي لا يمكنها أن تتهاون إزاء أي اعتداء على المنظمة النقابية العريقة، التي ساهمت في تحرير البلاد من الاستعمار وبناء الدولة والدفاع عن العمال بالفكر والساعد.

أستاذ القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس شفيق صرصار بيّن أن النظام الأساسي لرابطات حماية الثورة يخالف قانون الجمعيات، خاصة وأنه تضمن بنداً يلزم بموجبه المنخرطين بـ “عدم إفشاء سر الرابطة والتصدي لأعداء الثورة”. واعتبر أنه لا خيار أمام الحكومة والمتشددين من أقطاب الحكم غير الاحتكام إلى القانون للخروج من ورطتهم.

وأمام التهديد كذلك بمقاطعة الانتخابات القادمة تجد حكومة علي العريض والأطراف الفاعلة في حركة النهضة نفسها في لا تحسد عليه: إما حل ميليشيات روابط حماية الثورة أو المواجهة الشاملة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وقوى المعارضة والمجتمع المدني وسط سخط شعبي على تدهور الأوضاع المعيشية وسوء أداء الحكومة، مما قد يضع البلاد على أعتاب ثورة جديدة.